توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون سقوط الإمبراطورية.. فى سوريا

  مصر اليوم -

قانون سقوط الإمبراطورية فى سوريا

بقلم - عبد العظيم حماد

حين تعهد المرشح الرئاسى دونالد ترامب بإجبار حلفاء بلاده على تحمل نفقات الدفاع الأمريكى عنهم، فى أثناء حملته الانتخابية، وحين وضع هذا المبدأ موضع التطبيق لأول مرة أخيرا باشتراطه تحمل المملكة السعودية نفقات بقاء القوات الأمريكية فى سوريا، بعد أن كان قد أعلن اعتزامه سحبها قريبا.. فلربما لم يتذكر الكثيرون كتابا اشتهر كثيرا فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى، وأوائل تسعينياته للمؤرخ بول كنيدى، مع أن هذا الكتاب هو الذى يشرح حيثيات الظاهرة الترامبية، ولكن دون قصد أو تبرير أو تفهم، وأيضا ودون توقع كل هذا الرخص فى الأداء، وكل هذا التبسيط المبتذل فى تشخيص مشكلات الامبراطورية الأمريكية، واستراتيجيات المواجهة.

الكتاب يحمل عنوان «قيام وسقوط الامبراطوريات» ويخلص ــ بعد استعراض عوامل ظهور ثم اضمحلال فانهيار الامبراطوريات الكبرى عبر التاريخ ــ إلى صياغة قانون بسيط ومحكم فى آن واحد يفسر ويحتم سقوط الامبراطورية عند حدوثه، وهو أن الامبراطورية تستمر فى التوسع، كلما أدى الإنفاق فى الخارج وخاصة الانفاق العسكرى، الى ارتفاع مستوى المعيشة فى الداخل مقاسا بمعدلات النمو، ومتوسط الدخل الفردى، والعكس صحيح، وهو أن الامبراطورية تبدأ فى الانكماش ثم الاضمحلال ثم الانهيار، عندما يؤدى الانفاق فى الخارج إلى انخفاض مطرد فى مستويات المعيشة فى الداخل، مقاسة بمعدلات النمو، ومتوسط الدخل الفردى أيضا.

من المنطقى هنا أن نفترض أن هذا القانون كان قد بدأ سريانه تدريجيا على الامبراطورية الامريكية ــ كما ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ــ قبيل عدة سنوات من ظهور كتاب بول كنيدى، وإلا لما كانت هناك حاجة لكتابته، ولما قوبل بالاهتمام الكبير الذى حظى به فى الاوساط السياسية والاكاديمية، فى كل مكان فى العالم تقريبا.

غير أن الشاهد العملى الذى لا يكذب على أن تكاليف الدور الامبراطورى الامريكى فى العالم بدأت ترهق مجتمع الداخل مبكرا هو توالى مطالبات الرسميين والمفكرين الاستراتيجيين هناك للشركاء فى حلف الأطلنطى واليابان بزيادة مخصصات الانفاق الدفاعى فى موازنات بلدانهم، وكما نذكر ففى كل مرة كانت تتزايد الضغوط الأمريكية على هؤلاء الحلفاء كانت تطلق عبارة تحذيرية، صكت خصيصا لهذا الغرض على النحو التالى: «لقد انتهى عصر الركوب المجانى».

لكن المؤكد أن أيا من الرؤساء الأمريكيين السابقين لم يقد هذه الحملات بنفسه مباشرة، كما يفعل الرئيس ترامب حاليا، ولندع جانبا فجاجة وسوقية طريقته فى الأداء، ثم جاءت نهاية الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتى، وكتلته الاوروبية الشرقية، وإيديولوجيته الشيوعية، لتدشن فترة استرخاء فى العلاقات عبر الاطلنطى، جرت خلالها تجربة أفكار جديدة فى السياسة الدولية، مثل النظام العالمى الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة منفردة، والتحالفات الدولية الموسعة لغرض محدد، كما حدث فى حروب البلقان، وحرب تحرير الكويت، ولم يكن كل ذلك إلا تأجيلا لمواجهة قانون بول كنيدى، أو مراوغة له إذ إننا نعرف جميعا أن دول الخليج العربية هى التى تحملت بالكامل الفاتورة الباهظة لحرب تحرير الكويت من الغزو العراقى.

متى إذن بدأ قانون سقوط الامبراطوريات يضغط بقوة على الأمريكيين؟

بالتأكيد كانت البداية هى غزو أفغانستان وغزو العراق، ونحن لا نناقش هنا مشروعية إسقاط حكم طالبان بعد اعتداءات 11 سبتمبر الارهابية على نيويورك وواشنطن، ولا نناقش افتعال أسباب لغزو العراق، وإن كانت الدوافع الامبراطورية أوضح فى الحالة العراقية، ولكن التركيز ينصب ــ كما يظهر من السياق ــ على الآثار الاقتصادية للإنفاق العسكرى فى الخارج على مستويات المعيشة فى الداخل، والنتائج الاجتماعية والسياسية، ومن ثم الاستراتيجية لهذه الآثار.

فكما يذكر الكثيرون فإن الرئيس بوش الابن الذى قاد الحرب فى أفغانستان والعراق كان قد ورث عن سلفه بيل كلينتون فائضا كبيرا فى الموازنة العامة لأول مرة منذ سنوات طويلة، كما كان قد ورث معدل بطالة يقترب من الصفر، ولكنه سرعان ما استهلك هذا الفائض، وأعاد الموازنة إلى حالة العجز المزمن، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية التى بدأت فى العام الأخير من حكمه من الولايات المتحدة نفسها، ليس فقط لتفاقم العجز المالى بحكم ضخ أموال حكومية لإنقاذ عشرات الشركات والمصارف، ولكن أيضا لتكتسح موجة التفاؤل التى عمت العالم كله فى العقد الأخير من القرن الماضى تحت لافتة «العولمة».

بالطبع هناك أسباب غير أمريكية المنبع لتضاؤل نصيب الولايات المتحدة من الانتاج والثروة العالميين، مثل بزوغ الصين، ونموها المطرد، وعودة التماسك لروسيا، واستئنافها لدورها «الامبراطورى» فى محيطها اللصيق، وتحرر معظم دول أمريكا اللاتينية من الهيمنة، ومن ثم من الاستغلال الاقتصادى الأمريكى، وشروع هذه الدول فى تحقيق معدلات نمو مطردة وكبيرة.

لكل هذه الأسباب داخلية وخارجية، جاءت لحظة الحقيقة، ولابد من مواجهة قانون بول كنيدى، دون تأجيل أو مراوغة.

من ناحيته اختار الرئيس الذى خلف بوش الابن.. أى الرئيس باراك أوباما سياسة تخفيض الانفاق العسكرى، بالحد من عسكرة السياسة الخارجية إلى أدنى درجة ممكنة، فرفض كل إغراءات التدخل العسكرى فى سوريا فى بداية الأزمة، وكان يمكنه أن يفعل ذلك، ويسرع بالقضاء على نظام بشار الأسد، ولكن مع التورط إلى أمد غير معلوم، وكما نعلم فلم يتأخر الحلفاء الخليجيون عن تحريضه على ذلك، كذلك فضل أوباما الوصول إلى حل دبلوماسى لمشكلة البرنامج النووى الايرانى، وقد ذكرت عدة مصادر أن الملك سلمان ملك السعودية تعهد له بتحمل تكاليف ضربة أمريكية شاملة تؤدى إلى تغيير النظام فى إيران، ولكن رد أوباما كان هو: «أن الجيش الأمريكى ليس جيش مرتزقة».

أما خلف أوباما أى دونالد ترامب، فقد اختار أن يحل مشكلته ومشكلة الامبراطورية الأمريكية مع قانون بول كنيدى بتحميل الانفاق العسكرى لمن يريد أن يدفع، لتحارب الولايات المتحدة نيابة عنه، فرأيناه فى مشهد أقرب إلى الكوميديا، يعلن أنه سيسحب قواته قريبا من سوريا، وبعد يومين يعلن أن هذه القوات ستبقى، بما أن السعودية وافقت على تحمل تكاليف بقائها، لكن ذلك ليس إلا جزءا صغيرا من الحل الذى يرتأيه الرئيس الأمريكى وفريقه لمشكلة أضرار الانفاق الامبراطورى فى الخارج على الداخل الأمريكى، إذ سبق له الحصول على تعهد باستثمارات سعودية بمقدار 400 ملياردولار فى الاقتصاد الأمريكى، والبقية تأتى من السعودية والامارات والكويت وقطر استغلالا لأوضاعهم الأمنية الحرجة، التى سيزيدها حرجا ــ بالقطع ــ انسحابه المزمع من الاتفاق النووى الدولى مع إيران.

وبالطبع تندرج حروب ترامب التجارية (الجمركية) ضد الاتحاد الأوروبى والصين فى هذا السياق نفسه.

السؤال المهم والكاشف فى نهاية هذا العرض هو: هل ستكفى هذه «الحيل» لإنقاذ الامبراطورية الأمريكية من انطباق قانون بول كنيدى؟ ولكم من السنوات؟ خاصة إذا تذكرنا أنه لا توجد مصلحة أمريكية مباشرة فى حرب موسعة ضد إيران وروسيا سواء فى سوريا أو فى لبنان، أو فى الخليج، وأن المصلحة المباشرة هنا هى سعودية / خليجية وإسرائيلية، ويرتبط بهذا السؤال علامة استفهام أخرى حول المدة التى ستطول اليها القدرة المالية لدول الخليج، بل والسؤال عن عدد السنوات التى ستمضى قبل أن يجف البترول، وينضب الغاز.

لقد كانت محدودية وشكلية ضربة الصواريخ الأمريكية ــ بمشاركة بريطانيا وفرنسا ــ الأخيرة لسوريا دليلا دامغا على أن اليد الأمريكية لم تعد طليقة فى الشرق الأوسط، كما قلنا فى الأسبوع الماضى، لكن التقارير المتحدثة عن تمويل خليجى لتكاليف هذه الضربة، وتباهى ترامب بأن السعودية ستدفع نفقات قواته الباقية السورية هما الدليل الكاشف على أن قانون سقوط (وليس السقوط نفسه بعد) الإمبراطوريات لا يعرف الاستثناء.. حتى لو كان هذا الاستثناء اسمه الولايات المتحدة الأمريكية.

 

نقلا عن الشروق القاهرية

 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون سقوط الإمبراطورية فى سوريا قانون سقوط الإمبراطورية فى سوريا



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt