توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مأساة الغوطة الشرقية تعقد الأزمة السورية لا تحلها

  مصر اليوم -

مأساة الغوطة الشرقية تعقد الأزمة السورية لا تحلها

بقلم : مينا العريبي

  من المحزن والمفجع أننا اعتدنا على رؤية صور النازحين السوريين داخل بلادهم؛ أطفالاً وشيباً ونساءً، يسيرون على أقدامهم وهم يهجرون من بيوتهم وبلداتهم وأسلحة الجيش موجهة إليهم. حافلات تنتظر نقلهم وإخراجهم من أراضيهم إلى مناطق محاصرة أخرى. صور المهجرين من الغوطة الشرقية خلال الأيام الماضية تأتي بعد صور مماثلة لسوريين أجبرتهم حكومتهم على الاستسلام بعد سنوات من الحصار والتجويع، أساليب تعود للقرون الوسطى وتنافي كل القوانين والأعراف الدولية. ولكن القانون الدولي ليس له وجود في سوريا منذ زمن. لقد دخل ممثلون عن منظمات دولية مثل منظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية، الغوطة الشرقية، وشهدوا على حجم الدمار فيها، ولكن من دون القدرة على حماية أهاليها.

ما نراه في الغوطة هو إصرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد على فرض سلطته أمام كاميرات التسجيل، معلناً «النصر» على شعبه. فحتى وإن كانت هناك مجموعات مسلحة في الغوطة الشرقية، هناك أضعاف أعدادهم من المدنيين. وكانت زيارة الأسد، الأسبوع الماضي، لريف دمشق ضمن هذه الحملة، إذ كان ظهوره ونشر صوره، مهماً لمؤيدي النظام؛ أولاً لرفع المعنويات بين مؤيديه بعد القصف العشوائي الذي عانت منه دمشق خلال الأسابيع الماضية من الغوطة، وثانياً لإظهار الأسد على أنه قادر على التحرك خارج العاصمة السورية. لكن في الواقع، ما رأيناه الأسبوع الماضي زيارة رئيس دولة لبلدة على بعد أميال من مقر إقامته وقد دمرت بالكامل.
وخلال الأيام الماضية، ظهر تسجيل يجسد الأزمة السورية سياسياً وإنسانياً؛ إذ انتشر تسجيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لعضو مجلس الشعب السوري محمد قنبض وهو يفرض على النازحين الهتاف تأييداً للأسد، ويزيد من معاناتهم بانتظار هذه الهتافات قبل أن يعطيهم قنينة ماء شرب صغيرة تروي عطشهم بعد سنوات من الحصار وأسابيع من القصف المستمر عليهم.

التسجيل يظهر قنبض وهو يصرخ «من هو رئيسكم؟»، ليجيب النازحون المنهكون بصوت ضعيف «بشار الأسد». ولكن ذلك لم يكن كافياً، إذ يصر قنبض بصوت عالٍ «من هو رئيسكم»؟ ليرد السوريون «بشار الأسد» بصوت أعلى، ولكنه مليء بالحزن.

ويظهر التسجيل الذي نشره «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عضو مجلس الشعب السوري، الذي كان يقف فوق سيارة نقل تحمل قناني المياه، حاملاً إحداها، ويقول: «سوريا منتصرة بقيادة الرئيس بشار الأسد». وقبل أن يسلم قنينة الماء للعطاشى، يصر عليهم بالهتاف تأييداً للرئيس السوري الذي أشرف على حصارهم وتهجيرهم. هذا التصرف جاء ممن يدعي أنه يمثل الشعب، لكنه في الواقع هو الذي يذله.

علينا التذكر بأنه خلال 5 أسابيع، قتل 1600 سوري على الأقل وجرح 7 آلاف آخرين في الغوطة الشرقية. أما الآثار النفسية التي لا تراها العين، فهي من دون شك أعمق وأشد مما نعرفه الآن. ومن يتوقع أن هذا الذل وعمليات التجويع والتهجير القسري من الممكن أن تؤدي إلى حل في سوريا فهو مخطئ في حساباته. تدمير الغوطة الشرقية وتجول الأسد في أجزاء منها قبل أيام ليس حلاً، بل فتح فصلاً جديداً من الأزمة السورية لا تعلم تداعياتها فوراً بل ستأتي لاحقاً. الطفل الذي عاش 6 سنوات خارج سلطة النظام السوري، وعانى ما عاناه في الغوطة، لن ينسى هذه المأساة، ومن الصعب أن يتقبل سلطة نظام يضم عضو مجلس شعب يهين الشعب بالطريقة التي مر ذكرها. وهذا أمر يعرفه النظام السوري، مما يرجح فرضية الهجوم المقبل على إدلب، التي باتت حاضنة لكل من هجر من المناطق السورية التي استسلمت فيها المعارضة. السيناريو الذي تم في الغوطة الشرقية رأيناه سابقاً في حمص وحلب وغيرهما. التهجير القسري إلى إدلب ينذر بضربات عسكرية موجعة عليها خلال أشهر قليلة. من ينتقل إلى إدلب يعلم أنه يواجه المزيد من التجويع والاستهداف بطرق مختلفة.

وهناك أكثر من 5.5 مليون لاجئ تركوا سوريا ومن الصعب أن يعودوا إليها، خصوصاً أن لائحة المطلوبين مدرج عليها أكثر من 1.5 مليون اسم.

لا شك في أن تشرذم المعارضة السورية والاختلافات بين فصائلها وداعميهم يزيد من حدة الأزمة ويقوي كفة بشار الأسد. فتعامل القوى الإقليمية والدولية مع معارضة مفككة يجعل الدبلوماسيين يشعرون بالحيرة. لا شك أن الخلافات بين «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام» أدت إلى المزيد من الدمار في الغوطة. ولكن هذه الانقسامات جاءت بسبب الاختلافات الدولية والإقليمية التي جعلت أطرافاً عدة تدعم فصائل مختلفة مما أوصل المعارضة السورية إلى هذه المرحلة.

البعض يقول بأن علينا «الاعتراف» بأن الأسد انتصر. إذا كان النصر هو البقاء في السلطة بناءً على أساليب الحصار والتجويع وتدمير مدن بكاملها واحتلال قوات مدعومة من إيران وروسيا، فنعم الأسد انتصر على جزء من شعبه بهذه الأساليب. ولكن فقدان السيادة وفقدان الملايين من الشعب بين قتيل ومهجر ونازح ومعارض لا يمكن أن يشكل نصراً. ومع الأسف، جميع المؤشرات في الوضع السوري والإقليمي الحالي تدل على أننا سنرى صوراً جديدة من الدمار والتهجير. لكن من غير المؤكد كيف سيرد ابن الغوطة وبابا عمرو وغيرهما من بلدات سوريا، آجلاً أم عاجلاً، على هذه الاختراقات البشعة لجميع حقوقه.

نقلاً عن الشرق الاوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مأساة الغوطة الشرقية تعقد الأزمة السورية لا تحلها مأساة الغوطة الشرقية تعقد الأزمة السورية لا تحلها



GMT 03:37 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وصايا صلاح منتصر

GMT 03:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الندم على ما فات!

GMT 03:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

هل لغزة «يوم تالي»؟!

GMT 03:31 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

صبر مصر

GMT 03:19 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين: كثر الكلام وقل الخبز

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:00 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة
  مصر اليوم - الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 07:32 2021 الخميس ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار البنزين في محطات الوقود المصرية اليوم 11 نوفمبر

GMT 09:48 2024 السبت ,11 أيار / مايو

أفضل أماكن التسوق في جزيرة "سنتوسا"

GMT 05:29 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

مفاجآت بشأن تجديد عقد بن شرقي مع الزمالك

GMT 05:05 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

تعرفي على طرق للتخلص من الطاقة السلبية في جسمك

GMT 22:35 2021 الأحد ,20 حزيران / يونيو

إيطاليا تسقط ويلز وسويسرا بقائمة الانتظار

GMT 06:55 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تعود لترتفع المعنويات هذا الشهر بعد معاناة صعبة

GMT 16:52 2020 الخميس ,23 إبريل / نيسان

شيما الحاج تدافع عن الطلبة المصرية حنين حسام

GMT 10:21 2020 الأربعاء ,26 شباط / فبراير

فريد الديب يوجه رسالة نارية لمنتقدي "مبارك"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon