توقيت القاهرة المحلي 02:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القطبة المخفية في الثقافة العربية!

  مصر اليوم -

القطبة المخفية في الثقافة العربية

بقلم : د.محمد الرميحى

الثقافة والتفكير الثقافي يقودان المجتمعات، إما إلى الفلاح أو الطلاح، ولعل ذلك ينطبق على الثقافة العربية، وخاصة الثقافة السياسية المعاصرة. في الذهن «علاقة الإسلام بالسياسة»، فمعظم المجتمع العربي هو مجتمع مسلم، وإلباس السياسة بالدين عملية جاذبة لجمهور واسع من الناس، إلا أن ذلك الإلباس «إن صح التعبير» قد قاد ويقود إلى طرق مسدودة في التنمية والمعاصرة، ومعظم «المعارك» الفكرية السياسية اليوم حولنا نابعة من ذلك اللبس «بين الدين والسياسة»! لا يحتاج القارئ إلى ضرب أمثلة، فهو يلمسها حوله، وإن تشكلت بصور مختلفة في مجتمعات مختلفة، إلا أن جوهرها واحد، ولم يشرع أحد في علاجها. في معظم الدول العربية أصبح تنظيم «الإخوان المسلمين» تنظيماً محظوراً، ذلك بسبب «شهيته الانقلابية» التي تبشر بسراب «الدولة الإسلامية الواحدة»! كما مرت دول مثل السودان ومصر وتونس «أذكر البعض فقط» في العقود الأخيرة بتجارب مريرة من حكم تلك الجماعات، وهي ما زالت تعاني حتى اليوم من نتائجها الكارثية، كما أن مجتمعات عربية أخرى غير قادرة على التخلص من تأثيره المباشر أو غير المباشر، وقد فرخ ذلك التوجه جماعات متشددة، منها «القاعدة» و«داعش» وأمثالهما، ما استنزف كثيراً من الطاقة والجهد، وضياع جهود التنمية. قد يجد البعض أن بعض أعضاء الجماعة «ذوي نوايا طيبة» يبتغون الإصلاح لما يرونه من أخطاء في نظرهم بالمجتمع المحلي، لكننا هنا بصدد «الآيديولوجية»، وليس نوايا الأفراد. يرغب بعضنا في وضع يده على «القطبة المخفية» في هذه المعضلة الثقافية - السياسية، فهو في الغالب في حيرة بين مقاصد الإسلام السامية، وأهمية الدين للإنسان، وبين تنظيم له مخطط آخر في الغالب خارج عن العصر، إنها معركة الثقافة العربية وربما الإسلامية الكبرى اليوم. القطبة المخفية هي العلاقة بين الإسلام الحركي - السياسي، وبين الإسلام الشعبي، إن صح التعبير، فالأول يتغذى على بحيرة هائلة من الإسلام الشعبي، ما يهيئ له أرضية في المدارس بدرجاتها المختلفة والجامعات، حتى المؤسسات الرسمية والإعلام بأشكاله وتنوعاته. صديق في ديوانية، وهو مربٍ وله اطلاع، حدثنا مرة عن «احتجاج ابنه المراهق على طريقة شربه للماء»، فقد همّ بتناول بعض الماء وهو خارج من المنزل، فنهره ابنه! عليك أن تجلس لتناول الماء! وعندما سأل؛ من علمك ذلك؟ قال المدرس في المدرسة، فلا يجوز «شرعاً» أن تتناول الماء وأنت واقف!

في العشرية الأولى من القرن الحالي كان لكاتب هذه السطور مقال مطول نشر في مجلة العربي حول «التسامح» وأهميته في التعايش بين مكونات المجتمع، أحدهم التقط المقال وقرره قراءة على الصف الأخير في الثانوية، ودعيت في محاضرة للطلاب، وفوجئت بالنص مكتوباً في كتاب القراءة، وعليه أسئلة، وأول سؤال كان: «كيف تثبت أن كاتب المقال مسلم؟»، طبعاً صعقت مما قرأته، لأن موضوعاً عن التسامح أريد به غير ما أنشئ من أجله! لأسباب لا تخفى. تلك بعض التجارب، وأحسب أن القارئ الفطن لديه تجارب أخرى أكثر عمقاً في تطويع النصوص لتهيئة الجيل كي يُلتقط جاهزاً من جماعات التشدد. الكلمات المفتاحية هنا هي «المنهج والمُدرس»، واسمها العام تدريس الدين في المدارس العامة التي تهيئ أرضاً خصبة للمتشددين لالتقاط ضحاياهم، وخاصة المراهقين، تمهيداً لتشكيل عقولهم باتجاه الانخراط في التنظيم، وهو هنا الإسلام الحركي بكل فروعه وتشعباته. لقد أهملت المدرسة لفترة طويلة في معظم الدول العربية وتركت كي تقدم للأجيال «قشور الدين» وليس مقاصده، وكذلك المنهج وتكوين المدرسين، واعتقدت السلطات أن تعلم الدين فيه منفعة للناس والسلطان معاً، ومن ثم تم تركه لتلك الفئة من الناس، ولكن لم يتوقف أحد ليسأل؛ أي محتوى يقدم للشباب من الجنسين؟

لقد استفادت من الفكرة العامة، وهي بحد ذاتها طيبة، استفادت منها الحركات المنظمة لبث أفكار جامدة حول الدين، وخاصة المعاملات، حتى أصبح هناك جيل كامل تلقى هذه الأفكار، دون توقف على حقيقة بشرية جامعة؛ هو أن الزمن يتغير وشروط الحياة تتغير، وبالتالي استخدام الفكر العقلاني لاستنباط الأحكام المناسبة للعصر من النصوص لمواءمة مصالح المجتمع. المؤسف أنه بشكل عام لم يظهر على سطح النقاش في معظم المجتمعات العربية ما يمكن أن يعرف بإصلاح حقيقي في تعليم الإسلام الشعبي، فهو لا يزال فاعلاً ومتشبثاً بالقشور وبيئة صالحة للتجنيد العاجل وغير المكلف، باتجاه التشدد، ولم تكن هناك شجاعة لهذا الإصلاح المستحق. نعم، الدين بشكل عام يشكل حاجة إنسانية، لكن مثله مثل أي شيء آخر في حياة الإنسان يحتاج إلى أن ينقى من الشوائب التي علقها الإنسان عليه لمصلحة ما!

تتردد كثير من الأنظمة بشكل عام في النظر في هذا الملف «خشية أو تجاهلاً أو ابتعاداً عما يُغضب»، لكنها بذلك تترك الباب مفتوحاً لأن يأخذ البعض كل المجتمع بسبب فتوى غامضة وملتبسة تدعي العلم إلى طريق مسدودة، ما ينشأ على أكتافه الإسلام الحركي الانقلابي، بل إن بعض القيادات مسايرة لذلك التوجه تبدأ خطبها وتوجيهاتها بالبسملة والحوقلة في عبارات طويلة قد تأخذ، من دون مبالغة، ثلث الخطاب السياسي!

حظر حركة «الإخوان» هو جزء من كل، أما الحظر فقط، وبالتالي ترك التعليم تتفشى فيه تلك الأفكار المهيئة للتشدد واستقبال من ينصب نفسه «داعية» استقبال الفاتحين، وإغراق الجمهور إعلامياً بأفكار مشوهة عن الدين، وترك جماعات وأفراد يجمعون المال تحت شعار ديني، نتيجة ذلك.

آخر الكلام

الإسلام الحركي سوف يظل باقياً معنا وإن تغير جلده، وسوف يستمر لأن المجتمع يهيئ له المادة الخام لاستمراره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطبة المخفية في الثقافة العربية القطبة المخفية في الثقافة العربية



GMT 13:12 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

حديث الأمير الشامل المتفائل

GMT 00:50 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ مصر اليوم

GMT 16:21 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

49% يؤيدون انسحاب ترامب عقب إدانته
  مصر اليوم - 49% يؤيدون انسحاب ترامب عقب إدانته

GMT 01:07 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

هالة صدقي تكشف عن سبب غيابها خلال الفترة الماضية
  مصر اليوم - هالة صدقي تكشف عن سبب غيابها خلال الفترة الماضية

GMT 13:05 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع
  مصر اليوم - تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع

GMT 00:43 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

انتصار السيسي تطمئن على صحة الفنانة نادية لطفي

GMT 12:37 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

لاباديا يوضح تدريب هيرتا برلين كان تحديا كبيرا

GMT 08:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

وفاة رئيس الاتحاد الأوروبي لألعاب القوى

GMT 21:23 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طلب غير متوقع من أسرة قتيل فيلا نانسي عجرم

GMT 05:44 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تعود إلى نشاطها الفني بعد مرورها بفترة عصبية

GMT 22:45 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المخرج الأردنى رفقى عساف عن عمر ناهز 41 عاما

GMT 22:22 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رد ناري من خالد الغندور على رئيس الزمالك

GMT 01:55 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مجوهرات ونظارات عصرية على طريقة نجود الشمري

GMT 21:25 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مي كساب تضع مولودها الثالث وتختار له هذا الاسم

GMT 14:54 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

أول تعليق من نيكي ميناج بعد اعتزالها الغناء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon