توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

  مصر اليوم -

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد

رضوان السيد
بقلم - رضوان السيد

يسود العالمَ العربي في مشرقه ومغربه مشهدان متناقضان؛ المشهد الأول يحفل بالنزاعات على الهوية والانتماء وعلى الممارسة السياسية، ويُستخدمُ فيه السلاح بكثافة، والأزمات التي تزعزع نمط العيش والاستقرار. والمشهد الثاني لدولٍ وأنظمة مستقرة، تبرز فيها ثقافة «الدولة الوطنية»، ويكثر فيها الحديث والنقاش عن محاسن العيش المشترك، والمواطنة الحاضنة للتنوع، والمنطلقة في مسار التنمية المستدامة. لقد استولى على تفكيري تناقُضُ هذين المشهدين، لأنني قادمٌ من لبنان، الذي يحفل هو ويحفل جواره في سوريا والعراق، بمظاهر وظواهر المشهد الأول. وجئت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا تزال تحتفل بعيد ظهورها الخمسين، ورغم أنها تشكلت من سبع إمارات وفي نظامٍ «اتحادي» وليس اندماجياً؛ فإنّ هناك ثقافة وطنية جامعة، ونمطاً متقدماً للعيش، وولاءً قوياً وعميقاً للوطن والنظام وحكم القانون. وقد حضرتُ إلى أبوظبي وحاضرت في مؤتمرٍ لمنتدى تعزيز السلم (وهو الثامن) عن المواطنة الشاملة، والحاضنة للتنوع، والعيش المشترك الذي بلغ منزلة «الوجدان المتشارك». وعندما كنت في أبوظبي أشهد نجاحات الدولة الوطنية، و«إكسبو - 2020» كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يزور سلطنة عُمان ودولة الإمارات، والحديث على كل شفة ولسان وليس على لسان المسؤولين وحسْب عن تثبيت الاستقرار الإقليمي والسلم وإنجازات التنمية، وتعميق التعاون والتضامن والتكامل.
إنّ المُحزن والمؤسِّي أنّ تعابير العيش المشترك ودولة المواطنة، إنما ظهرت أول ما ظهرت أو استُعملت في اللغتين الثقافية والسياسية في كلٍّ من لبنان والعراق. وما كانت تلك التعابير على أي حالٍ سائدة وحدها لأنه كان هناك فرقاء يفضّلون الدولة القومية على الدولة الوطنية، والعيش الواحد على العيش المشترك. وعدم الرضا من جانب القوميين الوحدويين الاندماجيين عن «الدولة القُطرية» كما سموها بوصفها من نتائج الاستعمار، ما كان يقتصر على لبنان والعراق، بل يشمل سوريا واليمن وليبيا أيضاً - وليست مصادفة أن تكون بلدان الرغبويات الاندماجية هذه هي اليوم بل ومنذ سنوات، هي ذاتها بلدان الاضطراب والتنازع إلى ما لا نهاية. وعلى ألسنة هؤلاء الاندماجيين جميعاً؛ فإنّ «أقطار» مجلس التعاون الخليجي كانت النموذج غير المرغوب والذي يأباه كلٌّ منهم، بوصفه لا يستجيب للطموح القومي! والذي جرى - والتاريخ المباشر لا يمكن إنكاره - أنّ هذه الأقطار غير المرغوبة يجتمع فيها نصف نُخَب بلدان الاضطراب «التقدمية» طلباً للعلم والحياة الأفضل؛ في حين هاجر الثلث الآخر إلى الأميركتين وما هو أبعد للغايات ذاتها. أما البقية الباقية من المتعلمين وغير المتعلمين فلا تفكر إلاّ في الهجرة إلى أي مكان!
كان المفكر المصري الراحل جلال أمين وهو يفكر في متغيرات حياة المصريين أيام الرئيس حسني مبارك يكتب بعناوين تُشعر ببعض الأسى من مثل: ماذا حدث للمصريين؟ وما حدث للمصريين والحمد لله لا يُقارَنُ ولو من بعيد بما حدث للبنانيين والسوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين! ثم إنّ انتظام الأحوال في المشهد الآخر أو الثاني لا يشمل وحسْب دول الخليج الغنية، بل يشمل مصر والمغرب ودولاً أُخرى لا تملك ثرواتٍ طبيعية. وهذا إلى جانب أنّ الغِنى لا يعني بالضرورة الاستقرار والتقدم، ولو كان الأمر كذلك لكان كلٌّ من العراق وليبيا طليعة بين بلدان العالم!
إنّ المسألة إذن هي في الإدارة السياسية. ونحن نشكو في كل تلك البلدان من التدخلات الخارجية. بيد أنه باستثناء العراق فإنّ أياً من تلك البلدان لم تتعرضْ للغزو، وإنما هناك فريقٌ سياسي من البلد الذي استقدم التدخل الأجنبي، لكي يعاونه ضد خصمه السياسي أو ضد حاكمه المتغلب. وخلال سنواتٍ قليلة صارت تلك البلدان حافلة بالاضطراب إما على أيدي المتدخلين وإما على أيدي ميليشياتهم. وحتى العراق المغزوّ من الأميركان، استخلف عليه هؤلاء خلال الاحتلال وبعده عراقيين كانوا معارضين لصدّام حسين، فبلغ من سوء حكمهم حنين الناس إلى عهد صدام!
ما الذي يحدث الآن؟ في الوقت الذي يتقدم فيه العرب المستقرون والناجحون، تزداد الأوضاع سوءاً في البلدان الخمسة التي ذكرناها. وبالطبع لا يزال الحاكمون فيها – وهم قلة متضائلة - متشبثين بالسلطة وبقوى التدخل التي تناصرهم. إنما الجديد أنّ السواد الأعظم ممن لم يهاجروا يريدون الخلاص بعد أن زالت كل أوهامهم، وهي لم تكن كبيرة لدى الكثيرين منهم. لكنّ هؤلاء «المواطنين» مستضعَفون، والجهات المسيطرة قوية، والنظام الدولي هو من السيولة بحيث لا مطمع في نُصرة أو مؤازرة، بل ولا تطبيق حتى للقرارات الدولية. وهذا ظاهرٌ بقوة في كلٍّ من لبنان وسوريا واليمن. وهناك بعض اهتمام بتطبيق القرارات الدولية في ليبيا، والغالب عدم النجاح أو النفاذ!
لا يبقى لنا في الحقيقة إلاّ عرب النموذج المستقر والمتقدم والمتبصّر والعارف جيداً بالعالم وأحواله. ففي البيان المشترك عن المحادثات السعودية - العُمانية، هناك اهتمامٌ بالمجريات في العراق بعد الانتخابات، وبالسودان بعد عودة الأمور إلى طبيعتها بعض الشيء. ولو تأملنا محادثات الرئيس الفرنسي في السعودية، لوجدنا إدراكاً سعودياً قوياً لاحتياجات لبنان، وضرورات إصلاح الأمور فيه حرصاً على الاستقلال والاستقرار واستعادة نمط الحياة الطبيعي. وهذه الدول القوية والمستقرة ذاتها، والتي تستطيع التحدث إلى دول التدخل، وإلى العالم الدولي، يمكنها إذا عرضت ظروف ملائمة أن تستعيد أشقاءها بالتدريج من الوهدات التي تردوا فيها.
إنّ واحات الاستقرار والازدهار العربي، تملك مصلحة أيضاً في أن يكون جوارها العربي متمتعاً بالاستقرار والحياة الطبيعية. هناك مناقشات استكشافية بين عرب الاستقرار والانتظام وكل من إيران وتركيا. ولا شك أن عرب الحكمة والبصيرة هؤلاء يمتلكون وسيمتلكون إمكانياتٍ ووسائل للضغط مفيدة في التحرير من التدخلات، والإسهام في إعادة صنع الاستقرار ونشر الإعمار في دول الاضطراب الشقية بمسلَّحيها وسياسييها! 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon