توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفرقعات نسائية

  مصر اليوم -

مفرقعات نسائية

بقلم - سوسن الأبطح

غمز البعض بوفاة الأديبة أملي نصر الله من قناة كلاسيكيتها. فالسيدة الدمثة كان لها من الرصانة والهدوء، ما لم يسمح لها بالتكلم كما أخريات عن «جنون» و«شطحات»، و«هواجس» و«مغامرات» و«عشاق» و«رسائل سرية». ولكل مزاجه والزاوية التي يرى منها إلى العالم حين يكتب أدباً، أو يخطط لمشروع. الفرق بين أملي نصر الله وثائرة مثل نوال السعداوي أن الثانية لم تكن قادرة، ربما على اجتياز العقبات، دون تحطيم وطلاق ومواجهات عالية الصوت، وفضلت الأولى أن تتسلل من بين النقاط لتصل إلى بر الأمان بنفسها ومن حولها.
والأديبات أنواع ومناهج وقناعات، فمنهن من استغلت أنوثتها لتفجر قنبلتها حول الاضطهاد الذي عاشت والقهر الذي عانت. وبينهن من أرهقها التمييز ونصبت لها فخاخ المكائد ولم تلِن، وتعففت عن استخدام سلاح النسوية الرائج في «الماركتينغ» لتبيع أكثر.
لم يكن ينقص أملي نصر الله من النضال ما تباهي به قريناتها المتمردات، وآثرت جعل كل عائق حافزاً، وما جابهته مجرد حياة عادية، سارت فيها إلى منتهاها راضية النفس، غير متأكدة أنها فعلت ما يستحق عناية الآخرين. ومؤثر أن تنشر بعد خمسين سنة من صدور روايتها الأولى «طيور أيلول» في كتابها الأخير «الزمن الجميل» نصاً عن تلك الغرفة التي أعارتها إياها صديقتها الناشرة والكاتبة أنجيل عبود في بناية «اللعازيه» المعروفة وسط بيروت، لتلجأ إليها بضع ساعات في اليوم هاربة من أثقالها الصحافية وأحمالها المنزلية، كمن يهرب إلى كهف بعيد، يحتمي به من ضجيج الكون إلى سكون النفس وطمأنينتها ليخرج ما في ذاته بعيداً عن الطفيليين. وفي إشارة إلى تأثرها بفرجينيا وولف، التي لا بد كاتبات كثيرات استلهمنها سطرت نصر الله «حين كتبت الأديبة البريطانية كتابها (غرفة من أجلها) عام 1928، عالجت فيه مشكلة المرأة الكاتبة وعدم توفر غرفة خاصة بهاز
كانت تكتب عن كل امرأة تحمل قلماً في زمانها وفي كل زمان». وهو ما يذكر بما سطرته هدى بركات عن تجربتها الروائية، لنكتشف أنها في حميماتها لا تبتعد كثيراً عن زميلتها نصر الله في الافتقاد إلى ترف التفرغ والعزلة اللتين تحتاجهما القريحة، لتسبح في خيال الشخصيات، وحياكة الأحداث والسير في خط الرواية. وفي غمار حديث بركات عن التهجير الذي عاشته خلال الحرب اللبنانية من شقة إلى أخرى تحت القصف: «كانت الأماني هي أن أجد ولو القليل من أغراض البيت، وبخاصّة أغراض الولدين التي احترقت أو تكسّرت تحت أنقاض البيوت العديدة»، فيما لم يكن حمل مخطوطة رواية من مكان إلى آخر في كيس نايلون غير «بذخ غير وارد، ولزوم ما لا يلزم من الأولويّات».
ومن قال إن الأدب يأتي قبل الخبز والأمن إما أنه يكابر وإما يمالق قراءه، ولبركات من الشجاعة ما يجعلها تعترف ولا عيب في ذلك «حتّى اليوم (كلّ) شيء في حياتي يأخذ مكانه قبل الكتابة. أقصد كلّ الواجبات... الدنيويّة، تلك التي تعتبر تافهة. يوميّة وآليّة وميكانيكيّة وسخيفة. ربما لأن هذه (التفاهة) هي ما يمدّني بخفّة التحميل».
ولأملي نصر الله فضيلة أنها عاشت ما كتبت. فحين أقرأ «أنا أحيا» اليوم، وهو لواحدة من أشهر الأديبات تحرراً مثل ليلى بعلبكي، تعرضت للمحاكمة، ونفت نفسها طوعاً، لقولها إنها لم تكن قادرة على احتمال الضغط الذي تعرضت له، نسأل أنفسنا، كم من الوقت سيبقى هذا النص صامداً في الزمن، بعد سيل النصوص النسائية الجريئة لا بل والإباحية التي غزت الرواية العربية في السنوات العشر الأخيرة، ومن منهن ستنال حظ الاستمرار في ضمير الناس، كما ألهمت فرجينيا وولف نساء العالم أجمع وبينهن القاصة المغربية لطيفة فاقا التي عنونت مجموعتها القصصية الأخيرة باسمها ومن وحي غرفتها. وفي «تيت مودرن» في لندن هذه الأيام معرض تشكيلي يجمع لوحات رسمت تحت تأثير كتابات هذه البريطانية الفذة أو حتى قبل مولدها، ليفهم الناس السياق الذي كتبت فيه، وشكّل رؤيتها البانورامية، وهي تشرّح، مدى أصالة كل كاتبة امرأة تقع كتبها تحت يدها. وتقوم كل نظرية وولف على فكرة أن على النساء أن يكن صادقات في مرجعيتهن ويعرفن جيداً، أن بعض ما يركنّ إليه في كتاباتهن هو صنع رجالي، ومن الخطأ ألا يفعلن سوى تبنيه وإعادة كتابته بطريقة مغايرة.
«فالكتاب ليس كناية عن جمل مرصوفة بجانب بعضها البعض، لكنه جمل مبنية على هيئة قباب وممرات مسقوفة، وحتى تلك الممرات قام بصنعها رجال، تبعاً لاحتياجاتهم واستخداماتهم الخاصة». المهمة الملقاة على كاهل النساء صعبة وعلى العربيات منهن الواقعات بين مطرقة موروث أمهاتهن، وإغراء الحداثة أصعب، لكن يبقى عليهن أن يتذكرن جيداً «أن القرد أبعد من أن يكون مجتهداً مثابراً». فبعض أديباتنا بحجة التحرر يعدن إلى قفص جعل الرجل، وإن على طريقتهن الخاصة، محور رواياتهن، إن بتحميله سبب الإخفاقات، أو بجعله مركز الإغراءات.
والتقسيم ليس بين أديبة تقليدية، وأخرى ثائرة، فبعضهن لم يتمردن إلا في تدبيج النظريات، بينما يعشن في يومياتهن تناقضاً فادحاً، عما يبشرن به. وإن كان ذكر الأسماء لا يزال يثير حساسية، فالزمن كفيل بمراجعة السير وما اقترن بها من أدبيات بقيت حبراً على ورق. ويكفي أملي نصر الله أنها كتبت من دون استعراضية ومفرقعات صوتية، وهي تشد أزر المستضعفين والفقراء البائسين، وساندت النساء، ووصلت إلى الأطفال حين لم يكن يتنازل ويلتفت إلى هذه الفئة اليانعة أديب، وكانت رائدة في تدبيج نصوص للناشئة يوم عزّت الكتابة لهم، وجالت في الأرض سفراً ووصفاً، واحتضنت الإنسانية حباً، وتركت كتباً خضراء تنتصر للحقول والفلاحين، والأرض قبل «حزب الخضر» و«منظمة غرينبيس»

نقلا ع الشرق الاوسط القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفرقعات نسائية مفرقعات نسائية



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt