توقيت القاهرة المحلي 10:41:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحوثي بين مكوّن ومهيمن!

  مصر اليوم -

الحوثي بين مكوّن ومهيمن

بقلم :محمد الرميحي

المبادرة السعودية الأخيرة لحل «المعضلة اليمنية» والتي رحب بها العالم لم تلقَ آذاناً صاغية لدى الحوثيين، وهي ليست الأولى؛ فقد قدمت مبادرات مرجعيتها الحرص على الحفاظ على اليمن مستقلاً والشعب اليمني آمناً، وأيضاً رفضت كلها، الأسباب عديدة، منها أنَّ الجماعة الحوثية تعتقد أن استمرار الحرب هو استمرار بقائها، وأي توقف للحرب هو بداية النهاية لمشروعها، ومنها أن هذه الجماعة ليست حليفة مع إيران، فالحلفاء يتفقون ويختلفون، هي جماعة تابعة لإيران، تأمر طهران فيطيع التابع في صعدة من دون نقاش أو اعتراض.
في الفضاء الإعلامي تستخدم الجماعة عنوة مفردات تضلل بها الجمهور العام، سواء العربي أو الأجنبي؛ فهي تستخدم مفاهيم «حكومة صنعاء» إيحاء بأنها الحكومة اليمنية، وتستخدم «الحكومة الوطنية» على أساس أن غيرها غير وطني وهذا تضليل آخر، مع عدد من المفاهيم المخادعة والتي مع الأسف تسير معها بعض المؤسسات الإعلامية الناطقة بالعربية. أكبر عملية تضليل، أن الحرب الدائرة هي بين «اليمنيين» وبين «التحالف العربي»، وذلك غير صحيح على الإطلاق، الحرب هي بين مكون يمني صغير وبين جموع اليمنيين الآخرين من المكونات الأخرى الأحرار والحالمين بدولة مدنية حديثة تلبي احتياجاتهم في القرن الحادي والعشرين، والذي يشهد تقدماً هائلاً في كل مناحي الحياة الإنسانية، الصراع بين مكون يريد أن يهيمن وبين مهيمن يريد أن يشارك. الافتراض أن الملالي في طهران يساعدون الحوثيين لإقامة دولة مستقلة في اليمن هو افتراض مبني على خرافة غير موجودة إلا في عقل النخبة المتحكمة في القرار الحوثي، أفضل ما يسعى إليه الملالي هو إقامة كيان يتحكمون فيه عن بعد، من أوله إلى آخره بواسطة مجموعة من الأشخاص يتم زرعهم في صنعاء من أجل تلك المهمة، والخطة الثانية إن لم تنجح الأولى، أن يشاركوا بفصيل مسلح «جماعة الحوثي» في دولة عرجاء مشوهة، على شاكلة التحكم في الحكومة اللبنانية عن طريق «حزب الله»، أو بقاء ذلك الفصيل وتفريخ فصائل أخرى مسلحة على شاكلة ما يتم تنفيذه في العراق أيضاً من أجل إضعاف الدولة. وعند السؤال هل من مناصرين لهذه السيناريوهات المحتملة، الجواب بالقطع نعم، وهم كل حلفاء طهران في المنطقة الظاهر منهم والباطن، فهناك قوى لا تخفي مجاهرتها بدعم المشروع الإيراني في اليمن، وتقدم لعناصره التدريب والدعم، وهناك قوى تدفع بتأزيم الموقف السياسي في المنطقة تمسكاً بما لديها من مصالح أو تعطيلاً لأي تفرغ حقيقي لمواجهتها؛ لأنَّ مشروعها لا يقل عن مشروع الحوثي خبثاً.
الذي يطرحه الحوثي للعامة من شعارات هو «الموت لإسرائيل والموت لأميركا»، وفي الأسابيع الأخيرة سقط من الشعار النصف الثاني؛ لأنَّ الإدارة الجديدة في واشنطن تخلت عن تسمية الحوثي كونه «مجموعة إرهابية» واكتفت بتسمية بعض قياداته، على أمل من الحوثي نفسه أن يصل إلى تحييد تلك الإدارة مؤقتاً لإكمال مشروعه الاستحواذي. الوقائع تقول إنَّه إن أردت أن تتحدث إلى الحوثي عليك بالحديث إلى طهران، ولأول مرة منذ أسابيع ذهب مارتن غريفيث، ممثل الأمم المتحدة في اليمن، إلى طهران، ولكنه عاد بخفي حنين؛ فالمطالب الإيرانية تتعدَّى اليمن ولا يهم طهران كم من اليمنيين يموتون من الجوع أو يفتك بهم المرض، ما دام لهم قوة تابعة وكل ما يتطلب منهم بضعة صواريخ وطائرات مسيرة يجري تهريبها ورزماً من الدولارات للقيادة الحوثية. المجتمع الدولي في أقله متردد أو غير مكترث أو ليس على اطلاع كافٍ بتفاصيل الملف اليمني، وهو أيضاً يعزف في كثير من إعلامه على «أكبر مجاعة في التاريخ»، ولكنه لا يحدد أو يشير إلى المتسبب في هذه المجاعة، وهم على وجه الخصوص الحوثيون أنفسهم بسلطتهم المسلحة على مقدرات اليمنيين وإجبارهم الأطفال على حمل السلاح وسرقة كل ما يصل إلى اليمن من مساعدات إنسانية.
النموذج الآيديولوجي الذي يبشر به الحوثي لحكم اليمن ولّت أيامه، وسقطت أوراقه، وهي في أكثر من مكان كما في طهران تصفر اليوم وتذبل، ذلك النموذج يقف عائقاً أمام التطور البشري والذي تتوق له الأمم بمن فيهم اليمنيون على اختلاف مشاربهم السياسية خارج الجماعة الحوثية. من يقدم التضحيات أمام الحوثي اليوم هم اليمنيون أنفسهم بتحالفهم الواسع ضد مشروعه، متلازمة الدين والدولة التي يتبناها الحوثي كانت مقبولة في زمن من تاريخ البشرية، واليمن ربما آخر المجتمعات التي تخلصت منها بعد الإطاحة بحكم حميد الدين، أما اليوم في الألفية الثالثة، فإن تلك التوليفة لا توائم الدولة الحديثة التي يترتب عليها مسؤولية القيام برعاية المؤسسات، كالعناية بالتعليم والعلاج وتنظيم قوات الدفاع وتنظيم مالية الدولة، وفوق ذلك الاهتمام المطلق بحقوق الإنسان المتعارف عليها عالمياً؛ لأن اختراقها يسبب العزلة لتلك الدولة وحرمان مواطنيها من المساهمة في النشاطات الدولية. وعند النظر في الصراع اليمني اليوم فهو في الأصل صراع بين التوق إلى المستقبل للعيش في دولة مدنية تواكب العصر، وبين العودة القسرية إلى الماضي بقوة قاهرة ومساعدة قوة ظلامية للإخضاع اليمنيين إلى نوع مدمر من الاستعمار، والذي لا يرغب فقط في الحصول على الموارد الاقتصادية والاستراتيجية التي يمثلها اليمن، ولكن أيضاً في عبودية لبشر تستخدم للانقضاض على أمن وسلامة جيرانها. لقد أساءت السياسة على مر التاريخ إلى العقائد، وها هي من جديد تتمثل في المشروع الإيراني الذي نشاهد، وقد سمم العلاقات بين الشعوب وجلب الكثير من المآسي وما زال يفعل في اليمن وفي غيرها من دول الجوار، إلا أن اليمن أكثر مأساوية، إن افترضنا أن ما يفعله في لبنان من إفقار وتدمير هو أفضل نسبياً من اليمن، وهما مثالان مع غيرهما من الأمثلة المأساوية التي تضرب منطقتنا بلا هوادة ولا رحمة، ومن دون استثناء الشعوب الإيرانية المغلوبة على أمرها والتي يتصاعد فيها رفض ذلك المشروع الخارج عن السياق التاريخي. تقول لنا الأرقام والتي لا تكذب، إنَّ هناك شرياناً من المساعدات الإنسانية الضخمة من كل من المملكة العربية السعودية ومن دولة الإمارات ودول خليجية أخرى تبلغ مليارات الدولارات، وما زال ذلك الشريان يغذي الحاجات الإنسانية لليمنين؛ لأنَّ أهل اليمن إخوة وأهل؛ ولأنَّ المساعدات واجبة ليس في العشرية الأخيرة، ولكن منذ زمن طويل. الفرق بين هذا الدعم والدعم الإيراني للحوثي، أنَّ الأخير للحرب والأول للحب، وسوف ينتصر الحب على شهوات الحرب.
آخر الكلام:
الحوار مع الحوثي كقبض الريح، فهم لا شك مكون من مكونات اليمن لكنهم لا يتنازلون على أن يصبحوا المهيمنين، متمترسين خلف مصفوفة أفكار لم تعد لها علاقة بالزمن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحوثي بين مكوّن ومهيمن الحوثي بين مكوّن ومهيمن



GMT 04:09 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 04:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 04:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 04:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 03:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon