توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وماله.. عش البلبل؟!

  مصر اليوم -

وماله عش البلبل

بقلم : سيلڤيا النقادى

الحديث لا يتوقف عن إعلانات التليفزيون فى رمضان، وما يصيب العقل من الشعور بالارتباك والتناقض المستفز وهو يشاهد هذه الخدمات التى تلبى احتياجات طبقات قادرة على دفع الملايين من أجل الحياة فى قصور وفيلات فى قلب العاصمة أو على أطرافها، وبين هؤلاء المساكين من المرضى والمحتاجين الذين يرفعون أياديهم للسماء فى انتظار من يرق قلبه ويساهم فى مشروعات تسمح بالعلاج أو سد الجوع!!.

التناقض عنيف.. قاس.. تبريراته منطقية عند البعض أو لا معقولة أحياناً كثيرة، لذا أفضل ألا أدخل فى صراعات المناقشة وأنا لا أملك جميع الخيوط سوى هذه المساحة أو هذا الملعب الصغير الذى أكتب عليه سطورى.

من هذا المنطلق الذى أشير فيه إلى «المسكن» ومساحته- وهو الحلم الذى يراود الملايين من البشر من أجل الحصول عليه- وجدت أنه من الأفضل أن أنقل مفهوماً آخر لمعنى «المساحة» شعرت به عند زيارتى الأخيرة لمدينة «أنتويرب Antwerpen البلجيكية، هذه المدينة الجميلة التى تطل على ميناء»، «أنتويرب بورت» وتتميز بمبانيها التاريخية وأزقتها وحواريها الضيقة التى تحوى بيوتاً صغيرة ومطاعم «وجاليريهات» لمختلف أنواع الفنون.. كنت أستمتع وأنا أسير أتأمل الأشجار المسكونة فى هذه الأروقة وهى تهتز بدلال حتى يختلس الضوء فرصته للإطلالة بين مساحات أوراقها الكثيفة لتتسق هارمونية مريحة بين المعمار والتخطيط الميدانى والخليقة الربانية بالرغم من هذه المساحات الضيقة.. كان هذا كافياً لإلهامى بمزايا الحياة وسط هذا الدفء المساحى الصغير الذى احتوى حواسى كلها وجعلنى أشعر أن المساحات الصغيرة ليست اختياراً أقل من الأفضل، بل هى فيها من الطاقة الإيجابية المفجرة للإحساس بالتواصل والدفء والأمان، وهى مشاعر لا يمكن منافستها مع أى شىء فى الوجود، يبدو أن هذا الشعور لا يصيبنى وحدى، بل ينعكس على عوالم الإعمار والتنمية، حيث يزداد الاتجاه أيضا نحو التصميمات الصغيرة، مثل ابتكار بيوت صغيرة على الأشجار، أو بناء عشش وأكواخ على الشواطئ، أو مطاعم تسع أربع طاولات فقط.. كل ذلك من أجل المزيد من الاحتياج للشعور بالاحتماء والحميمية بين البشر، وهو ما يذكرنا بفلسفة الفيلسوف الفرنسى «جاستون باشلار» فى كتابه «شاعرية المساحة» ١٩٥٨، والذى أكد من خلاله قوة وعمق الدفء الإنسانى تحت سقف المأوى الصغير، بشرط أن يتحرر أصحابه من الأشياء والممتلكات غير الضرورية ليصبح ملاذاً للحياة الجميلة، وبشرط أيضاً أن تتوافر خارج هذه الأماكن الصغيرة مساحات واسعة، صافية ومضيئة.

وربما تكون الحياة فى حارتنا المصرية الأصيلة أقرب إلى تجسيد هذا المعنى الذى يحاول باشلار أن ينقله - فعلا - ألم تكن جميلة ببساطتها وعِشرة أهلها؟، إنهم جميعاً كانوا يقطنون فى مساحات صغيرة.. الأمتار القليلة التى كانت تفصل بين المبانى والشرفات لم تخلق التنافر ولم تمنع البهجة، بل خلقت الحب والود والشهامة، وكما قال سقراط «إن سر السعادة ليس فى حجم الكم الذى تمتلكه، بل فى قدرتك على استيعاب القليل والاستمتاع به»، وهذا ما لم ينجح فيه هذا المجتمع الاستهلاكى الذى رسخ فى أذهاننا أننا لن نصبح سعداء إلا إذا عشنا فى بيوت كبيرة وامتلكنا أشياء كثيرة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وماله عش البلبل وماله عش البلبل



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt