توقيت القاهرة المحلي 23:15:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما أحلاها عيشة الفلاح..!

  مصر اليوم -

ما أحلاها عيشة الفلاح

بقلم : محمود خليل

«أداهم الفلاحين» عاشوا أيضاً فترة شديدة الإرهاق خلال عقدَى الثلاثينات والأربعينات. دعونا نقرأ بعض الأرقام التى توضح خريطة مصر الزراعية حينذاك، كما ذكرها المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 23 يوليو». وفيها أن حجم الأرض الزراعية فى مصر قبل عام 52 كان يقارب 6 ملايين فدان، يمتلكها ما يقرب من 2.7 مليون مواطن، وقبل أن تربط بين الرقمين لتخرج باستنتاج أنبهك إلى أن ما يقرب من 2.3 مليون من إجمالى المُلاك تراوح حجم ما يملكون من أرض ما بين نصف فدان إلى فدانين. فى المقابل كان هناك 280 مالكاً فى مصر تزيد ملكيتهم على 500 فدان.

ولا تجد تشبيهاً أبلغ فى وصف حالة الأرض والفلاح فى مصر ما قبل ثورة 1952 مما قدمه الدكتور خليل حسن خليل فى الجزء الأول من سيرته الذاتية المعنون بـ«الوسية». فقد كانت أغلب الأراضى مجرد وسايا مملوكة لخواجات أو لباشوات الأداهم المصريين، أما الأغلبية الساحقة من الفلاحين فتعمل فى أرض الوسية التى يعتصر صاحبها خيراتها ويراكم الثروات منها ولا يُلقى لمن يعرق فيها إلا الفتات. كان هناك «أداهم فلاحون» يشعرون بالغضب مما يحدث، وكان هناك راضون قانعون بما يجود عليهم المالك. من يتأمل «الوسية» سيخلص إلى أن خليل حسن خليل وربما الفلاح محمد محمود -أحد أبطال السيرة الذاتية- كانا وحدهما الساخطين على هذه الأوضاع، بل وظهر من بين الفلاحين مَن استغل الأوضاع فسرق ونهب الخواجة كما ينهب الفلاحين، مثل الخفير «خطاب» والشيخ «سالم» خولى الأنفار. ودعنى أذكرك من جديد بأن «خليل» كان يكتب عن شخوص حقيقيين وتجربة واقعية مر بها.

مشهد الوسايا كان يختزن فى رحمه قلة أدهمية غاضبة وناقمة على الأوضاع، وقلة أخرى تشارك المالك فى لعبة السرقة، وأغلبية كبيرة ترى أنه لا جديد تحت شمس المحروسة التى تحرق رأس الفلاح وأن الرضاء بالمقسوم عبادة، تحاول أن تختزل جهدها قدر ما تستطيع وأن تظفر بالراحة متى وجدتها إلى أن يلهبها سوط «الخولى» أو «الخفير»، وتداوى همها بالصوفية والقدرية وأشكال التخدير الأخرى. من كان ينظر فى وجه أداهم الفلاحين فى ذلك الوقت كان بإمكانه أن يلمح البؤس الممزوج بالرضا. لقد غنَّى محمد عبدالوهاب -مطرب الملوك والأمراء- للفلاح المصرى: «ما أحلاها عيشة الفلاح.. متطمن قلبه مرتاح.. يتمرغ على أرض براح.. والخيمة الزرقا ساتراه». ولست أدرى هل كان المبدع بيرم التونسى يصف حالة «الرضا بالمقسوم» التى كانت إحساساً حقيقياً داخل الفلاح الأدهم أم «الرضاء بالواقع» وهو يكتب أغنيته البديعة؟!.

ورغم ذلك ليس بإمكان المتتبع للحالة الأدهمية أن يهمل أن فلاحين كثراً وفدوا إلى القاهرة من قرى ونجوع مصر يلفهم الفقر من شتى زواياهم، تمكنوا من التحول إلى نجوم ساطعة فى سماء العاصمة، وقد اختلف هؤلاء فى سيرتهم والطرق التى اختاروها لأنفسهم بعد أن تثقفوا وتعلموا فى ظل مناخ كان يسمح لصغار الأداهم بالصعود فى السلم الاجتماعى إذا اجتهدوا وأخلصوا، بل وكان يساعدهم أيضاً. ولست بحاجة إلى أن أذكر لك أمثلة لأسماء سبق أن عددتها لك من كبار مفكرى ومثقفى القرن العشرين أنبتهم فقر القرى وحققوا نجاحات مبهرة فى القاهرة. المشكلة كانت دائماً فى طراز أدهمى خاص من أبناء الريف تبنى نظرة عجيبة إلى الفلاحين الذين خرج من رحمهم بعد أن أصبح من الحكام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما أحلاها عيشة الفلاح ما أحلاها عيشة الفلاح



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

"رو رويال" روح ليون في قلب دبي بأشهى المذاقات

GMT 17:44 2020 الإثنين ,07 أيلول / سبتمبر

ألمانيا تسجل 814 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 15:35 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سر بكاء شام الذهبى ابنة أصالة نصري في إحدي حفلات والدتها

GMT 22:39 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع الثلاثاء

GMT 23:48 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

مؤشر البورصة العراقية يغلق على ارتفاع الاحد

GMT 23:53 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

إصابة محمد صلاح قبل مواجهة فريق برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon