توقيت القاهرة المحلي 17:14:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

باقون على هذه الأرض

  مصر اليوم -

باقون على هذه الأرض

بقلم - عزة كامل

يا شجرة الزيتون العظيمة، الريح الشمالية العاتية تتهاوى بين أغصانك، وجذورك الأصيلة متشعبة فى الأرض الجليلة، وشاهدة على كل الجرائم، تأنين فى صمت، وتشمخين بكبرياء، تجتازين الأيام والأزمان، تتعاقب الأجيال مبهورة بصمودك فى مهب الريح، عذبة تلك الحكايات التى تختزنها جذوعك، عندما تهب الريح العاتية تصبحين الرمز والأسطورة، تحتفظين بهدوء غامض، يقبع تحت أحزمة من اللهب الكامن، أيتها الشجرة التى تفيض قوة ونبالة عالقة بين انجذابها نحو الأرض وشموخها نحو السماء، تظهرين حكمتك، وتهمسين بحفيفك الناعم، تملئين ما حولك بأمل خالد، تقدمين ثمارك المشتهاة التى تصنع البهجة.

أيتها الملكة غير المتوجة، تحت جذعك يولد الأطفال كبارا، يدعسون ثمارك بأقدامهم الصغيرة، ويلهون، ويطلقون الضحكات، وأنت تسكبين لهم حبا ينعش الروح وتسردين حكايات الأجداد لتجعل الأرض تنتفض تحت أقدامهم وتغزلين بمهارة فائقة شباك حب الوطن، وصوت سريان نسغك يهددهم كاسرا الأصفاد القديمة، ويجعلهم متحررين من كل خوف، وفى الليل عندما تهب نسائم العشق على أغصانك، تنسجين قصص عشق لها رائحة زيتونك الخالد.

منذ ألف ألف عام والريح توشوش الفضاء من حولك، وأنت بشموخك تصرخين فى وجهها: هذه أرضى، أرض فلسطين العفية، وهؤلاء أطفالى، وهنا عاش ومات أجدادى الأوائل)، وتطلقين زفيرك المفعم برائحة الحياة والحب.

الآن أيتها الشجرة الجليلة أصبح الجو مفعما برائحة القتل والرعب، والحليب الذى اختلط بالدم فى بيت الله، إنه الجحيم الذى نزل على أرضك ونثر الموت نثرا فوضويا، وأنت الآن تقشعرين غضبا، فلقد توقف يسوع عن السير وإعطاء بلسمه الشافى، بينما السماء تمطر قنابل ورشاشات، وتقهقه الشياطين وهى تنفث دخانها الأسود، وأطفالك يتساءلون: لماذا امتلأ وجه القمر بالذئاب؟، لماذا اختزل العالم إلى كتلة من التوحش والابتذال والكذب؟، إنها لعنة الزمن وإبادة فاقت كل من سبقها.

يا شجرة الزيتون الحزينة: من يستطيع أن يعيد لك روحك العظيمة، وقصص العشق، والأغانى والسحر اللذين ينسابان من حكايات الناس والطير والحجر؟، من يستطيع أن يوقف تلك الريح المجنونة الممتلئة بنثار الشر والتوحش؟، وجعلت كل شىء يكتسى بوشاح الموت الأسود، والسماء محملة بالخوف، والضباب احتشد مبددا الدعاء الذى يصل إلى روح الأشياء، والأطفال والكبار والشيوخ يهرولون من حولك يبحثون عن أصواتهم وملامحهم وهوياتهم، الأطفال يا شجرة البقاء لم يعودوا أطفالا للأرض بل صاروا أبناء للسماء، والعشب البرى الأخضر اكتسى بلون الدم، تأتى الإجابة منك أسمعها بقوة: باقون على هذه الأرض الطيبة، باقون إلى يوم الدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باقون على هذه الأرض باقون على هذه الأرض



GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 02:11 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاستثمار البيئي في الفقراء

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:43 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 10:39 2022 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

الأهلي يسوّق بدر بانون في الخليج والرجاء يريده

GMT 11:36 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

النجم الألماني مسعود أوزيل يختار الأفضل بين ميسي ورونالدو

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

دنيا سمير غانم تتألق رفقة زوجها

GMT 20:38 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

كوريا الجنوبية تسجل 63 إصابة جديدة بكورونا

GMT 13:16 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

طريقة سهلة لتحضير الهريسة الحلوة

GMT 11:35 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إنتاج الجيل الثالث من المحفظة الذكية المضادة للسرقة

GMT 21:19 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

زهير مراد يعلن عن فساتين زفاف لربيع وصيف 2017

GMT 15:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

خان الخليلي وجهة سياحية مصرية لا تُعوض

GMT 15:15 2021 الأربعاء ,21 تموز / يوليو

حمادة هلال يتصدر تريند يوتيوب بكليب «أم أحمد»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon