توقيت القاهرة المحلي 12:28:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أي إسرائيل سوف تخرج من الحرب؟!

  مصر اليوم -

أي إسرائيل سوف تخرج من الحرب

بقلم : د.محمد الرميحي

الكتابة في هذا الموضوع تحوطها المخاطر، فمن جهة يمكن الانزلاق إلى الأهواء والعواطف، ومن جهة أخرى ترك الحقائق الشاخصة من دون تفسير. الفكرة الرئيسية التي بدأت تتداول إما بتوسع في الدراسات أو باختصار في المقالات المنشورة، أن إسرائيل ما بعد الحرب الطويلة التي تعدت المائة يوم لن تكون إسرائيل ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في الوقت نفسه أن غزة بعد الحرب لن تكون غزة ما قبل 7 أكتوبر، والأطراف في الصراع سوف تتغير في الشكل والمضمون.

السؤال إلى أي مدى سوف تتغير وإلى أي اتجاه؟ ذلك ما يصعب الجزم به، ولكن يمكن أن نتصور أكثر من سيناريو، والإشارات ربما واضحة.

أولاً: قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي رفض عدم إشرافها على القوانين الصادرة من الجسم التشريعي والتنفيذي، وإلزام الجهتين بقرارات المحكمة في حال الاختلاف، يعني أولاً أن المحكمة لم تكن تحت ضغط الحرب المشتعلة، وثانياً تغليب كفة الرافضين لذلك التشريع، الذين استمروا متظاهرين لأشهر في الشوارع قبل الحرب، منددين بذلك التشريع، الذي يحمي السياسيين من المساءلة ويجعل قراراتهم هي العليا.

القرار بحد ذاته يذكر الجميع كم هو الشرخ عميق في داخل المجتمع الإسرائيلي قبل 7 أكتوبر، وأيضاً له ما بعده، فالطرف المتضرر سوف يسعى جاهداً بعد الحرب لإعادة الكرّة، ومحاولة تقليص سلطة المحكمة، كما أن الطرف المستفيد سوف يحرص على مرجعية المحكمة، وهذا الطرف هو الذي سوف يشكل أغلبية نسبية، كما تقول الاستطلاعات، في أي انتخابات مقبلة.

ثانياً: في المقابل مجرد رفع الدعوى من جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، وإن كان تأثير أي قرار لها على الأرض محدوداً، إلا أنها أصابت سمعة إسرائيل (الديمقراطية) في مقتل، فضعف الردود القانونية التي قدمتها في المحكمة ينم عن «فقد الصبر». العوامل الثلاثة، قرارات المحكمة العليا، وعرض الفظائع الإنسانية المرتكبة في غزة في جلسات محكمة العدل، والحرب ذاتها، عناصر مرتبطة بشكل ما بمستقبل إسرائيل، فالسؤال الأساس المرتبط بالعناصر الثلاثة هل إسرائيل سوف تبقى «ديمقراطية»، كما كانت تعلن دائماً، التي كسبت بسببه تعاطف وتعاضد جسم كبير من العالم، أم سوف تتحول إلى «فاشية» من خلال طرد الفلسطينيين، ليس في غزة والضفة، بل حتى عرب 48 الذين كانوا وما زالوا يعانون من كونهم مواطنين من الدرجة الثانية.

مبرر قرار المحكمة العليا بأنها يتوجب أن تقوم بتمحيص قرارات «الأغلبية البسيطة» في الحكومات الإسرائيلية المختلفة، وفحص إن كانت قراراتها هي للصالح العام أم لصالح أحزاب بعينها؟ يكشف أن العوار الأساسي في العمل السياسي الإسرائيلي لسنوات الخلافات الهيكلية العميقة، حيث لم يتحقق لأي حكومة أغلبية وازنة في الانتخابات تعبّر عن توافق جماهيري، هي، كما تقول بعض الدراسات، ديمقراطية معطلة، وتتغذى أطرافها المختلفة على التشدد والمبالغة في رفض الآخر.

هذه الحرب الثقافية بين مكونات المجتمع الإسرائيلي ما يربطها هو «الخوف من الآخر»، إلا أن الحرب الداخلية السياسية سوف تتصاعد في أعقاب الحرب، ويزيدها اشتعالاً أي حكم سلبي (ولو كان شكلياً) تجاه إسرائيل في محكمة العدل الدولية، بخاصة أنه من أكثر الاحتمالات ترجيحاً أن يكون هناك تحقيق داخلي عميق في كل عناصر الحرب، التي تمتد من الإهمال في توقع ما حدث في 7 أكتوبر، إضافة إلى الطبيعة الفاشية في تنفيذ الحرب نفسها، وإلى الفشل في تحقيق المعلن من أهداف الحرب. تلك التحقيقات قادمة، وقد تنتهي ليس باستقالات على نطاق واسع، لكن ربما بأحكام قضائية وجنائية.

ثالثاً: الجهود التي تبذلها الحكومة الإسرائيلية القائمة هي جهود منع تلك التحقيقات أو حتى التقليل من تأثيريها من خلال الوصول إلى نصر ما، مثل تحرير الرهائن إن أمكن، أو اغتيال أو القبض على قيادات كبيرة في «حماس» من أجل تقديم شيء من النصر للجمهور الإسرائيلي القلق.

ينمو الانقسام في المجتمع السياسي الإسرائيلي بين جناحين؛ أولئك الذين يرغبون في إيجاد حل دبلوماسي للقضية الفلسطينية، ويدللون على وجهة نظرهم بأنه رغم الحرب الصعبة في غزة، فإن الضفة الغربية هادئة نسبياً، وهو دليل على أن هناك جناحاً فلسطينياً يرغب بالحلول السلمية، وجناح آخر يرغب ويعمل على شيطنة الفلسطيني، وأنه ليس هناك أحد من الفلسطينيين ملاكاً، وكلهم شياطين!!

إلا أن الجناح الأول بدأ يُظهر رأيه القائل بأن ثمن قيام دولة فلسطينية (كما جاء في اتفاقية أوسلو) أرخص بكثير لإسرائيل من الحروب المتعاقبة، وأيضاً يفوّت فرصة على الدول الإقليمية المتشددة من «المتاجرة بالقضية» ويريح حلفاء، وهذا رأي جهر بمثله وزير الدفاع مؤخراً.

رابعاً: هناك علاقة مباشرة بين شكل نهاية الحرب القائمة، ومستقبل إسرائيل السياسي، ومن الواضح أنها تفتقد الأوراق السياسية الكاسبة، كما حدث في مطالعة محامي إسرائيل في محكمة العدل، الذي ادعى أن «معبر رفح مصري، وأن من يفتحه أو يغلقه هم المصريون»، وهذا إفلاس كامل، لأن المعروف أن دخول المساعدات يخضع لشروط إسرائيلية، وهي شروط قاسية، تقف على رأسها إمكانية قصف أي شاحنة تدخل من دون تفتيش إسرائيلي، ومع الأسف أن عدداً من المعلقين العرب أخذ لأسباب سياسية مقولة المحامي على أنها حقيقة لا تناقش! القصد هنا في توزيع الاتهامات هو تنفير وحتى إظهار عداء لبلد كبير مثل مصر لعبت في العقود الأخيرة دور المهدئ في الصراع! فذلك عمل يائس!

فكرة «الوحدة في زمن الحرب» التي كانت تعتمد عليها إسرائيل في صراعاتها السابقة القصيرة الأجل، بدأت تتفكك، وأخذ البعض يهدد علناً بالقفز من سفينة اليمين الإسرائيلي، وكلما طال زمن الحرب، رغم ما تتركه من خراب وإبادة بشرية، ضاق الخناق السياسي على المتطرفين، وربما مال الجمهور الإسرائيلي إلى التسوية، إلا أن كل ذلك يحتاج إلى خطة فلسطينية سياسية تقرأ الواقع، وتتخلى عن الأوهام.

آخر الكلام: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي إسرائيل سوف تخرج من الحرب أي إسرائيل سوف تخرج من الحرب



GMT 03:05 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دكتور حواس وماذا عن البلايا العشر؟

GMT 03:03 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

محاضرة فرنسية هامة.. وصريحة

GMT 03:02 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وسحبت «أسترازينيكا» اللقاح؟!

GMT 03:01 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

مستوى خطابنا على صفحات التواصل!!

GMT 02:59 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

كان الله في عونك

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

اليوم ينصحك الفلك ألا تعلن أخبارك ولا تتكلم عن حياتك

GMT 16:11 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

فيسبوك تسلك طريق أكثر تشدد بشأن شفافية الإعلانات

GMT 13:54 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

نصائح مهمة لاختيار أفضل عباءة شتوية للتمتع بالأناقة والدفء

GMT 08:27 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفال بمرور 18 عامًا على إقامة متحف النوبة في أسوان

GMT 02:18 2016 الخميس ,02 حزيران / يونيو

الاعلان عن قائمة منتخب بلجيكا في "يورو 2016"

GMT 15:03 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل تاجري مخدرات جراء مشاجرة بينهما في الشرقية

GMT 14:43 2021 الإثنين ,06 أيلول / سبتمبر

أبراج تدعمك وتقف بجانبك في المواقف الصعبة

GMT 15:49 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ضربة موجعة لـ منتخب بلجيكا قبل انطلاق يورو 2020

GMT 08:07 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

مصر تسجل 40 وفاة و641 إصابة جديدة بكورونا

GMT 17:37 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

افتتاح مشروعا ضخمًا "للأسماك" في مدينة بورسعيد

GMT 15:08 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

مصطفى فتحي يشارك في تدريبات سموحة استعدادا لبيراميدز
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon