توقيت القاهرة المحلي 18:25:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم تخليتم عنّا!

  مصر اليوم -

يوم تخليتم عنّا

بقلم - عزة كامل

كنت طفلة تعشق القمر والحكايات العجيبة والمدهشة، ويرفرف قلبها لأشواق العصافير الحرة المهاجرة، تتأثر بالضحكات الحلوة من أصدقاء الطفولة، وتستغرقها سعاداتهم المختلفة، وذات ليلة أثقل جفنى الخدر، وشعرت أننى أسامر أطياف الليل، وخُيل لى أننى رأيت امرأة مسحورة كجنيات حكايات ألف ليلة وليلة تفرد جدائل شعرها الغزير بطول النهر، ثم تعرض محاسن جسمها العارى للريح أمامى دون أى تحفظ، وتغوى صبية ينشدون أغنية النار، وعندما اقتربوا منها أخذتهم إلى قاع النهر فجأة.

جريت أصرخ عبر دروب الليل العميقة غائمة العينين، ورحت أطرق الأبواب المغلقة، فلم تستجب لصراخى إلا كلاب الشارع، فأخذ خوفى ينتشر فى عروق الأرض التى انشقت عن صبى صغير يلوح لى بمنديله الممزق، وبجواره حجر أسود نُقشت فوقه حروف مبعثرة: «أبحر أيها القلب الممزق، أبحر مع كل القلوب الممزقة، فالأحلام معتمة، والقلوب من خشب، والعقول من حجر».

الطفل كان يتلعثم، فحاولت أن أقرأ شفاهه: «قُتلنا يوم تخليتم عنّا، وحين زغردتم على جثة الشهيد، وأقمتم ليالى الفرح المكذوب، وحين غابت فى جدار الصمت كلمة حق، وحين حفرتم على المرايا وجوه القياصرة والنخاسين والقتلة، وعندما تركتمونا لتكبر أحزاننا، وتكبر جروحنا، وتجف أصواتنا وتتحجر، وسمحتم لوجه الباطل أن يكبر أيضًا، فأصبحنا مجرد أوراق تتلاعب بها الريح، وأصبحت حكمتكم مثل الحقيقة العارية».

وقفت أمام الصبى وقلت له: أيها الصبى الممزق: أوجعنى أن يُسفح دم الأطفال فى فلسطين، وأحزننى أن أشهد النساء يصرخن على فلذات أكبادهن، أحزننى الصمت الذى لاذ به الجبناء، وتخلّوا عنكم، أحزننى أن أرى الجوع يبقر البطون، وأن أرى أرض فلسطين صارت مأوى للغزاة الطغاة، والفلسطينيين يمشون على الشوك فى ألم أبدى، لم تنقذهم سفينة نوح، ولا دموع وصبر أيوب، يغرقون ولم تبصر أعينهم شاطئًا ولا مرفأ، وضاع صراخهم الصاعد فى البرية عبر المدى، فقال لى: كلامك لغو، ومجرد أقوال تنعى حظنا العاثر التعيس، فشعرت بقلبى يغمغم، ويذوى مثل أوراق الخريف التى تتساقط وحدها، والضوء من حولى كان خافتًا وشحيحًا، ققلت له: لا أملك إلا الكلام الذى يتحول إلى صرخات، لعلها تقلق مضاجع السفهاء، وتبدد الوحشة، وتكشف كذب الكهان الذين يُلبسون الكذب ثوب الصدق، أجفلت عيناى الصبى، وتركنى وجسده يلفه الغيم والضباب، وفجأة انشق الفضاء عن طائر يحلق ومن خلفه سحابة تضىء، غمرتنى حفنة من صفاء روت قلبى وغسلت روحى، واندفع النهار مبددًا عتمة الليل، ويمد حبلًا من أمنيات وأمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم تخليتم عنّا يوم تخليتم عنّا



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 08:41 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الخميس 22 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 19:37 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

سفيتولينا تودع بطولة فرنسا المفتوحة للتنس أمام بودوروسكا

GMT 12:53 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يكتشفون79 مضادا حيويا جديدا في براز الإنسان يطيل العمر

GMT 01:31 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

رانيا يوسف ترقص أمام مدرسة ابنتها احتفالا بتخرجها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon