توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرئيسُ والبيسكليت..والعجبُ العجاب

  مصر اليوم -

الرئيسُ والبيسكليتوالعجبُ العجاب

بقلم : فاطمة ناعوت

 فى زيورخ السويسرية، كنتُ أقفُ مع مجموعة من شعراء العالم، أمام باب المسرح الكبير، الذى سنقرأ قصائدنا على خشبته بعد قليل، ضمن فعاليات مهرجان «المتنبى» الشعرى العالمى الشهير. وفيما نتحدث ونراجع قصائدنا، شاهدتُ رجلا يتقدّم نحو بوابة المسرح راكبًا دراجة هوائية، ترافقه حسناءُ تقود دراجتها، وقد اعتمر كلٌّ منهما خوذة فوق رأسه، كما ينصُّ قانونُ قيادة الدراجات. صفّا الدراجتين، وخلعا الخوذتين، ثم دخلا المسرح، بهدوء. أدهشنى المشهد، فهمستُ للرفاق من الشعراء: انظروا إلى الشعب السويسرى المثقف! عاملٌ بسيط، ربما بالكاد يجد قوتَ يومه، اصطحب زوجته للمسرح ليستمعا إلى الشعر، والتذكرة مائة فرانك! الفنونُ والآداب فى دول العالم الأول ضرورةُ حياة، وليست رفاهية. يا بختهم!

بعد برهة، خرجت من المسرح صديقتى البروفيسورة «أورسولا باخمان»، الفنانة التشكيلية ورئيس المهرجان، وقالت لى: تعالى، أريد أن أُعرّفكِ على شخصية مهمة. دخلنا المسرح، وتقدّمتنى إلى الصفّ الأول، حيث يجلس العاملُ البسيط وزوجته. نهض الرجلُ وصافحنى. أشارت إليّ باخمان وقالت: مسز ناعوت، الشاعرة المصرية. ستقرأ قصائدها فى أمسية الليلة، ثم أشارت إليه ونظرت لى: مستر ألمار ليدر جيربر، عُمدة زيوريخ، والسيدة قرينته، حضرا خصيصًا ليستمعا إليكم. حملقتُ غير مصدقة! كان رئيس دولة مَن ظننتُه عاملا بسيطًا، لأنه جاء على بيسكليت، وليس فى سيارة فارهة مُصفّحة تسبقها كونستابلات التشريفة صاخبة الصوت، كما هو مُدوّن فى أدبياتنا العربية.

والحقُّ أن قيادة الدراجات متعةٌ كبرى لا يعرفها إلا مَن جرّبها. صديقة البيئة النظيفة، وضرورة مُلحّة فى البلدان التى يخنقها الزحامُ والتلوّثُ ونقصُ الطاقة، مثل مصر الطيبة. والحقُّ أيضًا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حاول أكثر من مرة أن يرسل برسائل للشعب المصرى لحثّه على توسّل الدراجات لتوفير الوقود وتقليل عوادم الاحتراق التى تضعُ مصرَ على رأس الدول الأعلى فى التلوث البيئى. قاد الرئيسُ دراجته أمام الناس مرات، وتخيّلتُ وقتها أن الرسالة وصلت، وأن الدراجة ستغدو ثقافة مصرية، بعدما شجّع رأسُ الدولة المواطنين على ذلك. ولكن للأسف حوّلنا الأمر إلى طُرفة ثم نسينا الطرفة، وماتت الفكرة التى لم تكد تولد.

لماذا تذكّرتُ واقعة زيورخ والدراجة بعد حدوثها بعشر سنوات؟ لأننى كنتُ فى الإسكندرية لإلقاء محاضرة فى نادى إنرويل الخيرى. وقررتُ وصديقتى هدوء الحوفى، أن نركب الحنطور ونتجول على الكورنيش. ومازحتُ بندق الحصان ومحمد صاحب الحنطور، وكانت جولة عظيمة. لكن رسالة من أحد قرائى وصلتنى تقول: مررتُ جوارك، وشاهدتك على الكورنيش. لكننى لم أصدق أنك الكاتبة فاطمة ناعوت! فليس من المعقول أن تركبى الحنطور هكذا ببساطة وسط الناس! خسارة فاتنى أن أتصور معك!

وقررتُ أن أردّ على القارئ بهذا المقال؛ لأخبره بأننى أركضُ فى الشارع، وأجلس على الرصيف، وأقود دراجتى، وأطيّر طيارات ورق. وحين أصادفُ الحنطور لا أكتفى بالركوب، بل أقود زمامه، وأداعبُ الحصانَ وأطعمه وأكلّمه، وأتعرف على اسمه، ولا أتركه إلا ونحن صديقان. ولى أصدقاء كثيرون من سُيّاس الحناطير فى القاهرة والأقصر والإسكندرية، أحفظ أسماءهم، وأسماء أحصنتهم. ولى مع كل منهم ذكريات جميلة وصورٌ كثيرة تخلّد تلك اللحظات الطيبة.

أحلم باليوم الذى أرى فيه حاراتٍ ورديةَ اللون على جانب كل طريق فى مصر مخصصةً للدراجات الهوائية. فلا سبيل لمواجهة الزحام وأزمات المرور، وتوفير الطاقة وتقليل التلوث والتخفيف من اكتظاظ الحافلات بالبشر، إلا بأن تصبح ثقافة ركوب الدراجة راسخة فى مصر، كما هى فى الصين وهولندا وكندا وغيرها من دول العالم الذكى الذى نجح فى حلّ مشاكله الكبرى بحلول بديهية، نراها نحن، للأسف، مسارًا للسخرية والتندّر والعَجب العُجاب. بينما العَجَبُ كلُّ العجبِ، هو التعجّبُ مما لا عجبَ فيه، ويفعله سكانُ الكوكب يوميًّا ببداهة وبلا عجب!

نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيسُ والبيسكليتوالعجبُ العجاب الرئيسُ والبيسكليتوالعجبُ العجاب



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon