توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روائح.. ومذاقات

  مصر اليوم -

روائح ومذاقات

بقلم - ماجدة الجندي

 كانت القرفة مطحونة أعوادا، على رأس ما جلبناه من السوبر ماركت العربى فى شيكاغو، قبيل رمضان. أكياس الملوخية المجمدة.. برطمانات ورق العنب المحفوظ, علب الرقاق المجفف، لفائف قمر الدين، أما الفول فكان حاضرا من الأمازون اون لاين.. رسمت وحفيدى فوانيس ورقية.. وأهدته «مه هدية» حضرها له رمضان واتفقت معه انه سوف يشاركنا الصوم لمدة ساعتين فى اليوم..تغرب شمس هذه البلاد البعيدة بعد الثامنة بدقائق.. ويحين الفجر بعد الثالثة صباحا بعشرين دقيقة.. قبيل المغرب بساعة، ضبطت تقنية الساوند كلاود على صوت الشيخ رفعت.. وعرفت الطريق الى الأذان بصوته الرخيم.

لم يفتن تحديد مواضع ابتهالات النقشبدى ..عززت مواقع اليوتيوب والساوند كلاود، بورقة مكتوبة وضعتها فى المتناول، بحيث يصير الإيقاع فى تتال يوحى كأن شيئا لم يتغير.. القرآن فالأذان.. ثم الابتهالات..اخذت ما يكفى من التدريب لأصنع عجينة القطايف فى البيت واطمأننت الى أن الاقراص المحشوة بخليط يحوى بعض القرفة، سوف يؤنس الإفطار فى الغربة.

كنت أريد أن أقبض على «بروائح» و»بمذاقات» و«أصوات» بعينها، هى ما تبقى .. ظننتها قادرة على استعادة زماني.. وملء المقاعد الشاغرة.. تفصلنا، ابنتى وحفيدى وأنا ، ثمانى ساعات عن تلك البلاد القصية التى يتناول فيها ابنى إفطاره ، وسبع ساعات عن الارض التى ما غادرناها إلا بأجسادنا.. لا يبدأ كل المسلمين اول ايام رمضان معا فى تلك البلاد البعيدة.. تربطهم أحبال سرية بمواطنهم الاولي.. قد تساعدك التقنيات الحديثة على إمكانية استحضار مفردات «الونسة».. او ربما تتصور لوهلة انك غلبت وغالبت «الوحشة» .

ربما تدعم إحساسك بمشاهد على شبكة التواصل الاجتماعي، كتلك التى وضعها احدهم ..«فيديو» صوره من اعلى الفندق الموجود فى ميدان سيدنا الحسين.. قبيل أذان المغرب وقد غطت الموائد الإفطار ساحة الميدان، والناس التى لم تجد موضعا تفترش الارض حول الاطباق ، واصوات تختلط خلالها التلاوة و صلصلة وكلام الناس. أغمضت عينى علنى أنجح فى اصطياد هذا المزيج الذى تعودته فى الحسين والذى كنت أستشرف به أمان الوصول..مزيج من رائحة التوابل والكباب والمسك والغبار المنبعث من ترطيب ارض الشارع بعد العصاري.. كيف يمكن ان تنصت للروائح وان تراها معا.. كيف يكون لحاسة الشم آذان وعيون وملمس؟ كيف لرائحة ان تبكيك وتشقيك وتؤنسك وترضيك..، وتمنحك الأمان لو لزم الامر انت تحاول.. ان تكون هناك وانت هنا او تكون هنا وانت هناك.. تتابع ما يشاهده الناس.. تصطنع نفس الإيقاع، حتى الإعلانات لا تنساها.

لكن الحقيقة انك هنا وروحك هناك، او بالاحرى إن «ال هنا» الحقيقية، هى التى «هناك» وأن كل محاولاتك، ولهثك للإمساك بما تتصوره يصنع حضورا حميما، عاجز امام استعادة حضور الروح التى تركتها هناك..هو ليس انشطار ما بين جسد وروح بل هو الغياب أو اللاحضور، لأن الوجود روح أولا .. قد لا تملك شجاعة أن تواجه نفسك بحقيقة ما تحسه، فتمعن فى استجلاب ما تعودت من روائح.. طبق فول بالثوم والطماطم.. طشة ملوخية.. قالت لى جارتى وهى تحييني، انها تستمتع بما ينبعث من روائح الطعام القادمة من شقتنا، وبعد ضحكات تبادلناها ووعد منى لها ان نتشاركه ذات مساء، اخذت طريقى الى خارج البناية علنى أجدها.. كنت افتش عن تلك اللحظة التى تستبق الأذان بساعة والتى كنت أخرج فيها الى الشرفة، فى استراحة محارب اطمئن الى ما تحويه القدور وأهدىء من مواقدها، وسقى الكنافة الساخنة المعطرة بالقرفة، بالشربات، وأروح بثقة، أحمل بعض الماء الى نباتاتى فى الشرفة، حيث كان يختار الجلوس فى تلك الساعة، وسطها، مادا بصره، الى الفراغ، تتمايل رأسه بهزات خفيفة مع آيات التلاوة القادمة من الراديو، لم أكن أقطع صمته.

أربت على كتفه، مغمضة العينين، أستنشق بملء رئتي، رائحة القرفة المختلطة، بالرائحة المنبعثة من الزرع بعدما ارتوي، بينما يغرق بيتنا فى سكينة آيات بصوت الشيخ رفعت.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روائح ومذاقات روائح ومذاقات



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt