توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل انتهت حرب سوريا؟

  مصر اليوم -

هل انتهت حرب سوريا

بقلم : مينا العريبي

على الرغم من استمرار المعارك في مناطق عدة من سوريا، وتهجير نحو نصف شعبها، والقصف الإسرائيلي المتكرر لأراضيها وانتهاك سيادتها، يتحدث البعض وكأن الحرب في سوريا قد انتهت. نعم هناك تطورات عدة لا يمكن نكرانها، مثل إعادة النظام السوري سيطرته على مدن مثل درعا وحلب بدعم إيراني - روسي، بالإضافة إلى تراجع وضع المعارضة السورية، قلبت الموازين العسكرية لمصلحة النظام السوري. كما أن قدرة النظام وداعميه الأجانب على استعادة المناطق المجاورة للعاصمة أعاد الاستقرار إلى معقل الحكم وساعد على إضفاء أجواء استقرار سطحية يشير إليها من يزور دمشق هذه الأيام. ولكن الحرب الأهلية تأخذ أشكالاً مختلفة، غير الحروب التقليدية بين الدول. وتشتيت المعارضة وإخماد شعلتها لا يعني بالطبع انتهاء الصراعات الداخلية التي يمكن إشعالها في أي لحظة - كما رأينا مع مصاب السويداء الأسبوع الماضي بهجمة أدت إلى مقتل 200 ضحية في يوم واحد.

بالطبع، انتهاء الحرب في سوريا واستقرارها أمر مرغوب تحقيقه من أجل شعبها ومن أجل المنطقة برمتها. ولكن يجب التوقف قبل إعلان أن الحرب منتهية وبكل تأكيد يجب عدم التسرع بإعلان «الفائز» من هذه المأساة.

لم تنتهِ الحرب بعد ولكنها دخلت مرحلة جديدة، مرحلة لا توجد فيها معارضة متفق عليها يمكن التفاوض معها وترتيب المرحلة المقبلة، بل تشتت المعارضة، بينما لم يعد النظام السوري سيد قراره بل يعتمد على داعمين خارجيين لحسم أي موقف. تكاثر الجهات المسلحة وتشرذم أصحاب القرار في سوريا يصعب من العملية السياسية التي لا يمكن التقدم من دونها. وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة وإعادة بناء الدولة السورية يتطلب إقراراً حقيقياً من النظام السوري بعملية مصالحة وترميم للمجتمع. ولكن في الواقع، النظام يعتبر أنه كسب عسكرياً. ولا يوجد من يرده. فإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تخلت عن مطلب رحيل بشار الأسد وباتت تركز فقط على محاربة «داعش».

من غير المعلوم ما تم الاتفاق عليه بين الرئيس ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي في قمة هلسنكي - الأمر الذي ما زال يشغل الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية. ولكن بات من الواضح أن واشنطن تركت الأمر إلى موسكو، القرار الذي يعود نسبياً لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما. أما الدول الأوروبية فهي اليوم منشغلة فقط بسبل إعادة اللاجئين السوريين أو على الأقل منع تدفق المزيد منهم إلى أراضيها. أما تركيا فقد باتت شريكة مع إيران وروسيا في تقرير مناطق نفوذ داخل سوريا وتبحث عن مصالحها. والدول العربية التي كانت تعتبر سوريا من أهم قضاياها تراجع موقفها منذ أن باتت المناقشات الدولية حول سوريا في آستانة تتم بغياب أي صوت عربي. القصف الإسرائيلي شبه الأسبوعي على سوريا يبرهن على عدم اكتراث نظام الأسد بالسيادة، بل الحرص أولاً وأخيراً على البقاء في السلطة، مهما كان الثمن.

النظام السوري ينتهز هذه المرحلة ويريد تصفية حسابات وملفات عدة لمصلحته. قرار إصدار شهادات وفاة - فاقت الألف في يوم واحد - لمعتقلين في سجون النظام يؤشر على أن السلطات الأمنية لا تخشى من محاسبة. قبل سنتين كان الحديث كثيراً عن محاكمة المسؤول عن جرائم حرب - وقتل المعتقلين من دون محاكمة جريمة واضحة - ولكن اليوم يشعر النظام بأنه قادر على التصرف من دون محاسبة، ولذا يصدر شهادات الوفاة ويحاول إغلاق ملفات المعتقلين والمفقودين وطي تلك المرحلة الشائكة. إلا أن هذه الأمور لا تحسم بإصدار شهادة وفاة. ولا يمكن التوقع أن الملايين من السوريين الذين فقدوا أحبابهم أو منازلهم أن يتخلوا عن حقوقهم بهذه البساطة. لذا فإن العمل على إنهاء الحرب يعتمد على عملية سياسية تضع أرضية لإعادة السيادة السورية وتضع آلية للحكم.

ما زال المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يعمل على صياغة دستور جديد لسوريا بمشاركة 3 فئات؛ النظام والمعارضة وفئات المجتمع المدني. ولكنّ هناك أطرافاً لا تنضوي تحت هذه التسميات الثلاث، مثل قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل الأكراد ولا تعتبر جزءاً من النظام أو جزءاً من المعارضة، ومع حملها للسلاح يصعب اعتبارها جزءاً من المجتمع المدني. صياغة الدستور ليست بالأمر السهل في أي ظرف وخاصة مع ظروف سوريا وتعقيداتها. لكن يبدو أن الأطراف الخارجية المؤثرة متفقة على جعلها نقطة انطلاق العملية السياسية.

من جهة أخرى، تعقد لقاءات في عواصم أوروبية وفي دوائر البنك الدولي حول إعادة إعمار سوريا. لا شك أن إعادة الإعمار أمر مهم ومطلوب، ولكن من المبكر الحديث عنه من دون عملية سياسية تصون ما يمكن إعماره. اجتماع بروكسل العام الماضي شمل 70 دولة ومؤسسة تعهدت بالمساهمة في إعادة الإعمار، ولكن الإعمار لن يحدث من دون النظام السوري وهو يطمح لجعل إعادة الإعمار فرصة لإثراء رجال الأعمال والمرتزقة. يقدر البنك الدولي أن التكلفة قد تصل إلى مائتي مليار دولار - ولكن هذه ليست أموالاً تستثمر من أجل السوريين، بل يخشى أن تتحول هذه الأموال لتدعم عجلة اقتصاد الحرب التي تمول المسلحين والمستفيدين من القتال.

أبدت روسيا وإيران عدم رغبتهما في تحمل عبء المشاريع المطلوبة لإعمار البلاد، وتنظر روسيا إلى دول عربية وأوروبية للمساهمة، إلا أن القصف الجوي الذي أدى إلى هدم الآلاف من المنازل والمباني السورية كان من قبل النظام وداعمه الروسي. فمن غير المعقول أن تتحمل مسؤوليتها المالية دول أخرى. ملف إعادة الإعمار، مثل ملف إعادة اللاجئين، يمكن تداوله ومناقشته وعقد مؤتمرات حوله. ولكن في النهاية لا جدوى حقيقية منه دون إنهاء الحرب - ووضع آلية لإعادة السيادة السورية حقيقة.

إن كان هناك من يروج بين الشك واليقين أن نظام الأسد قد كسب الحرب، فإن هناك من يعلم بألم أن سوريا قد خسرتها يقيناً.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل انتهت حرب سوريا هل انتهت حرب سوريا



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt