توقيت القاهرة المحلي 07:13:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بريطانيا وقضية التعاطف الشعبي

  مصر اليوم -

بريطانيا وقضية التعاطف الشعبي

عادل درويش
بقلم -عادل درويش

لا يكاد يختلف اثنان في معظم أنحاء العالم على تعاطفهم مع المدنيين في فلسطين الجغرافية، أو على ضرورة إيجاد حل سريع للوضع المأساوي لسكان غزة، والتوصل لتسوية سلمية، كمشاعر إنسانية عامة.

بريطانيا ليست استثناءً من تنامي شعور التعاطف، الذي اتخذ، لأربعة أشهر، شكل مظاهرات متكررة أثارت في الأسابيع الأخيرة انقسامات حادة، تركت أثرها في مشاهد غير مسبوقة في أم البرلمانات، في وستمنستر (راجع عدد الأحد الماضي من «الشرق الأوسط»).

لماذا اخترنا العنوان؟ الموجه لمحبي السلام والساعين لحل عادل لجميع الأطراف، وخاصة منظمات الغوث والمعونات الإنسانية.

متابعتي لكثير من الحركات الاحتجاجية أو الداعية لأهداف إنسانية، تستخلص دروساً مهمة (وأركز هنا على بريطانيا، موطني لأكثر من ستة عقود متابعتي فيها بدأت مع مسيرات «حركة نزع الأسلحة النووية» التي انطلقت في نهاية الخمسينات).

في كثير من الأحوال الحركة بدأتها نواة من الأشخاص حركتهم إنسانيتهم بدوافع نبيلة، ولاقت تأييد جميع الأطياف بما فيهم الكنيسة الرسمية ورجال معظم الأديان والصحافة.

النواة، النبيلة الأهداف، كثيراً ما تجد نفسها، «تاهت في الزحمة».

المقصود بالازدحام هنا، تضخم المشاركين في الحركة، لاغتباط قادتها في البداية، حتى تجد الحركة الأصلية نفسها أقلية، وسط تيارات وحركات وتنظيمات وآيديولوجيات وأفراد، بينهم بالطبع المتعاطفون إنسانياً، وبعضهم لدوافع أخرى لترويج آيديولوجيات أو افتعال مواجهات أو إثارة أمور لا علاقة لها بالأهداف الأصلية الإنسانية. الأخطر بالطبع الجهل بالتفاصيل، وذوو المعرفة السطحية الذين يندمجون في الحركة بدوافع عاطفية ويندفعون بتحمس الجماعة إلى ارتكاب مخالفات قانونية تضر بالحركة الأصلية وتخسرها التعاطف الشعبي.

حرية التعبير والاحتجاج والتظاهر من الحقوق المقدسة في بريطانيا، وكثير من حركات الاحتجاج تاريخياً تلتزم القانون، وبتقاليد المجتمع، البريطانية.

مسعى المظاهرات جذب انتباه الرأي العام عن طريق الصحافة والإذاعات، ولذا ترى كثيراً من الدمى العملاقة والأقنعة الساخرة بشكل كاريكاتيري من الساسة؛ والأهم إقناع الجهة الوحيدة القادرة على إحداث التغيير المطلوب: نواب البرلمان في وستمنستر.

في الأيام القليلة الماضية، رأينا عدداً معتبراً من نواب مجلس العموم يشكون من «التخويف الاستفزازي» لحركات الاحتجاج، لدفعهم للتصويت في اتجاه محدد (وهو أحد الأسباب التي ساقها رئيس البرلمان في خروجه عن الأعراف البرلمانية الأسبوع الماضي).

وتخصيص 31 مليون جنيه إسترليني يوم الأربعاء لحماية مخصصة لنواب البرلمان من تهديدات المحتجين.

شكوى النواب من تهديدات المحتجين كالصراخ في وجوههم بمكبرات الصوت، ومحاصرة منازلهم والهتافات المعادية بمكبرات الصوت (كما حدث مع النائب توبايز إيللوود وزير الدفاع السابق، ووزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية سابقاً، ولجنة شؤون الدفاع البرلمانية) ومحاصرة مكاتب الدائرة لعدد من النواب بسبب التزامهم خطَ الحزب في مناظراتهم البرلمانية (كما حدث للنائبة العمالية المسلمة روشانارا علي).

رئيس الوزراء ريشي سوناك استدعى مفوضي قوات البوليس وحثهم على عدم السماح «لسلطة الغوغاء» بأن تكون بديلاً عن «حكم الديمقراطية».

وزير الداخلية، جيمس كليفرلي، قال إن المظاهرات والمسيرات حققت الغرض من تعاطف الرأي العام، وناشد المتظاهرين التقليل منها، حيث تجاوزت تكاليف حراستها ورعايتها 24 مليون جنيه من ميزانية بوليس لندن، بجانب أنها تشغلهم عن متابعة الجريمة في أماكن أخرى.

بتشريح المسيرات والمظاهرات في الفترة الأخيرة تجد أن بها كثيراً من التيارات، لا علاقة لها بالفلسطينيين أو الإسرائيليين، وربما لا يعرف كثيرهم أين تقع غزة على الخريطة.

هناك الكثيرون من محترفي المظاهرات وتعطيل المرور، وأيضاً تنظيمات ليس في تاريخها اهتمامات بقضايا الشرق الأوسط كمحتجي البيئة، أو حركة منع التنقيب عن البترول، وحركات المثليين، لكنهم يركبون الموجة للدعاية لأنفسهم لتظهر الكاميرات لافتاتهم.

أما التيارات التي دفعت برئيس الحكومة للتحذير من «سلطة الغوغاء» وتخصيص الحراسة للنواب، فوراءها آيديولوجيات وتنظيمات سبقت نشاطاتها أحداث أكتوبر (تشرين الأول) الماضي المأساوية بسنوات؛ وهي حركات تتسم بالعنف، وليس بين أعضائها وناشطيها عرب. فمثلاً من يقفون بالميكروفونات ويدعون إلى «إعلان الجهاد العالمي» أو يحاصرون مكاتب النواب أو يهددون أسرهم، ينتمون تاريخياً إلى حركات، متطرفة أو مدرجة على قوائم الإرهاب، وعضويتها ممنوعة قانونياً. وهناك من لا يعرفون من اللغة العربية سوى نصوص بسيطة لترديد ما يلزم فقط لأداء شعائر الدين، ولذا فمعرفتهم بتاريخ مشكلات المنطقة وأسباب الخلاف، سطحي ومحدود بالترجمات الانتقائية.

الحملة الانتخابية بدأت بالفعل وأولوية الناخب الاقتصاد الذي يؤثر عليه سلباً تهديد الملاحة في البحر الأحمر، فماذا نتوقع رد فعل المواطن البريطاني لرفع أعلام الحوثيين في المسيرات؟

أو رد فعله لاستقطاع البوليس الوقت والميزانية من أمن المواطنين لحراسة المظاهرات؟

وكيف وصل الأمر بأن ترتبط في الأذهان عبارات «كسلطة الغوغاء» أو «تخويف النواب» بحركة بدأت أصلاً بنوايا نبيلة ولأهداف إنسانية؟

ولذا فمن الحكمة أن تبتعد حركة دعم السلام في غزة ومساعدة المدنيين، بنفسها عن التيارات والتنظيمات الغريبة جغرافياً وتاريخياً وفكرياً، التي تركب موجة الاحتجاجات لأغراض لا علاقة لها بالأهداف الأصلية الإنسانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا وقضية التعاطف الشعبي بريطانيا وقضية التعاطف الشعبي



أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon