توقيت القاهرة المحلي 15:56:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تمّ البدر بدري... من «دفتر المحبة» (٧)

  مصر اليوم -

تمّ البدر بدري من «دفتر المحبة» ٧

بقلم - فاطمة ناعوت

سرُّ التمرة

ها هو رمضانُ يُجمّعُ طيّباتِه ويوشكُ أن يحملَ مِخلاتَه ليمضى، مُلوِّحًا لنا بالسلام حتى يهلَّ هلالُه العام القادم. وخلال الشهر الكريم نشرتُ أوراقًا من «دفتر المحبة»، وهى الحكايا التى يرسلها لى الشرفاءُ من دفاتر ذكرياتهم حول المحبة التى تربطُ بين أبناء شعب مصر الطيب، ما يُفسّرُ للتاريخ لماذا لم تنجح قوى الشرّ فى غرس بذور الفتن فى أرضنا الطيبة، وظلّ شعبُنا واحدًا عصيًّا على التقسيم والشتات. ونفدت أيامُ الشهر ولا تنفدُ أوارقُ «كتاب المحبة» غزيرِ الورق. وأختتمُ مقالاتِ رمضان بورقة «التمرة» التى نكسرُ بها صيامَنا.

ما سرُّ التمرة؟. التمرةُ هى ابنةُ النخلة. والنخلةُ إن بُذِرَت بذرتُها اليومَ، تُحصَدُ ثمارُها البلحاتُ بعد سنواتٍ طوال. لهذا قد يزرعها زارعٌ، ويموتُ عنها قبل أن يرى ثمرَها. هو يدركُ ذلك، ومع هذا يتعبُ فى زرعها ليَتذوّقَ ثمرَها سواه. وفى المأثور القديم قرأنا عن فلاح جاوز الثمانين، رآه المارةُ يغرسُ فى الطمى فسيلةَ نخلة، فتعجّبوا وسألوه: «هل ترجو أن تشهدَ ثمرةَ بذرتك أيها الشيخ؟!»، فابتسم قائلًا: «زرعوا فأكلنا، ونزرعُ ليأكلَ غيرُنا». لهذا فالتمرةُ هى «الرِهانُ على الآخر». هى إنكارُ الذات ومحبة الآخر، وقتل الأثَرَة انتصارًا للإيثار. نتعبُ ولا نجنى من تعبنا إلا بهجةَ الآخرين. بهذا المعنى نفهمُ الحديثَ الشريف: «اتقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرة، فمَن لم يجد، فبكلمةٍ طيبة»، فالتمرةُ إذن ليست فقط المعادلَ الموضوعى للكلمة الطيبة، بل هى فى ذاتِها «كلمةٌ طيبة» يقولها المرءُ للناس بقلبه وفعله دون قول. لهذا يقدّمُ عربُ الخليج التمورَ فى محافلهم؛ إشارةً للحفاوة العملية بالضيف، دون ثرثرةٍ ولا فائض قول. وبهذا المعنى نفسه نشهد عبقرية المصريين الخالدة فى أن يقف شبابٌ على نواصى الطرقات فى شهر رمضان وقت غروب الشمس ليمنحوا السابلة، ممن فاجأهم أذانُ المغرب خارج بيوتهم، بضع تمراتٍ وكأسَ ماء ليكسروا صيامَهم، فكأنما يقولون لهم، دون كلام: «نحبّكم».

ومع الساعات الأخيرة من شهر رمضان المعظم، أعتزُّ بخصوصية مصرَ وعبقريتها، التى تكمن فى أن الكثير من أولئك الشباب الواقفين بأكياس التمر وكؤوس الماء ليُفطِروا ظِماء المسلمين هم من شباب مصر المسيحىّ. تلك واحدةٌ من إشراقات مصرَ الجميلة، التى لن تجدها إلا فى أرض طِيبة الخالدة، التى أخفق الغزاةُ فى فصم وحدة شعبها على مدار الزمان والغزوات الفكرية. تلك نعمةُ النِعم التى يجب أن نحافظ عليها ونحميها من حقد الحاقدين وكيد الكائدين. لأن صخرةَ أماننا هى وحدتُنا.

فقط فى مصرَ يحملُ الشبابُ أكياسًا بلاستيكية صغيرة مكتوبًا عليها: «صومًا مقبولًا وإفطارًا شهيًّا.. مع تحيات كنيسة كذا». فى تلك الكلمات القليلة تختبئ قصائدُ الوجود. تلك هى أعلى مراتب الإنسانية والسمو فوق الفروقات، وصولًا إلى مرتبة «الإنسان»، وهو الهدف الأولُ للأديان. أن نسموَ ونعلوَ حتى نحصل على لقب: «إنسان»، وليس مجرد كائن حىّ يعيش ويتناسل ويموت. أدعو الله فى ختام هذا الشهر الكريم ألا تختفى هذه الظاهرة المصرية الطيبة أبدًا من أرضنا الطيبة، وأن تظل شجرة المحبة الوارفة تظلل وطننا العظيم.

سوف يظل المسيحيون فى مصر يعلقون فوانيسَ رمضان فى الشوارع احتفالًا بالشهر المعظم، ويخبزون كعك عيد الفطر المبارك من أجلنا، ويقدم شبابُهم التمرَ والماء لصائمينا على نواصى الطرقات؛ لأن: «كأس ماء بارد لا يضيعُ أجرُه». وسوف نظل نجدل معهم عيدانَ السعف فى «آحاد السعف» ونزين معهم شجرات الكريسماس فى نهايات الأعوام وغُررها، ونطهو القلقاس الأخضر فى غطاسهم ونفرح معهم فى أعيادهم. لأن فلسفة الأعياد هى جمع الناس على التوادّ والرحمة.

وهذا «عيد الفطر» المبارك، يتلوه «عيد القيامة» المجيد. كل عام ومصرُ هى مصرُ الطيبة التى لا تعرف إلا الحبَّ والسلام والمودة والقلوب الحلوة النظيفة، كل عام ومصرُ الحضارة لم تدخل معجمَها، ولن تدخلَه بإذن الله مفرداتُ الطائفية والإقصاء. وإنّا فى رباطٍ إلى يوم الدين. آمين.

■ ■ ■

من نُثار خواطرى:

إن فتحتِ الطفلةُ

خزانةَ ملابسِها

فوجدتْ أرجوحةً

تطيرُ نحو السماءِ

حتى تمَسَّ القمرَ

ثم تعودَ،

ومن حقيبة المدرسة

تُطِلُّ

أشجارُ وردٍ

ونخيلُ تمرٍ

وعقودُ ياسمينَ

حينَئذٍ

تعرفُ الطفلةُ

أن الله

يُنصِتُ إلى أحلامِها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمّ البدر بدري من «دفتر المحبة» ٧ تمّ البدر بدري من «دفتر المحبة» ٧



GMT 02:53 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ما حققته احتجاجات الجامعات الأمريكية

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

عودة الاحتلال الكامل

GMT 02:50 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

رفح آخر أوراق «حماس»

GMT 02:47 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

... عن «الاستعمار» بوصفه «خطيئة أصليّة»

GMT 02:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

الهدنة الحائرة

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:19 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

عادل إمام يعود إلى السينما
  مصر اليوم - عادل إمام يعود إلى السينما

GMT 17:22 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يرفض دفع مستحقات فتح الله المتأخرة

GMT 06:38 2016 الجمعة ,26 شباط / فبراير

انجي المقدم تكشف أحداث دورها في مسلسل "سقوط حر"

GMT 09:27 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

تونس تسترد قطعا أثرية نقدية من النرويج

GMT 01:00 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

441 مليون دولار صادرات بترولية مصرية مطلع 2021

GMT 04:02 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

GMT 22:11 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل الرواني باحترافية

GMT 19:43 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

يوفنتوس الإيطالي يقترب من أولى صفقاته الشتوية

GMT 08:56 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

أوزيل يقترب من الانضمام لـ دي سي يونايتد الأمريكي

GMT 15:47 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حقيقة ظهور حالات إنفلونزا الطيور في محافظات مصر

GMT 06:57 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تشير الأوضاع الفلكية الى انشغالات عديدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon