توقيت القاهرة المحلي 18:25:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأردن يعبر المرحلة الحرجة؟

  مصر اليوم -

الأردن يعبر المرحلة الحرجة

بقلم - محمد علي فرحات

 ليس الأردن وحده في أزمة اقتصادية، فالأمر ينسحب على لبنان، وعلى دول أخرى في المشرق تعاني ما يتجاوز الاقتصاد إلى الخطر على كيانها السياسي والاجتماعي، مثل فلسطين وسورية والعراق.

ثمة إجماع على استناد الاقتصاد الأردني، في واحد من بنوده الرئيسية، إلى مساعدات عربية ودولية، وهو لم يصل بعد إلى وضع يمكّنه من الاستغناء عنها. هذه هي المشكلة في الأصل، وما يجعلها تتفاقم اعتياد الجمهور الأردني على استقرار اقتصادي أوصله إلى الشعور بالعيش في دولة رعاية، وهذا الأمر غير صحيح، وفي حال صحته فهو يفتقد ضمانات الديمومة.

الأردن واحد من الكيانات السياسية في المشرق العربي التي اعتاد القوميون الرومانسيون اعتبارها مرتبطة بأدوار، حتى إذا انتهى الدور ينتهي الكيان. هذه النظرة التي سادت لدى حركة القوميين العرب وحزب البعث منعت أو أضعفت تشكّلات الإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل من هذه الكيانات. وحيث حكم البعثيون، أي في سورية والعراق، جرى احتقار الشعور الوطني واعتباره خيانة للأمة الواحدة الكبرى: «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» وهي جملة شعرية أهداها الشاعر سليمان العيسى لاحقاً لزعيم حركة 23 يوليو المصرية حين حقق الوحدة مع سورية، وأردفها بالقول «لبيك عبدالناصر».

ليس الأمر ببساطة هذه الرومانسية القاتلة، فالكيانات السياسية التي نشأت بعد انهيار السلطنة العثمانية ما لبثت أن أصبحت أوطاناً ترتبط بها شعوب وتنتمي إليها، وتريد العيش كما يعيش مواطنو دول أخرى في العالم. لقد صار حقيقياً وملموساً وواقعياً وجود مواطن أردني وآخر سوري وثالث عراقي ورابع لبناني، بل أيضاً مواطن فلسطيني ينتظر أن تتحقق مواطنته في دولة. ومن هنا فالأزمة الأردنية ليست ناتجة عن نهاية دور للكيان لأن الأدوار تتغير والأوطان تبقى. المواطن الأردني يعيش هذه الحقيقة، والمجموعات المتظاهرة اعتراضاً على مشاريع قوانين اقتصادية، إنما بعثت برسالة عتب إلى النظام أو إلى بعض مكوّناته، لكن الثقة باقية والخطاب الموجّه إلى الملك عبدالله الثاني كان موحّداً بين المتظاهرين ورجال الشرطة الذين يحرسونهم.

الثقة الإجماعية بالملك صار مطلوباً أن تنسحب على القياديين الرئيسيين فالوضع لا يحتمل اجتهادات غير محسوبة، والمساعدات الآتية من خارج الحدود هي أرقام وليست فقط كلاماً يؤكد الصداقة. صارت نظرة المحيط القريب والمحيط البعيد فاترة في خصوص العون الاقتصادي، وقد تغيرت الأولويات مع التعقيد السياسي والعسكري، وبالتالي الاقتصادي، الذي تعيشه أوروبا وأميركا ودول الشرق الأوسط. من هنا يفترض المراقبون الحسنو النية أن تعمد الحكومة الأردنية الجديدة إلى التأكيد على الثقة بين الحاكم والمحكوم، انطلاقاً من الشفافية والمصارحة، فما هو مطلوب من أركان الدولة مطلوب مثله من المواطنين: حسن التدبير والصبر على ندرة الموارد، والسعي الواقعي إلى تحسين الإنتاج في الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة ومناجم الفوسفات وغيره، والتعاون بين المقيمين والمغتربين لتخطي مرحلة الشحّ الاقتصادي التي يمر بها الأردن ويعاني منها مواطنوه. ولحسن الحظ فإن أوروبا والولايات المتحدة لا تزالان تدعمان في الأردن مشاريع إنمائية وإنسانية، مثل إنشاء المدارس وتحسين أدائها وإنشاء وتطوير مستشفيات وتمكين المرأة عبر مؤسسات تقدم لها آفاق العمل والحضور الاجتماعي. هذا الدعم يخفف عن خزينة الدولة أعباء يمكن تخصيصها لمجالات أخرى يحتاجها المجتمع.

وقبل أي أمر آخر يجب توضيح الصورة: ما هي معالم الأزمة الاقتصادية حقاً في الأردن؟ وما هي مشاريع القوانين التي تتحاور الحكومة والمجتمع حولها لإقرارها ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع؟ رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز من أهل الوضوح والتفاعل مع الآخر، ويمكن بالشفافية والثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، بمن فيهم الحرس القديم، أن يعبر الأردن دولة ومجتمعاً هذه المرحلة الحرجة.


نقلا عن الحياة اللندنية.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

ليس الأردن وحده في أزمة اقتصادية، فالأمر ينسحب على لبنان، وعلى دول أخرى في المشرق تعاني ما يتجاوز الاقتصاد إلى الخطر على كيانها السياسي والاجتماعي، مثل فلسطين وسورية والعراق.

ثمة إجماع على استناد الاقتصاد الأردني، في واحد من بنوده الرئيسية، إلى مساعدات عربية ودولية، وهو لم يصل بعد إلى وضع يمكّنه من الاستغناء عنها. هذه هي المشكلة في الأصل، وما يجعلها تتفاقم اعتياد الجمهور الأردني على استقرار اقتصادي أوصله إلى الشعور بالعيش في دولة رعاية، وهذا الأمر غير صحيح، وفي حال صحته فهو يفتقد ضمانات الديمومة.

الأردن واحد من الكيانات السياسية في المشرق العربي التي اعتاد القوميون الرومانسيون اعتبارها مرتبطة بأدوار، حتى إذا انتهى الدور ينتهي الكيان. هذه النظرة التي سادت لدى حركة القوميين العرب وحزب البعث منعت أو أضعفت تشكّلات الإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل من هذه الكيانات. وحيث حكم البعثيون، أي في سورية والعراق، جرى احتقار الشعور الوطني واعتباره خيانة للأمة الواحدة الكبرى: «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» وهي جملة شعرية أهداها الشاعر سليمان العيسى لاحقاً لزعيم حركة 23 يوليو المصرية حين حقق الوحدة مع سورية، وأردفها بالقول «لبيك عبدالناصر».

ليس الأمر ببساطة هذه الرومانسية القاتلة، فالكيانات السياسية التي نشأت بعد انهيار السلطنة العثمانية ما لبثت أن أصبحت أوطاناً ترتبط بها شعوب وتنتمي إليها، وتريد العيش كما يعيش مواطنو دول أخرى في العالم. لقد صار حقيقياً وملموساً وواقعياً وجود مواطن أردني وآخر سوري وثالث عراقي ورابع لبناني، بل أيضاً مواطن فلسطيني ينتظر أن تتحقق مواطنته في دولة. ومن هنا فالأزمة الأردنية ليست ناتجة عن نهاية دور للكيان لأن الأدوار تتغير والأوطان تبقى. المواطن الأردني يعيش هذه الحقيقة، والمجموعات المتظاهرة اعتراضاً على مشاريع قوانين اقتصادية، إنما بعثت برسالة عتب إلى النظام أو إلى بعض مكوّناته، لكن الثقة باقية والخطاب الموجّه إلى الملك عبدالله الثاني كان موحّداً بين المتظاهرين ورجال الشرطة الذين يحرسونهم.

الثقة الإجماعية بالملك صار مطلوباً أن تنسحب على القياديين الرئيسيين فالوضع لا يحتمل اجتهادات غير محسوبة، والمساعدات الآتية من خارج الحدود هي أرقام وليست فقط كلاماً يؤكد الصداقة. صارت نظرة المحيط القريب والمحيط البعيد فاترة في خصوص العون الاقتصادي، وقد تغيرت الأولويات مع التعقيد السياسي والعسكري، وبالتالي الاقتصادي، الذي تعيشه أوروبا وأميركا ودول الشرق الأوسط. من هنا يفترض المراقبون الحسنو النية أن تعمد الحكومة الأردنية الجديدة إلى التأكيد على الثقة بين الحاكم والمحكوم، انطلاقاً من الشفافية والمصارحة، فما هو مطلوب من أركان الدولة مطلوب مثله من المواطنين: حسن التدبير والصبر على ندرة الموارد، والسعي الواقعي إلى تحسين الإنتاج في الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة ومناجم الفوسفات وغيره، والتعاون بين المقيمين والمغتربين لتخطي مرحلة الشحّ الاقتصادي التي يمر بها الأردن ويعاني منها مواطنوه. ولحسن الحظ فإن أوروبا والولايات المتحدة لا تزالان تدعمان في الأردن مشاريع إنمائية وإنسانية، مثل إنشاء المدارس وتحسين أدائها وإنشاء وتطوير مستشفيات وتمكين المرأة عبر مؤسسات تقدم لها آفاق العمل والحضور الاجتماعي. هذا الدعم يخفف عن خزينة الدولة أعباء يمكن تخصيصها لمجالات أخرى يحتاجها المجتمع.

وقبل أي أمر آخر يجب توضيح الصورة: ما هي معالم الأزمة الاقتصادية حقاً في الأردن؟ وما هي مشاريع القوانين التي تتحاور الحكومة والمجتمع حولها لإقرارها ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع؟ رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز من أهل الوضوح والتفاعل مع الآخر، ويمكن بالشفافية والثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، بمن فيهم الحرس القديم، أن يعبر الأردن دولة ومجتمعاً هذه المرحلة الحرجة.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن يعبر المرحلة الحرجة الأردن يعبر المرحلة الحرجة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 08:41 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الخميس 22 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 19:37 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

سفيتولينا تودع بطولة فرنسا المفتوحة للتنس أمام بودوروسكا

GMT 12:53 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يكتشفون79 مضادا حيويا جديدا في براز الإنسان يطيل العمر

GMT 01:31 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

رانيا يوسف ترقص أمام مدرسة ابنتها احتفالا بتخرجها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon