توقيت القاهرة المحلي 23:53:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المفاوضات بين النار والوسطاء والورق

  مصر اليوم -

المفاوضات بين النار والوسطاء والورق

بقلم: نبيل عمرو

في التراث التفاوضي المتراكم بين إسرائيل والفلسطينيين، تكرّست قاعدة مفادها أن سلاح الفلسطينيين في المفاوضات هو الحق والورق الذي يثبته، وسلاح إسرائيل فيها هو قوة النار.

لهذا نجد في أدبيات الفلسطينيين مصطلحاً دائم الاستخدام وهو... أن ما تفعله إسرائيل مخالف تماماً لما تم الاتفاق عليه، كما ينسحب هذا المصطلح كذلك على أميركا المتهمة أزلياً بالكيل بمكيالين؛ أولهما تأمين مصلحة إسرائيل بالكامل، وثانيهما تجاهل ما يوفره الورق المتفق عليه من بعض حقوقٍ للفلسطينيين.

والحَكَم دائماً في هذه المعادلة هو القوة بكل مكوناتها العسكرية والاقتصادية والتحالفية.

إسرائيل في كل الاتفاقات والتفاهمات التي تمّ التوصل إليها، كانت تمارس التزامها بها بمقياس ما تُلحق من مكاسب لإسرائيل، وما يوفره الاستغناء عنها من أذىً يلحق بالفلسطينيين.

وفيما نحن فيه الآن حيث وقّعت إسرائيل مع «حماس» على أوراق صفقة أميركية الصنع، تقوم على ثلاث مراحل؛ الأولى فيها مزايا لكلا الطرفين، والثانية فيها مزايا أكثر للفلسطينيين، وعند الاقتراب من نهاية الأولى يجري تمديدها، بما هو خارجٌ تماماً عن النصوص الموقعة، ولكن بما يؤمن لإسرائيل المزايا المنشودة، وليصبح مصير الثانية والثالثة محسوماً قبل بدء الحديث عنهما، وذلك وفق ذات المعادلة المستندة إلى القوة العسكرية الإسرائيلية التي إن لم تمارس فعلاً فالتهديد بها يكفي.

منذ بداية المرحلة الأولى وإسرائيل تفكر وتخطط وتعمل على تجويف الثانية وحرمان الفلسطينيين من مزاياها، مستفيدةً من أن التبادل سيخفض من حدة ضغط ذوي المحتجزين الإسرائيليين، وتحييد التعاطف معهم بفعل استعادة عدد كبير منهم، ومستفيدةً كذلك من عامل الوقت الذي يتيح لها فرصاً ثمينةً لإلغاء المرحلة الثانية رسمياً وفعلياً.

لنعترف فلسطينيين وعرباً أن ما يجري الآن على صعيد القوى وانعدام الحد الأدنى من التوازن جاء من واشنطن، كان الموقف الأميركي في عهد إدارة بايدن يتسم بثنائية متلازمة؛ هي منح إسرائيل كل ما تحتاج وأكثر من وسائل الحرب، ومنح الفلسطينيين بالمقابل قطرات محدودة للغاية من دعمٍ مالي ودعائي لا يُسمن ولا يغني من جوع.

وهذه الثنائية التي كانت تتم تحت ساتر الوساطة، أُلغيت تماماً لمصلحة اندماج مطلق بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، وإلغاء كامل لأبسط ما كانت تتضمنه أوراق الاتفاقات والتفاهمات من مصالح محدودة للفلسطينيين.

إدارة ترمب نقلت المعادلة إلى اتجاه آخر، إذ لم تعُد أميركا وسيطاً ولو ظاهرياً، بل طرف مباشر من خلال منح إسرائيل تفويضاً مفتوحاً، لأن تفعل بالفلسطينيين ما تشاء، بما في ذلك فتح أبواب الجحيم الأميركي عليهم.

إذن تحوّلت الأمور بصورة محسومة لتتجسد في صراعٍ بين قوة النار التي تمتلكها إسرائيل، وهي أميركية المنشأ والتشغيل، والقوة السياسية الواهنة للورق المكتوبة عليه سطور الاتفاق والتفاهمات، ووفق تراث التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي، فقد حدث ذلك مع أوراق أوسلو وتفاهماتها، وها هو يحدث بذات المنطق والسلوك وقوة الضغط فيما يحدث بشأن غزة، بحيث تتحول مراحل الصفقة المتفق عليها إلى مرحلة واحدة بالفعل، هي الأولى التي يجري تمديدها إلى حين استعادة كل المحتجزين الإسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، وبعدها سنرى كل ما ليس له صلة بما هو مكتوب على الورق.

لعبة النار والوسطاء والورق، هذه المرة وصلت إلى خلاصات تقترب من النهايات، ذلك أن تمديد الأولى وتأجيل التفاوض على ما يتبقى من الثانية والثالثة يوفر لنتنياهو الوقت الثمين الذي يحتاجه لترتيب أوراقه في لعبة الحكم الإسرائيلية، فما دامت الحرب مستمرة، ولو بالتوازي مع الهدن المؤقتة والتبادل، فسوف يظل نتنياهو الحاكم بأمره في إسرائيل حتى آخر يوم في ولايته، مع تجدد فرصه في بلوغ ولايةٍ أخرى.

أوراق الاتفاقات والتفاهمات منذ بداية القضية الفلسطينية حتى أيامنا هذه، كانت تحترق في كل جولات صراعها المحق مع النار الإسرائيلية، لتتكرس معادلة تقول: «ما الذي يمكن أن يفعله الحبر والورق والتواقيع والوسطاء والشهود مع النار غير الاحتراق والتحول إلى رماد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفاوضات بين النار والوسطاء والورق المفاوضات بين النار والوسطاء والورق



GMT 08:31 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ميلاد مجيد محاصر بالتطرف

GMT 08:29 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكومة العالم

GMT 08:28 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

GMT 08:27 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 08:26 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فتنة الأهرامات المصرية!

GMT 08:25 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 08:24 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

GMT 08:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

زميلنا الرئيس السادات

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 12:17 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

غوارديولا يؤكّد أن محمد صلاح ينتظره مستقبل كبير

GMT 02:17 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

التعبير عن الاحتياجات بذكاء تواصلي مع شريكك دون انتقاد

GMT 03:54 2018 الإثنين ,25 حزيران / يونيو

إرادة ألا تكون على الهامش

GMT 13:41 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

مقتل المرء بين فكّيه

GMT 18:50 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

سرقة نجمة لبنانية مشهورة من قبل مساعدها وتلجأ إلى القضاء

GMT 08:40 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

دليل عملي لغسل الستائر في المنزل بسهولة وفعالية

GMT 17:32 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يحدد خريطة توزيع 52 ألف تذكرة لمواجهة العين الإماراتي

GMT 17:40 2022 الخميس ,03 آذار/ مارس

الطلاق التعسفي

GMT 09:24 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

تأجيل موعد مباراة إنبي والإسماعيلي ساعتين

GMT 13:17 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خبير مصري يكشف عن مقترح إثيوبي بشان سد النهضة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt