توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحاجة الماسة للخيال الأدبى

  مصر اليوم -

الحاجة الماسة للخيال الأدبى

بقلم - بهاء جاهين

 الكتابات الفانتازية واقعية؛ من حيث أنها تعكس الحاجة الماسة للخيال, الجامح, لمواجهة ثقل الحقائق اليومية ورسوخها على القلب, وأسرها للعقل فى عقال التكرار والسأم, والبياض الإسمنتى الكالح للجدران. وإن كانت الفانتازيا, أو الكتابة المغرقة فى الخيال, هى عكس الواقعية كأسلوب, فإن اللجوء إليها تعبير عن احتياج إنسانى موجود منذ القدم: فى الحكايات والأساطير وحواديت الجدات وقصص الحيوان وغير ذلك من أعمال أدبية أو فلكلورية هدفها فهم الواقع أو تفسيره, أو التكيف معه عن طريق التخفف من ثقله والهروب المؤقت من وطأته. دارت فى ذهنى هذه الأفكار وغيرها, وأنا أقرأ آخر نموذج وقع فى يدى من أعمال الفانتازيا, أو قصص الخيال الجامح الموغل فى الإغراب والعجائبية, بينما تشعر طوال الوقت وأنت تقرؤه بما يجثم فى لبه من نواة ثقيلة للواقع اليومىّ, الذى تضرب أجنحة الخيال المحلق بقوة للإفلات من أسره. هذا النموذج الذى قرأته أخيراً, باستمتاع وببعض الوجع, هو رواية «الوصفة رقم 7» للأديب والكاتب الصحفى الشاب أحمد مجدى همّام, الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية.قبل أن أنتقل إلى تفاصيل العمل, أود أن ألفت القارئ الكريم إلى أن وظيفة الفانتازيا, مهما بلغت من شطط وشطح, هى فى جوهرها وظيفة الفن كله مهما انغمست نماذجه فى دقائق الواقع وبدت مستغرقة فيه. فالفن كله تحليق فى الجمال. وكثير من الأعمال الواقعية حين تغوص بك فى المعروف المألوف فإنها تحررك من ربقته بالنقد والتهكم والتندر والدعابة, أو بكشف ما يكنزه فى باطنه من جمال لا تنتبه إليه إلا عين الأديب الفنان. وفى نفس الوقت, فإن أدب الخيال الجامح وحكاياته اللامعقولة تعكس, بمجرد اللجوء لها, الوطأة الثقيلة للواقع اليومىّ؛ وحين نتأمل عجائبها وغرائبها نجدها تنطوى فى باطنها على نفس الثنائيات الأبدية فى واقع الإنسان: من حب وكره, وقسوة ورقة, وإيثار وأنانية، وعنف وحنين للسلام والأمان.. بهذا المعنى, فإن الفانتازيا مهما شطت وشطحت, هى فى جوهرها واقعية؛ ورواية «رحلات جاليفر» لجوناثان سويفت, على سبيل المثال, لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر والمحتوى الإنسانىّ عن رواية «الحرب والسلام» لتولستوى. أما «الوصفة رقم 7» لأحمد مجدى همام فهى, كجاليفر, رحلة فانتازية, لكنها, ككل أدب إنسانىّ, سجل ساخر ومأساوى معاً للحرب والسلام فى الدنيا وفى قلب الإنسان. تبدأ الرواية بتقرير حالة عن بلد تمكن من التخلص من كل أنواع المخدرات ومن القضاء الكامل على تجارتها, وهى تقص حكاية أحد مدمنى هذا البلد, واسمه مليجى الصغير, درس الفن التشكيلى وتخرج من كليته بطلوع الروح, أما هوايته فهى إجراء التجارب العلمية فى مجال الكيمياء. وحين لا يجد ما اعتاد تعاطيه يَسخّر حياته كلها لاختراع عقار يمنحه الراحة مما يعانيه. وبالصدفة ينجح فى استزراع نبتة ذات وردات سبع يتداوى بمسحوق إحداها فيدخل فى عالم عجيب. ورغم هذا المدخل, فإن موضوع الرواية الحقيقى ليس المخدرات؛ وإنما هو نعمة الخيال وما يمنحه للإنسان من أجنحة يستطيع بها التحليق والإفلات من براثن الرتابة والهمود والملل, وما يفتحه من عوالم تثير الدهشة. وإن كانت نهاية الرحلة هى مبدؤها, والعودة إلى نقطة الصفر, وموقع البدء حيث البيت وأريكة النائم الحالم, فإن العبرة فى الرحلة نفسها, ونشوة الطيران فى العوالم التى يمنحها خيال الكاتب. نعم, تتكشف «أرض اللابوريا» التى يسافر فيها مليجى الصغير بخياله عن نفس حقائق الأرض التى نعيش فيها وطالما أراد هو الغياب عنها, إلا أن النشوة التى يمنحها الفن والخيال الأدبى المتفنن فى إبداع تفاصيل لا تشبه المألوف وعوالم لم يرتدها أحد من قبل هى الغاية والوسيلة معاً؛الرحلة والجدوى من الرحلة. من هنا تأتى الحاجة الماسة للخيال الأدبى, خاصة أدب الفانتازيا.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحاجة الماسة للخيال الأدبى الحاجة الماسة للخيال الأدبى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt