توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمن الدولة: الحزم والأنسنة في عالم مضطرب

  مصر اليوم -

أمن الدولة الحزم والأنسنة في عالم مضطرب

بقلم - يوسف الديني

بنهاية هذا الأسبوع يغادر حجاج بيت الله الحرام وضيوف الرحمن وزوار سيدة المدن طيبة الطيبة عائدين إلى بلدانهم، محمّلين بالدعوات الطيبة والذكريات الخالدة والكثير من «المعنى» و«الصورة» عن السعودية قيادة وشعباً بعد ما رأوه بأم أعينهم مما لا يمكن أن تستهدفه كل منصات العالم أو وكالات العلاقات العامة والتقارير المغرضة، فليس من رأى كمن سمع كما تقول العرب.

السعودية بـ«رؤيتها 2030» الطموحة تتحول في موسم الحج إلى ورشة عمل مفتوحة وخلية نحل تشمل كل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وغير الربحي والجمعيات ومئات الآلاف من المتطوعين نحو هدف واحد، وهو خدمة ضيوف الرحمن، مستلهمين كلمة خادم الحرمين الشريفين: «خدمة ضيوف الرحمن هي الشرف الأكبر لنا» وقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «خدمة حجاج بيت الله الحرام محل فخرنا واعتزازنا».

نجحت التجربة السعودية وكرّست تفوقها في إدارة الحشود وبشكل مذهل يستحق الدراسة والقراءة، لا سيما من زاوية الأمن والرعاية وهما جزء مهم من علاقة أكثر تعقيداً تتجلى فيها التجربة السعودية، وهي علاقة مفهوم الأمن بمؤسساته ورجالاته بالمواطن والمجتمع والمبنية على ثقة عالية ومتبادلة تستحق أيضاً الكثير من التأملات حول سياقها التاريخي منذ لحظة التأسيس وحتى اليوم.

وبعيداً عن هذه النجاحات المشرفة، يمكن القول إن مفهوم الأمن اليوم في العالم يعيش أكثر حالاته تأزماً واضطراباً وربما كان استحضار ثلاثة أحداث قريبة يجعلنا نعود باعتزاز إلى قراءة ومقاربة أسرار تفوق التجربة السعودية.

ما زالت أوروبا تعيش صدمة ما بعد أحداث العنف في فرنسا، صحيح أن الخبر لم يعد ساخناً على شاشة التلفزة، إلا أنه اليوم حديث وشغل مراكز الأبحاث الشاغل، لا سيما مع تكتلات اليمين الشعبوي الذي يبث قناعاته عبر منصاته الخاصة معلناً فشل نموذج المجتمع المتعدد الثقافات في أوروبا، أو بحسب القيادي في حزب «البديل من أجل ألمانيا» ديرك نوكيمان الذي علق على الأحداث بأنها «مسألة وقت فقط» حتى يحدث انفجار مماثل في معظم دول أوروبا، وكان التصريح الأكثر إشعالاً للسجالات بين اليمين وبين خصومهم ما نقلته منصة «دويتشه فيله» الألمانية عن تقرير صحيفة «ترود» البلغارية: ليست فرنسا وحدها هي التي تحترق، ولكن أيضاً سياسة التعددية الثقافية التي تم فرضها لسنوات كثيرة والتي أدت إلى هذا التطور رغم الجهود العبثية لإدماج المهاجرين. وكذلك جهود إدماج الجيلين الثاني والثالث بنجاح في الثقافة الوطنية. يحاول الرئيس إيمانويل ماكرون مرة أخرى دفن رأسه في الرمال في انتظار مرور العاصفة!

ماكرون وحكومته التي تهاجَم الآن بضراوة من الطرفين اليمين ومن عموم المتعاطفين مع ملف الهجرة والاندماج والضواحي والأقليات، كانت تصريحاته لافتة في التشديد على استعادة الأمن بأي ثمن! وبأن ثمة تدابير يتم طرحها حول معاقبة عائلات الشباب الذين يخوضون احتجاجات عنيفة في فرنسا، وكلنا يتذكر أيضاً حالة التململ وتأجيل ملف عائلات العالقين في مناطق التوتر من المواطنين الأوروبيين وحاملي جنسياتها، وبعيداً عن تصريحات كهذه لمسؤولين أوروبيين فهي أقرب إلى الشأن الداخلي إلا تمر دون أن تتعرض لحملات استهداف وبيانات وحملات حقوقية يتم خدمتها عبر الصحف والإعلانات والحملات ذات المضامين السياسية كما هو الحال في أي ملف يخص دولاً لديها موقف واضح من مسألة الأمن واستراتيجية تعد الأنموذج في الجمع بين الحزم وتغليب القانون وسيادته وبين الأنسنة Humanization في التعامل مع مرتكبي العنف متى ما أبدوا رغبة في العودة والتراجع، فضلاً عن فصل عائلاتهم عن أي سياق يخصهم، حيث «لا تزر وازرة وزر أخرى»، بل على العكس تماماً هناك الكثير من البرامج لرعاية أسر الموقفين وتمكينهم من التواصل الفعال النموذج وبإشراف مباشر من رئاسة أمن الدولة.

وليس بعيداً عن أوروبا كان الحدث الذي زاد من صعود مفهوم الأمن على كل الشعارات التي كانت ترفع ويتم استهداف دول حازمة وعاقلة كدول الاعتدال وفي مقدمتها المملكة إعلان الحكم المؤبد على غادر ميرساد كانديك الأمريكي المولود في كوسوفو والذي ساعد في تجنيد «آلاف» المقاتلين في تنظيم «داعش»، وفق ما أعلنت وزارة العدل الأميركية.

وما يهم هنا ليس الحكم، وإنما ما جاء في تسبيب أو تعليل الحكم، وهو أنه كان أميراً لوزارة الإعلام في الجماعة المتطرفة، وأنه تولى نشر دعايتها ورسائل التجنيد فيها عبر الإنترنت عبر أكثر من 120 حساب «تويتر»، كما أنه ساهم في تجنيد وإرسال آلاف من المقاتلين لمناطق التوتر.

أميركا والأوروبيون اليوم يعترفون بتجريم المنظر والمبرر وليس المفجر فقط، وبعضهم يريد تجاوز ذلك إلى معاقبة العائلات أو حتى محاولة حرمان دول بأكملها من حقوق اللجوء إليها طلباً للأمن ودون تلكؤ أو اعتبار لكل الشعارات التي كانت تستخدم كروتَ ضغطٍ سياسية.

خلاصة القول، لا يمكن استيعاب مفهوم الأمن وعلاقته بالنجاحات السعودية دون قراءته في سياقه التاريخي الطويل، وعلاقته بطبيعة العقد الاجتماعي في السعودية والصورة الإيجابية النابعة من رعاية الأصلح، ولا شك أن اختلال مفهوم الأمن اليوم من حول العالم أسقط مشروعات ضخمة في استهداف المملكة من هذه الزاوية، إما من خلال التشغيب على إدارتها للحج أو على استراتيجيتها ومقارباتها الأمنية، ومع سقوط تلك الأقنعة تحولت رهانات صانعي البروباغندا؛ من وكالات إخبارية وصحف ومعلقين وجوقة من الشخصيات المدثرة بالحقوق إلى صمت مطبق، حيث الشمس لا تغطى بغربال!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمن الدولة الحزم والأنسنة في عالم مضطرب أمن الدولة الحزم والأنسنة في عالم مضطرب



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة

GMT 00:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غوارديولا يحذر السيتي وآرسنال من مصير ليفربول
  مصر اليوم - غوارديولا يحذر السيتي وآرسنال من مصير ليفربول
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon