توقيت القاهرة المحلي 03:00:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر وإثيوبيا وثالثهما النيل

  مصر اليوم -

مصر وإثيوبيا وثالثهما النيل

بقلم : ماهر حسن

 تدفعنا التغييرات التاريخية التى تراوحت بين الشد والجذب والتوافق وسوء الفهم بين مصر وإثيوبيا لنقدم قراءة تاريخية لهذه العلاقة التى تمتد لقرون منذ نشأة الكنيسة الأرثوذكسية فى القرن الرابع الميلادى، والتى ظلت إحدى المطرانيات التابعة للبطريركية القبطية واستمدت الكنيسة الإثيوبية عقيدتها الأرثوذكسية وآدابها وثقافتها الدينية من الكنيسة المصرية وكان بطريرك الكرازة المرقسية يعين مطران الكنيسة الإثيوبية بين الرهبان المصريين وكان «كاشانى برهان» أى «كاشف النور» أول مطران للكنيسة الإثيوبية قامت بسيامته الكنيسة المصرية فى 328م.

 كان التقليد بأن يقوم الكرسى السكندرى فى مصر بسيامة مطران إثيوبيا، وظل هذا التقليد معمولاً به حتى 1950 إلى أن عمد الغرب فى القرن 19 إلى زعزعة العلاقة بين الكنيستين المصرية والإثيوبية وكادت تتسبب فى اندلاع الحرب بين مصر وإثيوبيا لولا قيام سعيد باشا بإرسال البابا كيرلس الرابع إلى إثيوبيا للتوسط مع إمبراطورها ونجح البابا فى مهمة الوساطة وعاد محملا بالهدايا وبين 1902 و1922 عادت الأمور للتحسن فى العلاقات السياسية بين البلدين مصر وإثيوبيا فى هذه الفترة من القرن العشرين عما كانت عليه فى القرن التاسع عشر، وتم توقيع معاهدة سنة 1902 حلا لمشاكل الحدود التى تسببت سابقا فى تدهور العلاقات بينهما، وحافظت هذه المعاهدة على حقوق مصر فى منابع النيل.

ولاحقا جمعت الرئيس عبدالناصر والإمبراطور هيلاسلاسى علاقة قوية وكانت إثيوبيا تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية وكان للبابا السابق كيرلس علاقات شخصية بالإمبراطورهيلاسلاسى واستثمرها عبدالناصر فى خدمة المصالح المشتركة وكانت تتم دعوة الإمبراطور هيلاسلاسى فى افتتاح الكنائس فى مصر

ووفق شهادة الباحث فى الشأن الأفريقى حلمى شعراوى والذى كان شاهدا على هذه العلاقة القوية أن الإمبراطور «هيلاسلاسى» كان لا يدخل قاعة القمة الأفريقية للوحدة الأفريقية إلا ويده فى يد «عبدالناصر» مضيفا أو مستضافا!

وعلى إثر الإطاحة بهيلاسلاسى شهدت العلاقات المصرية الإثيوبية تراجعا وصارت شكلية، ومن ثم استقلت الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية عن الكنيسة الأم فى مصر ثم كانت الكتلة المضادة للمد الشيوعى (عام 1975) (والمكونة من الولايات المتحدة ومصر السادات والمغرب والسعودية وكينيا وإيران الشاه) والتى اعتبرها منجستو هايلا مريام مؤامرة مصرية ضد إثيوبيا حتى إنه فى خطبة له عام 1979 حطم زجاجات مملوءة دماً على اسمى مصر والسعودية وعقب كامب ديفيد عرض الرئيس السادات إمداد صحراء النقب الإسرائيلية بالماء عبر ترعة السلام، وفى 16 فبراير 1978 تحدى الرئيس الإثيوبى منجستو هايلا مريم حق مصر التاريخى فى مياه النيل، وفى أول مايو 1978 رد السادات على تهديد منجستو بأن مصر ستشن حرباً إذا تعرضت حقوقها المائية للخطر.

ومع سقوط الشيوعية فى 1991 بدأت الاتصالات لاستعادة العلاقة بين الكنيستين، فزار وفد إثيوبى مصر لهذا الغرض عام 1993، وبدت الأمور تأخذ منحى جديدا، لكنها توترت بسبب حساسية الموقف بين إثيوبيا وإريتريا، ثم تدهورت مجددا العلاقات بين البلدين بسبب الخلاف على مياه النيل وهو ما تجلى فى الخلاف بين دول المنبع ودول المصب لحوض نهر النيل، إذ قادت إثيوبيا وشجعت توجه دول المنبع إلى التوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل رغم اعتراض مصر والسودان.

وفى نوفمبر 2010، اتهم رئيس الوزراء الإثيوبى مليس زيناوى مصر باحتمال لجوئها للعمل العسكرى ضد بلاده بسبب الخلاف على مياه النيل، مما أثار دهشة مصر وفندت مصر هذا الزعم، غير أن زيناوى قال لوكالة رويترز إن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وحان الوقت ليحسم المصريون موقفهم إذا ما كانوا يريدون العيش فى القرن الحادى عشر أو القرن التاسع عشر.

ثم وقعت إثيوبيا فى مايو 2010 هى وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا اتفاقية جديدة مناقضة للاتفاقية السابقة بشأن مياه النيل التى أبرمت عام 1929 وأعطت الدول الموقعة لبقية دول حوض النيل- وهى مصر والسودان وبوروندى وجمهورية الكونغو الديمقراطية- عاما للانضمام للاتفاقية، وفى مايو 2011، قال زيناوى خلال لقائه الوفد الشعبى المصرى إنه وافق على تشكيل لجنة خبراء مصرية - إثيوبية للتأكد من أن سد الألفية العظيم لا يؤثر على حصة مصر فى مياه النيل، وإذا ثبت ضرره سنقوم بتغيير التصميم.

وفى 16 سبتمبر 2011، قام زيناوى بأول زيارة رسمية لمصر بعد قيام الثورة المصرية 2011 والتقى رئيس الوزراء عصام شرف والمشير حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وناقشوا ضرورة وجود آلية للحوار السياسى على مستوى وزراء الخارجية تجتمع دوريا لمناقشة مشروعات التعاون وإزالة المشاكل التى تؤثر على العلاقات الثنائية.

ونقف على تحليل وتوصيف منهجى فى بحث مهم للباحث حلمى شعراوى حول ما طرأ على الذهنية السياسية الإثيوبية فيقول: «قرأت تعليقات كثيرة من الأدبيات الإثيوبية مؤخرا، واندهشت لتكرار أن مصر تريدنا دولة ضعيفة...»، إن مصر استغلت ضعفنا وعقدت اتفاقيات 1891، 1929، 1959.. إن مصر تؤكد الآن ملكيتها وحدها لكل مياه النيل التى تنبع فى إثيوبيا، وحقها التاريخى وحدها، مع أن إثيوبيا هى مصدر المياه، وحق الإنسان الإثيوبى فى مياهه له قدسية مثل قدسية مصر.

وفيما يتعلق بسد النهضة فقد كان الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والرى المصرى السابق قد حذر فى تصريح قديم، من مخطط إثيوبى لإقامة العديد من السدود على نهر النيل، مشيرا إلى أن إعلان أديس أبابا عن إقامة أضخم سد على النيل - الألفية العظيم- يؤكد أنها ستواصل خططها للتحكم الكامل فى مياه النيل الأزرق وتمضى إثيوبيا بخطة لإقامة ٤ سدود على نهر النيل للتحكم فى مياه النيل ونبه خبراء مياه أن ذلك سيحول بحيرة ناصر إلى بركة خلال سنوات من بدء تشغيل هذه السدود وحذروا من انتهاج أديس أبابا سياسة فرض الأمر الواقع، خاصة مع بناء العديد من السدود الصغيرة ثم قاموا بتنفيذ سد تكيزه الذى لم تحتج عليه الحكومة المصرية. كما أن إثيوبيا تظهر وكأنها الدولة التى تستأثر بمياه النيل دون غيرها من دول الحوض، وكانت إثيوبيا فى 21 إبريل 2011 قد أعلنت رفضها السماح لمصر بفحص سد الألفية إذا لم توقع القاهرة اتفاقا جديدا تتخلى بموجبه عن حقها فى النقض بشأن توزيع مياه النهر وأبدى وزير الخارجية الإثيوبى هيلامريام دسالنى استعداد بلاده للتفاوض والمشاركة على المستوى الأعلى والفنى، وقال «لكننا دولة ذات سيادة».

انتهى سردنا التاريخى لتطور العلاقة بين مصر وإثيوبيا ولا ينقصنا سوى أن نعرف بوضوح وجلاء وشفافية إلى أى نقطة وعلى أى نحو وصلنا مع إثيوبيا فيما يتعلق بمصير مصر المائى.

 نقلا عن المصري اليوم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر وإثيوبيا وثالثهما النيل مصر وإثيوبيا وثالثهما النيل



GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 02:11 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاستثمار البيئي في الفقراء

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 18:29 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

طلعت زكريا يفاجئ جمهوره بخبر انفصاله عن زوجته

GMT 12:07 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

كيفية تحضير كب كيك جوز الهند بالكريمة

GMT 09:10 2018 الأربعاء ,15 آب / أغسطس

"الهضبة" يشارك العالمي مارشميلو في عمل مجنون

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

النسخة العربية للعبة كابتن تسوباسا

GMT 14:08 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

أوستراليا تسجل أدنى درجة حرارة خلال 10 سنوات

GMT 01:41 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

تريزيجيه يدعم محمد صلاح بعد الإصابة

GMT 22:03 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

السبب العلمي وراء صوت "قرقعة الأصابع"

GMT 08:14 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

محلات flamme تعرض مجموعتها الجديدة لشتاء 2018

GMT 18:05 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

"مازدا" تطرح الطراز الجديد من " CX-3 -2017"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon