توقيت القاهرة المحلي 12:01:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة

  مصر اليوم -

الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة

بقلم : فاطمة ناعوت

الإنسانيةُ وقبولُ الآخر= النهوض والتنمية والحضارة. معادلةٌ منطقيةٌ بسيطة من الدرجة الأولى ولاشكّ فى صحتها الأبدية الأزلية: نظريًّا وعلميًّا وواقعيًّا وتاريخيًّا. فالدولُ التى تعانى من الأمراض الطائفية والوعكات العنصرية، تنفقُ دخلَها القومى وتحرقُ جهودَ أبنائها فى إصلاح التداعيات الناجمة عن تلك الصدوع المجتمعية الخطيرة والصراعات الدموية بين بنيها. بينما تنفقُ الدول الناجية من تلك الأدران ميزانيتَها وجهود مواطنيها فى التنمية والتطوير والنهوض والحضارة. أغمضْ عينيك أيها القارئ واستدعِ من خيالك أىّ بلد فى أىّ حقبة زمنية. ثم انظرْ إلى موقعها على سُلّم التنمية والاقتصاد والحضارة، ثم اطرحْ هذا السؤال البسيط: هل تعانى تلك الدولة من أى محن عنصرية أو طائفية؟ هل يعانى المواطنُ فيها من التمييز على أساس العرق أو العقيدة؟ ستجد الإجابة دائمًا عكسية. الدولُ المتطورة حضاريًّا واقتصاديًّا، لا يعترفُ مواطنوها بالتمييز العقدى أو العرقى أو الطبقى، بل يحيا الجميعُ تحت مظلة شاسعة من الأخوة الإنسانية التى تنهضُ بالمجتمعات. والعكسُ دائمًا صحيح.

يوم ٤ فبراير الماضى، الذى يحتفلُ فيه العالمُ سنويًّا «باليوم العالمى للأخوة الإنسانية»، الذى اعتمدته الأممُ المتحدة عقب توقيع البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على وثيقة «الأخوة الإنسانية» فى مثل ذاك اليوم عام ٢٠١٩، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إننا نحتاجُ، أكثر من أى وقت مضى، إلى قيمة الأخوة الإنسانية، وإن هذه المناسبة تذكّرنا بحتمية الحوار المجتمعى لفهم وتقبُّل الآخر، وتعزيز التعاون بين المواطنين لنبذ التعصب والتصدى لخطاب الكراهية، ونشر قيم التسامح والعدل والمساواة من أجل تحقيق السلام والاستقرار.

ومصرُ أولى دول العالم بقيم الأخوة الإنسانية والتسامح العقدى. فهى الأرضُ الوحيدة على هذا الكوكب التى فتحت قلبَها وذراعيها للأديان الثلاثة فى فجر مولدها. فعلى أرضها كلّمَ اللهُ النبىَّ موسى عليه السلام فى أرض سيناء، وكانت أرضُها الطيبة هى الملاذَ الآمن الذى استقبل السيدةَ العذراء وطفلَها السيد المسيح عليهما السلام حين هربا من الملك السفاح هيرودس، قاتل الأطفال فى أرض فلسطين، ثم فتحت مصرُ بابَها للإسلام منذ فجره الأول، لتجمعَ الرسالاتِ الثلاثَ فى قلبها. لهذا فمن الطبيعى أن تغدو مصرُ محطَّ أنظار العالم فى شيوع قيم التحابّ والتآخى والسلام بين أبنائها، ومن غير المنطقى أن تنبتَ بين ربوع مصر أزماتٌ طائفية أو خطابات كراهية أو سقطاتُ تنمّر وإقصائية. نحن أبناء الحضارة التى ابتكرت «قانون الإنسان» فى فجر التاريخ البشرى قبل صكّ مصطلح «الإنسانية» بأزمان وأزمان. نحن أبناء السلف المصرى الصالح الذى علّم البشريةَ كيف يكونُ الإنسانُ إنسانًا فابتكر قانون «ماعت» الذى سبق العالم تحضرًا وسموًّا ونبلًا، فما كان القوى يتجبّر أو يقسو، بل يمنحُ الضعيفَ من قوّته. فى اعترافاته الإيجابية والسلبية لحظة وفاته كان الجدُّ المصرى يقول: «كنتُ عينًا للكفيف. كنتُ ساقًا للكسيح. كنتُ يدًا للمشلول. كنتُ أبًا لليتيم. لم أتسبّب فى دموع إنسان. لم أتسبب فى شقاء حيوان. لم أعذِّب نباتًا بأن نسيتَ أن أسقيَه. لم أُسبّب البؤسَ لأحد.

لم أقتل ولم أحرّض على القتل. لم أتسبّب فى الإرهاب. لم أتكلّم بازدراء لأحد. لم أغضب دون سبب وجيه. ولم أسمح لغضبى بأن يتسبب فى الإيذاء». ذاك هو جدُّنا المصرى العظيم، الذى علينا أن نجهد ونرتقى ونطوّر من أرواحنا وثقافتنا وسموّنا وإنسانيتنا حتى نستحقَّ أن نكون حفدةً له.

فى كتاب «التطور الخلّاق»، يقول الفيلسوفُ الفرنسى «هنرى برجسون»: (الإنسانُ العادى ميال بطبيعته إلى موافقة الجماعة التى ينتمى إليها. أما العبقرىُ فيشعرُ أنه ينتمى إلى البشرية جمعاء. ولذا فهو يخترق حدودَ الجماعة التى نشأ فيها ويثور على العرف الذى يدعم كيانها وينبذُ الأغرابَ عنها. الإنسان الممتازُ يخاطبُ الإنسانية كلَّها بلغة الحب).

إن كنّا ننشدُ النهوض بمصرَ حقًّا، على المستوى الأخلاقى والاقتصادى والتنموى والحضارى؛ فعلينا أن نُعيدُ إلى ألسننا ومعاجمنا الكلمة الطيبة التى قتلناها فى أفواهنا، وأن نُعيدَ إلى قلوبنا قيمَ التراحم والأخوة والمحبة. دعونا نُصمت ألسنَ التباغض والبذاءة والتلاعن والتكفير والتنمّر والطائفية والمذهبية التى أثبت الواقعُ والتاريخُ أنها تدمّر المجتمعات وتقوّض الحضارات وتعطّل جميع محاولات النهوض والتنمية. دعونا نؤمن بالفعل لا بالقول بآية كريمة من القرآن الكريم تقول: «ألمْ ترَ كيف ضرب َاللهُ مثلاً كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة، أصلُها ثابتٌ وفرعُها فى السماء، تؤتى أُكُلَها كلَّ حين بإذن ربّها، ويضربُ اللهُ الأمثالَ للناس لعلّهم يتذكرون». «الدينُ لله، والوطنُ لمن ينشرُ قيمَ الأخوة الإنسانية بين أبناء الوطن».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 17:19 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا
  مصر اليوم - لافروف يتهم أوروبا بعرقلة جهود السلام في أوكرانيا

GMT 11:25 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها
  مصر اليوم - شمس البارودي تهاجم الشللية في الوسط الفني بسبب نجلها

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 02 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 04:43 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تدعم حظر الهواتف المحمولة في المدارس الابتدائية

GMT 02:17 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

فيسبوك تقضي على Zoom بعد إطلاق App Lock

GMT 19:18 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حريق محدود بـ كابل كهرباء في الطالبية بمحافظة الجيزة

GMT 17:32 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

22 لاعبًا في قائمة الزمالك لمواجهة الإسماعيلي في الدوري

GMT 14:01 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 10:28 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

إنفانتينو يقرب السعودية من تنظيم كأس العالم 2034

GMT 20:45 2022 السبت ,04 حزيران / يونيو

انطلاق كأس العالم للرماية الأحد المقبل

GMT 23:18 2021 الأربعاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

أبرز 5 سيارات كورية طرحت في السوق المصري لعام 2021

GMT 09:05 2021 الأربعاء ,10 آذار/ مارس

طريقة عمل الروستو

GMT 10:12 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

والدة طفلة التعرية ترفع قضية إثبات نسب جديدة

GMT 06:22 2020 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

السيسى يصدق على تعديل بعض أحكام قانون السجل التجارى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt