توقيت القاهرة المحلي 01:42:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتخابات لبنان أولاً وآخراً!

  مصر اليوم -

انتخابات لبنان أولاً وآخراً

بقلم: رضوان السيد

في كل انتخابات العالم – حتى في فنزويلا والفلبين وسيريلانكا وجنوب أفريقيا وكينيا – يمكن لاستطلاعات الرأي أن تأتي بتوقعات دقيقة إلى حدٍ بعيد، لكن الأمر غير ممكنٍ في لبنان، وهذه ليست المرة الأولى التي حصل فيها غير المتوقع للجميع. كان زعيم الحزب المسلح قد «تواضع» عندما قال قبل الانتخابات، إنه لن يحصل على أكثرية الثلثين هو وحلفاؤه، لكن الأكثرية المريحة مضمونة. وقد تبين أنه لا شيء من ذلك قد حصل. وتوقع الجميع أن يخسر التيار الوطني الحر كثيراً، لكن خسارته ظلت دون التوقعات بكثير حتى في المناطق المسيحية المفروض أنها شديدة السخط عليه. وتوقع الجميع أن يزيد عدد نواب القوات اللبنانية كثيراً، لكن ذلك لم يحصل إلا في الحدود الدنيا. وقلنا وقال غيرنا إن المسمين بالقوى المدنية أو الثورية سيحققون اختراقات كبرى في مناطق الكثرة المسيحية، لكنهم لم يفعلوا إلا في المناطق السنية والدرزية وبشخصياتٍ وأفرادٍ لا يعنون شيئاً (!). وتوقع الجميع (وصدق توقعهم لهذه الناحية!) أن يلعب المال الانتخابي (وبسبب سوء الأوضاع المعيشية) دوراً كبيراً، وقد حصل ذلك على وجه الخصوص في المناطق السنية الكثرة بالذات: البقاع الأوسط فعكار فالبقاع الغربي فطرابلس فبيروت، هكذا بالترتيب من حيث الفظاعة! ومن الفظاعة بمكان أن الذين كانوا ينفقون بالمناطق السنية لنصرة مرشحي التيار الوطني الحر هم «حزب الله»، وأن الذين نجحوا على غير المتوقع والمتوقع نصفهم من الثوار المدفوعين، ونصفهم الآخر من الأثرياء الدافعين وأنصارهم (!). واجتهد أنصار سعد الحريري في «استنتاج» حصول انتصار لصالحه بحجة انخفاض نسبة التصويت في المناطق السنية الكثرة (يعني هناك مقاطعة!) والواقع أن نسبة المشاركة ما كانت كبيرة بالمناطق المسيحية أيضاً، وإنما أُضيفت إلى الناخبين الذين لا يصوتون عادة (من الشبان والكهول) مجموعات هي التي أعطت «الثوريين»، والناجحون منهم وأعرف بعضهم وهم – كما سبق القول - لم ولن يعنوا شيئا. فالصوت «الاحتجاجي» كما يُسمى إنما كان هذه المرة (وإنْ بشكلٍ محدود) ضد الأحزاب أو الجهات الطائفية التقليدية.

بقيت الأحزاب والتيارات التقليدية - كما سبق القول - على نفس القوة في سائر المناطق تقريباً. وظلت المناطق الشيعية الكثرة مقفلة للثنائي الشيعي. وقد حصل ذلك بالقوة أحياناً، بمعنى أنه استحالة تشكيل لوائح معارضة، ولذلك تراجعت نسبة التصويت ما بين 10 و15 في المائة في تلك المناطق، وهذا هو النزوع «الاحتجاجي» كما استطاع أن يتجلى في المناطق الشيعية الكثرة. وبدت المناطق السنية شديدة الهشاشة وقابلة للاستهواء والتصويت لغير الجديين سواء من الدافعين أو المدفوعين. وعاد الإسلامويون فيها للظهور: المسمون أحباشاً وهم من حلفاء حزب السلاح، والمسمون «جماعة»، وقد أقاموا تحالفات مع كل أحد ولم يقصروا في الإنفاق! وهذه الظواهر وعودتها للبروز قيل إنها بسبب الافتقار إلى الزعامة أو القيادة الواحدة أو الكبيرة. والواقع أنه ما برزت قيمة القيادة الكبيرة إلا في انتخابات العام 2009، وتراجعت في انتخابات العام 2018 بسبب القانون وتحالف الحريري مع جبران باسيل، وسوء اختيار المرشحين والمرشحات. فلا بد للسنة من العمل على تكوين قيادات محلية في مناطقهم، كما كان عليه الأمر قبل رفيق الحريري. أما الشخصيات الدرزية الموالية للسوريين سابقاً ولحزب السلاح حالياً (وبينهم من السنة فيصل كرامي، ومن المسيحيين أسعد حردان وإيلي الفرزلي) فبسبب أن الحزبيين الشيعة في مناطقهم والعلويين في طرابلس، ما استطاعوا دعمهم هذه المرة لعوامل تنتظر الإجلاء، وما أفاد منها الاستقلاليون والسياديون، بل المهمشون في طوائفهم. وقد أبدوا شديد التحيز ضد مَنْ يسمون ثوريين وتغييريين، وربما كان السبب معرفتي بالكثير منهم، وأرجو على كل حال أن أكون مخطئاً، فالتغيير ضروري، واستقلاليو التقليديين، حتى، لا يبدون قادرين على الفعل أكثر مما فعلوا حتى الآن!
ماذا سيحصل اليوم أو غداً في لبنان وعلى لبنان؟
ما كان وضع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر في الانتخابات ممتازاً ولا جيداً. لكنهم يستطيعون أن «يجمعوا» لبري ما يسمح بإعادة انتخابه رئيساً لمجلس النواب، وذلك بالاعتماد على استقطاب «المستقلين» الذين نجح معظمهم بفلوسهم، ويضاف لذلك أن معظم التقليديين كانوا حلفاء لبري وسسيناصرونه، لأنه أرحم بهم من حزب السلاح! والأمل أن يستطيع التقليديون من كل الطوائف إقامة تحالفات فيما بينهم في الأمور الأساسية. ويكون الأمر جيداً لو اجتمع التغييريون في تحالف أو تحالفين. ويكون أجود لو حصل تعاوُنٌ بين تحالفاتهم وبين الاستقلاليين من التقليديين. وهذه الآمال لا تنتظر ولا بد أن تظهر إمكانياتها في التجديد لنبيه بري.
إن المشكلة الأكبر ستبدو الآن في تشكيل الحكومة. فالوضع سائب معيشياً واقتصادياً والانهيار يتفاقم. والأمل الضعيف بصندوق النقد وباستعادة العلاقات العربية يحتاج إلى رئيس حكومة معتبر. والأفضل بين الموجودين مع غياب أكثرية سنية موحدة هو رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، لأنه معروف بالداخل والخارج، وأن شخصيته ليست حادة، ويستطيع أن يعمل تسويات مع كل الأطراف. لكن من السنة الجدد الكثير من الطامحين. وقد أراحه الله من فيصل كرامي، لكن ذلك ليس كافياً. إنما الصعب في الحسبة حتى من الثنائي الشيعي هو التيار الوطني الحر الذي لا يريد رئيسه أن يبقى ميقاتي، إلا إذا كان رأيه هذا على سبيل المساومة والتفاوض. فالذي يأتي رئيساً للحكومة سيحضر انتخابات رئاسة الجمهورية بعد ثلاثة أشهرٍ أو أربعة، وإن لم تحصل في موعدها فسيحل مؤقتاً مجلس الوزراء مجتمعاً محل الرئيس الغائب بحسب الدستور. فالأمر شديد الصعوبة، وحتى سعد الحريري سيكون له رأي وكذلك الرئيس فؤاد السنيورة الذي يفضل ميقاتي. ويبدو لي أن كلمة المملكة العربية السعودية تعود حاسمة في هذا الصدد، من حيث قدرتها على جمع كلمة معظم النواب والشخصيات السنة من وراء شخصية معينة، وعلاقاتها بـ«القوات» و«التقدمي الاشتراكي»، والمستقلين من المسيحيين.
وفيما وراء هذا المشهد الصعب في لبنان، هناك المشهد الأصعب في المنطقة والعالم. فلننظر إلى المراوحة القاتلة في المشهد العراقي حيث انخذلت القوى الموالية لإيران. لكنه انخذالٌ ما استطاع تغيير المشهد كلياً، وظل لدى الإيرانيين ما يسمى بالثلث المعطل. إنما العراقيون يستطيعون الاستمرار في العيش (أي عيش!) بسبب الموارد النفطية، وهو الأمر الذي لا يستطيعه اللبنانيون، إضافة إلى أن الكاظمي أقوى من ميقاتي بما لا يقاس، لأنه يمتلك الإمرة على الجيش والقوى الأمنية، بينما لا يملك ميقاتي شيئاً من ذلك!
وما وراء المشهد أيضاً الوضع الدولي. فقد أحدثت الحرب الروسية - الأوكرانية انقساماً فظيعاً، وكانت لها نتائج هائلة على الاقتصاد العالمي، وتبلورت تحالفات جديدة. وبالطبع لن يركض الدوليون والعرب لمساعدة لبنان ما دام حزب السلاح مسيطراً، والجنرال عون قابعاً في القصر:
لقد هزلت حتى بدا من هُزالها
كُلاها وحتى سامها كل مفلسِ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتخابات لبنان أولاً وآخراً انتخابات لبنان أولاً وآخراً



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon