توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إسرائيل والعنصرية!

  مصر اليوم -

إسرائيل والعنصرية

بقلم: حسين شبكشي

اتهام دولة إسرائيل بأنها دولة احتلال وتمارس التفرقة العنصرية، ليس بالأمر الجديد أبداً. فهناك العشرات من المحاضرات والندوات والمنتديات ومقالات الرأي والتحقيقات الصحافية والأفلام الوثائقية التي اتفق جميعها على فضح إسرائيل كنظام عنصري بغيض، ويدعمون مقولتهم هذه بشهادات العشرات من الضحايا والممارسات المفضوحة للسلطات الأمنية والقضائية فيها.
وبالتالي أن تأتي هذه الاتهامات مجدداً اليوم لن يضيف أي جديد، بل سيكون نوعاً من أنواع تأكيد المؤكد وتعريف المعرف. ولكن هذه المرة هناك شيء مختلف تماماً قد حدث، ومن المهم تسليط الضوء عليه وتحليله بالعمق المستحق.
ففي العدد الأخير من مجلة «النيويوركر» الرصينة وفي مقال للكاتبة ماشا جيسين بعنوان «لماذا قررت منظمة حقوق إنسان إسرائيلية أن تطلق على إسرائيل دولة فصل عنصري تمارس نظام (الأبارتايد)»، والمقال الطويل والمفصل، الذي قدم وجبة معلوماتية بديعة فيها قدر هائل من المهنية الصحافية المحترفة التي تميز «النيويوركر» كمطبوعة محترمة، يقدم المقال من وجهة نظر منظمة «بيتسليم» التجاوزات الخطيرة التي يقوم بها النظام الإسرائيلي بحق مواطنيه غير اليهود. ممارسات بعيدة تماماً عن مفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي روجت إسرائيل عن نفسها بها، وأيدها في ذلك حلفاؤها في الغرب.
هناك مواطنون إسرائيليون من عرقيات وأديان أخرى غير اليهودية، فهناك العرب ومنهم المسلمون والمسيحيون والدروز، وهناك البهائيون والهندوس والبوذيون، وجميعهم من حملة الجنسية الإسرائيلية، ولكنهم في واقع الأمر مواطنون من الدرجة الثانية. كافة المناصب الكبرى في الدولة من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء إلى وزير الدفاع إلى رئاسة أجهزة الأمن، بمختلف أشكالها وفروعها، ومجلس القضاء الأعلى، كلها تشترط أن يكون متولي المنصب فيها يهودياً. هناك أصوات في اليسار الإسرائيلي تصرخ منذ فترة ليست بالقصيرة، وتقول إن هذا الوضع غير قابل للاستدامة، لأن التطور الديموغرافي في عدد السكان ليس لصالح يهود إسرائيل (التي تصر على تسمية نفسها بالدولة اليهودية)، خصوصاً مع الأخذ في عين الاعتبار أن نسبة النمو السكاني ليست في صالح يهود إسرائيل. الحل المثالي لتطبيق مفهوم العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية لا يستقيم بشكل فعلي إلا في حل الدولة المدنية (اللا دينية)؛ دولة تحتوي كافة مواطنيها بسوية تامة وعدالة مطلقة. هذا الحل رفضته القوى السياسية الدينية والصهيونية، التي باتت تتسيد المشهد السياسي في إسرائيل، في ظل تبخر قوى اليسار بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، وبالتالي مع هيمنة اليمين المتطرف في إسرائيل زادت الممارسات العنصرية بشكل أعنف وأغلظ، ولم تعد منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل على ما يبدو تستطيع التغاضي عن ذلك.
ولا يمكن فصل موقف «بيتسليم» الحقوقي الأخير من موقف اليهود الأميركيين عامة في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، الذي أظهر أن أكثر من 77 في المائة من أصواتهم ذهبت للرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، مما يعني أن سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن تنال الدعم المطلق التي كانت تلقاه على الأقل من الجانب النظري.
تاريخ العنصرية في إسرائيل ليس بالمسألة الجديدة أبداً، بل إن هناك العديد من الكتب الجريئة التي تفضح وتظهر بالتفاصيل الدقيقة الإجراءات العنصرية بين اليهود الأشكناز واليهود السفارديم، خصوصاً السفارديم القادمين من الدول العربية. حيث كانت المناصب الكبرى أو معظمها تبقى حصرياً من نصيب اليهود القادمين من أصول أوروبية بشكل رئيسي. وقد أظهر بعض هذه الوقائع التاريخية بشكل مذهل كتاب «نحن نشبه العدو: القصة المخفية ليهود إسرائيل القادمين من بلدان عربية» للمؤلفة راشيل شابي.
العنصرية لم تكن في أي يوم من الأيام هي الحل، وأمامنا التجربة النازية المريرة والدموية في ألمانيا والمأساة السياسية الإنسانية في جنوب أفريقيا، والعنصرية الموتورة التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة. هناك أصوات قليلة في إسرائيل تدرك تماماً اليوم أنها أصبحت «خارج الهامش المسموح به عالمياً»، فالعنصرية أصبحت غير قابلة للتبرير، وبالتالي الدفاع عنها مهما كانت المبررات مقدسة دينياً أو مميزة عرقياً أو مقدرة اقتصادياً، لأن العنصرية تبقى عنصرية مهما تم تجميلها. مقالة «النيويوركر» رسالة سياسية مهمة جداً، وتبقى الأيام لتظهر لنا مدى جديتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل والعنصرية إسرائيل والعنصرية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon