توقيت القاهرة المحلي 03:11:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق وأهازيج الرياضة

  مصر اليوم -

العراق وأهازيج الرياضة

بقلم:أمل عبد العزيز الهزاني

قبل 44 عاماً نظّم العراق بطولة كأس الخليج لكرة القدم، المحفل الرياضي الذي يجمع دول الخليج مع العراق واليمن. دخل بعدها العراق في أتون اضطرابات أمنية وسياسية أبعدته تماماً عن الأنشطة الإنسانية التي تأتي الرياضة على رأسها. منتخب العراق كان منافساً شرساً، وبرزت أسماء لامعة من لاعبيه لا تزال محفورة في الذاكرة. اليوم في مدينة البصرة الجنوبية، يحتضن العراق بطولة الخليج بعد عقود من البُعد والإبعاد.

صدام حسين ضحّى بالعراق، المنارة العلمية والثقافية، من أجل رسم صورة له مشابهة لسعد بن أبي وقاص وملحمته «القادسية» التي هزم فيها جيش كسرى الفرس. والنتيجة، ثمانية أعوام من النزاع المسلح مع إيران الخميني، ومليون قتيل من الجانبين ومئات مليارات الدولارات الضائعة، ولم ينتصر أحد. لم يكتفِ، أكمل مشروعه بغزو الكويت في التسعينات، ثم أوقع العراق تحت وطأة العقوبات الاقتصادية التي امتصت حيوية العراقيين وأرغمت النخب العلمية والثقافية على الهجرة. خلال مرحلة الضعف هذه، حار الرئيس الأميركي جورج بوش الابن فيمن يضع عليه اللوم بعد الاعتداء على نيويورك، وكان السيناريو الأسهل افتعال قصة وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين، وكان ذلك ذريعة كافية لإسقاط نظامه، وللأسف إسقاط العراق في يد إيران المتربصة التواقة للانقضاض. عشرون عاماً والعراق مغيّب، بعيد عن جذوره، يعاني من التطرف الشيعي والسني، والفساد المالي الذي أحاله إلى بلد فقير.
البصرة تحديداً، شهدت خلال الأعوام الماضية موجات من الاحتجاجات والغضب العارم بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وقصور الخدمات خصوصاً الكهرباء. لكنَّ من يتابع شوارع البصرة اليوم يرى مظاهر احتفالية، ووجوهاً ضاحكة مستبشرة ومرحِّبة بالضيوف الخليجيين. مشهد لم يرَه الشباب الخليجي في حياتهم، الذين عرفوا العراق بلداً منكوباً يتخطفه التطرف المذهبي والفساد السياسي والتدخلات الأجنبية. العراقيون يعيشون هذه الأيام احتفالية وأفراحاً استثنائية لأن الرياضة قدمت لهم ما حرمتهم منه السياسة؛ متعة التنافس والمشاركة مع الآخرين بعيداً عن المخاوف والتهديدات.
حفل الافتتاح كان مدهشاً، دلالة على الجهود الكبيرة المبذولة من الحكومة العراقية لعودة العراق إلى واجهة العالم من نافذة الرياضة. ولا شك أن التدابير الأمنية كانت على رأس الأولويات من المنظمين، بحكم انتشار السلاح وانفلات الميليشيات المسلحة، مع ذلك لم تمتنع دول الخليج عن دعمها لعودة العراق للانخراط معها في النشاط الأكثر طلباً وإقبالاً وإلهاماً وهو كرة القدم. العراق بحاجة لمثل هذه المواقف من أشقائها، لا يمكن التسليم بواقع أن العراق تحت هيمنة الشراهة الإيرانية، والهيمنة الإيرانية، وأن موازين القوى ليست في صالح عراق متوازن، متشرب لكل الطوائف والأعراق خصوصاً العرب. حتى مع الاعتراف بالواقع الصعب، يظل التمسك بأطراف الجلباب العراقي العربي مطلباً وضرورة قومية تفرض على الأشقاء العرب واجب عدم النأي، وتحتم استمرار المشاركة في الأنشطة الإنسانية الثقافية والرياضية والعلمية.
كان مشهداً كافياً لفهم ما يعيشه العراق، حينما حاولت مجموعة من المحسوبين على الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تخريب حفل الافتتاح، بوجودهم قسراً في منصة كبار الشخصيات خلال حفل الافتتاح. ما الذي يهدف إليه العراقي ذو الهوى الإيراني من إحداث شغب وبلبلة خلال الحفل الذي يقدم العراق بصورة متحضرة؟ إنها رسالة واضحة تذكّر الحضور، والعراقيين الوطنيين، بأن يد إيران هي الأعلى، وأن هذا المحفل لن يغيّر من الواقع شيئاً. لا يوجد في العالم مواطن صالح يرضى بأن تكون بلاده محط انتقاد أو حرج مع دول أخرى، خصوصاً جيرانها، لكنَّ المشاغبين الذين احتلوا المنصة أرادوا أن يكون العراق في هذا الحرج، لأنهم لهم وطن موازٍ لوطنهم الأصلي، النسخة الاحتياطية التي يستخدمونها لإثبات الولاء والانتماء لنظام طهران الحاكم.
لن تنتهي مشكلات العراق بالمشاركات الرياضية والثقافية والفنية والعلمية، لأن إيران لن تقبل بعراق متعافٍ، وستظل تحرص على أن يكون التابع الضعيف. هنا تأتي أهمية المواقف الشجاعة من جيرانها ومن يهتم لمصلحة العراق، بضمان استمرار تدفق أسباب الحياة في الجسم العراقي، بالتعاون الاقتصادي والدبلوماسي، وتشجيع الأنشطة الإنسانية المتبادلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق وأهازيج الرياضة العراق وأهازيج الرياضة



GMT 03:11 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

الدولة

GMT 03:08 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير

GMT 03:06 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

معركة خطرة وشيكة في السودان

GMT 03:03 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

طرابلس رهينة ميليشيات «الإخوان»

GMT 03:00 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

هل نترك جبل الرُّماة؟

GMT 19:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

غادة عبد الرازق تنافس فى رمضان 2025 بمسلسل جديد
  مصر اليوم - غادة عبد الرازق تنافس فى رمضان 2025 بمسلسل جديد

GMT 20:19 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق بطولة المدارس الأولي للكرة النسائية في مصر

GMT 10:43 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

هاشتاغ ستاد القاهرة للرجال فقط يتصدر تويتر

GMT 00:51 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

موسكو تستضيف مهرجان مسرحي للصم بحضور فنانين من 9 دول

GMT 11:08 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الزمالك يهاجم الأهلي بعد التعاقد مع محمود كهربا

GMT 20:37 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مديحة يسري وخلافها مع محمد فوزي بسبب قبلة

GMT 01:25 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

بنات أحمد زاهر تثيران الجدل على السوشيال ميديا

GMT 05:56 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ثقافة القاهرة تتناول "موسوعة المشاهير.. الزعيم أحمد عرابي"

GMT 22:39 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

بعد تعرضه لكسر هذه حالة شعبان عبدالرحيم الصحية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon