توقيت القاهرة المحلي 18:59:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحاجة الماسة للخيال الأدبى

  مصر اليوم -

الحاجة الماسة للخيال الأدبى

بقلم - بهاء جاهين

 الكتابات الفانتازية واقعية؛ من حيث أنها تعكس الحاجة الماسة للخيال, الجامح, لمواجهة ثقل الحقائق اليومية ورسوخها على القلب, وأسرها للعقل فى عقال التكرار والسأم, والبياض الإسمنتى الكالح للجدران. وإن كانت الفانتازيا, أو الكتابة المغرقة فى الخيال, هى عكس الواقعية كأسلوب, فإن اللجوء إليها تعبير عن احتياج إنسانى موجود منذ القدم: فى الحكايات والأساطير وحواديت الجدات وقصص الحيوان وغير ذلك من أعمال أدبية أو فلكلورية هدفها فهم الواقع أو تفسيره, أو التكيف معه عن طريق التخفف من ثقله والهروب المؤقت من وطأته. دارت فى ذهنى هذه الأفكار وغيرها, وأنا أقرأ آخر نموذج وقع فى يدى من أعمال الفانتازيا, أو قصص الخيال الجامح الموغل فى الإغراب والعجائبية, بينما تشعر طوال الوقت وأنت تقرؤه بما يجثم فى لبه من نواة ثقيلة للواقع اليومىّ, الذى تضرب أجنحة الخيال المحلق بقوة للإفلات من أسره. هذا النموذج الذى قرأته أخيراً, باستمتاع وببعض الوجع, هو رواية «الوصفة رقم 7» للأديب والكاتب الصحفى الشاب أحمد مجدى همّام, الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية.قبل أن أنتقل إلى تفاصيل العمل, أود أن ألفت القارئ الكريم إلى أن وظيفة الفانتازيا, مهما بلغت من شطط وشطح, هى فى جوهرها وظيفة الفن كله مهما انغمست نماذجه فى دقائق الواقع وبدت مستغرقة فيه. فالفن كله تحليق فى الجمال. وكثير من الأعمال الواقعية حين تغوص بك فى المعروف المألوف فإنها تحررك من ربقته بالنقد والتهكم والتندر والدعابة, أو بكشف ما يكنزه فى باطنه من جمال لا تنتبه إليه إلا عين الأديب الفنان. وفى نفس الوقت, فإن أدب الخيال الجامح وحكاياته اللامعقولة تعكس, بمجرد اللجوء لها, الوطأة الثقيلة للواقع اليومىّ؛ وحين نتأمل عجائبها وغرائبها نجدها تنطوى فى باطنها على نفس الثنائيات الأبدية فى واقع الإنسان: من حب وكره, وقسوة ورقة, وإيثار وأنانية، وعنف وحنين للسلام والأمان.. بهذا المعنى, فإن الفانتازيا مهما شطت وشطحت, هى فى جوهرها واقعية؛ ورواية «رحلات جاليفر» لجوناثان سويفت, على سبيل المثال, لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر والمحتوى الإنسانىّ عن رواية «الحرب والسلام» لتولستوى. أما «الوصفة رقم 7» لأحمد مجدى همام فهى, كجاليفر, رحلة فانتازية, لكنها, ككل أدب إنسانىّ, سجل ساخر ومأساوى معاً للحرب والسلام فى الدنيا وفى قلب الإنسان. تبدأ الرواية بتقرير حالة عن بلد تمكن من التخلص من كل أنواع المخدرات ومن القضاء الكامل على تجارتها, وهى تقص حكاية أحد مدمنى هذا البلد, واسمه مليجى الصغير, درس الفن التشكيلى وتخرج من كليته بطلوع الروح, أما هوايته فهى إجراء التجارب العلمية فى مجال الكيمياء. وحين لا يجد ما اعتاد تعاطيه يَسخّر حياته كلها لاختراع عقار يمنحه الراحة مما يعانيه. وبالصدفة ينجح فى استزراع نبتة ذات وردات سبع يتداوى بمسحوق إحداها فيدخل فى عالم عجيب. ورغم هذا المدخل, فإن موضوع الرواية الحقيقى ليس المخدرات؛ وإنما هو نعمة الخيال وما يمنحه للإنسان من أجنحة يستطيع بها التحليق والإفلات من براثن الرتابة والهمود والملل, وما يفتحه من عوالم تثير الدهشة. وإن كانت نهاية الرحلة هى مبدؤها, والعودة إلى نقطة الصفر, وموقع البدء حيث البيت وأريكة النائم الحالم, فإن العبرة فى الرحلة نفسها, ونشوة الطيران فى العوالم التى يمنحها خيال الكاتب. نعم, تتكشف «أرض اللابوريا» التى يسافر فيها مليجى الصغير بخياله عن نفس حقائق الأرض التى نعيش فيها وطالما أراد هو الغياب عنها, إلا أن النشوة التى يمنحها الفن والخيال الأدبى المتفنن فى إبداع تفاصيل لا تشبه المألوف وعوالم لم يرتدها أحد من قبل هى الغاية والوسيلة معاً؛الرحلة والجدوى من الرحلة. من هنا تأتى الحاجة الماسة للخيال الأدبى, خاصة أدب الفانتازيا.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاجة الماسة للخيال الأدبى الحاجة الماسة للخيال الأدبى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 12:03 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:35 2021 الأربعاء ,28 تموز / يوليو

محمد جمعة ينشر البوستر الرسمي لمسلسل "الحرامي 2"

GMT 02:11 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

مجدي عبد الغني يؤكد على عدم إلغاء " الدوري"

GMT 20:28 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن حوار بين سكيلوتو وتيفيز بنهائي "ليبرتادوريس"

GMT 20:05 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

علي ربيع يتعاقد على بطولة مسلسل لرمضان 2019

GMT 02:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

المدير الرياضي ليوفنتوس يطالب بالابتعاد عن ديبالا

GMT 22:48 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بنات سنيريا" يُتوجن بلقب بطولة الريشة للفردي والزوجي

GMT 02:48 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.8 درجة يقع قبالة الساحل الشرقي لليابان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon