توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية

  مصر اليوم -

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية

بقلم - جيهان فوزى

تسهم إسرائيل، ومنذ وقت طويل، بسياسات التضييق والحصار على الفلسطينيين، فى العمل على إفشال السلطة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً، وتعمل بشكل ممنهج كى تصل إلى مرحلة الانهيار؛ حتى لا يكون أمامها أى فرصة للوصول إلى حل الدولتين، الذى بدأ يطفو مرة أخرى على سطح المداولات السياسية فى المجتمع الدولى، والمطالبات الملحة بتحقيقه؛ لأنه بات الأمل الوحيد لإنهاء الصراع القائم بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد أن توارى كثيراً فى الفترة الماضية وحُذف من أجندة الاهتمام الدولى والأمريكى، لكنه عاد مؤخراً من جديد ليبرز فى تصريحات المسئولين والقادة، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة، وما تلاها من أزمات وجودية تتعلق بكيفية حل القضية الفلسطينية ذات أطول صراع شهده التاريخ بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى.

لقد نشر الجهاز المركزى الفلسطينى للإحصاء، مؤخراً، تقريراً يشير إلى انكماشات حادة وخطيرة فى كل المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالتبدلات الطارئة على الاقتصاد الفلسطينى من 2022 و2023 والنصف الأول من عام 2024، ولعل أهم ما ورد فى التقرير الصادر يوم 12 يونيو من هذا الشهر، هو تضاعف نسبة البطالة فى الضفة الغربية لتصل إلى 25%، وانكماش اقتصادى يصل إلى 37%، وتراجع فى القدرة الشرائية يتعدى 56%، وتراجع فى حركة الاستيراد والتصدير بنسبة تتجاوز 30%، وتضخم فى عجز الموازنة وصل إلى 52%، وقد انعكست هذه الأرقام بشكل شديد الوضوح على النشاط الاقتصادى العام والأداء الحكومى وقدرات القطاع الخاص، ما تسبب فى مشكلات جوهرية أدت إلى إغلاق ما يقارب ربع المنشآت الاقتصادية فى الضفة الغربية، وعزوف الموظفين عن الالتزام بالحضور إلى أماكن عملهم، وامتناع شريحة كبيرة من المواطنين عن تسديد ما عليهم من التزامات متعلقة بإيجارات المحال التجارية والشقق السكنية وأقساط المدارس والجامعات وغيرها.

لكن الخطير فى الأمر أن هذه المؤشرات آخذة فى التصاعد، ما دفع السلطة الفلسطينية إلى تنبيه المجتمع الدولى بأنها باتت أقرب من أى وقت مضى إلى التفكك والانهيار، فقد نقل موقع (أكسيوس) الأمريكى، عن مسئول أمريكى لم يسمه، قوله إن إدارة الرئيس جو بايدن تشعر «بقلق» من مغبة انهيار السلطة الفلسطينية إذا لم تُحوَّل إليها عائدات الضرائب قريباً. وأشار إلى أن الولايات المتحدة كانت غاضبة من الخطوة التى اتخذها وزير المالية الإسرائيلى المتطرف، بتسلئيل سموتريش، بتجميد أموال الفلسطينيين، حتى إن «بلينكن» طرح القضية فى اجتماعه مع «نتنياهو» فى 10 يونيو الجارى، وضغط عليه لحلها فى أقرب وقت ممكن، دون أن يحصل على أى وعود أو رد واضح من «نتنياهو»!.

قد يعتقد البعض أن الأمر متعلق برد فعل إسرائيلى انتقامى بعد ما حدث فى 7 من أكتوبر العام الماضى، لكن الحقيقة هى غير ذلك تماماً. لقد بدأت الإجراءات الاقتصادية الإسرائيلية الخانقة للسلطة الفلسطينية تزامناً مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التى يقودها «نتنياهو»؛ فبدءاً من أواخر عام 2022 بدأت السلطات الإسرائيلية باقتطاع جزء من الضرائب الفلسطينية المستحقة، يتجاوز 45 مليون دولار شهرياً، وهو الجزء الذى كانت تخصصه السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء فى الضفة وغزة، وقد انعكس هذا فوراً على شريحة الموظفين عندما بدأت السلطة باقتطاع هذه النسبة المصادرة من رواتبهم، ولم يعد بوسعها أن تصرف لهم أكثر من 80% منها، أما بعد السابع من أكتوبر، وتحديداً فى نهاية الشهر نفسه، فقد باشرت السلطات الإسرائيلية اقتطاع حصة غزة من موازنة السلطة الفلسطينية والتى تبلغ 46% من هذه الموازنة، ما اضطر السلطة الفلسطينية إلى توزيع حصة الضفة الغربية على الضفة وغزة معاً، ما أدى إلى إنقاص رواتب الموظفين بنحو 65%. وبدءاً من شهر مارس هذا العام اتخذ وزير المالية الإسرائيلى «سموتريتش» قراره الأهوج بالامتناع عن تحويل عائدات السلطة بالكامل، ولم يكن أمام السلطة، للحفاظ على الحد الأدنى من القدرة على أداء مهامها، سوى الاعتماد على ما تجنيه من ضرائب محلية لتصل رواتب الموظفين إلى أدنى مستوى، تعادل 40% من قيمتها الأصلية، ومع تراجع الأنشطة الاقتصادية بوجه عام، فإن حجم الضرائب المحلية قد بدأ فى التراجع الحاد، ما يعنى أن السلطة لن تتمكن على المدى القريب وخلال الشهور القادمة من دفع أى جزء من الرواتب، وهذا سيؤدى حتماً إلى تفكك السلطة وانهيارها.

تبرر سلطات الاحتلال الإسرائيلى إجراءاتها العقابية الاقتصادية والمالية أحياناً بأن السلطة الفلسطينية رفضت إدانة هجوم السابع من أكتوبر، وأحياناً أخرى بأنها رد على قرار بعض الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، وأحياناً ثالثة بأنها رد على تحرك السلطة الفلسطينية باتجاه محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية! وفى الحقيقة، فإن كل تلك التبريرات لا تخفى حقيقة أن حكومة نتنياهو المتشددة تضمر استراتيجية ثابتة، مآلها السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، والشروع عملياً فى ضم أجزاء واسعة منها إلى إسرائيل، بما تجهز نهائياً على فكرة حل الدولتين، وما يؤكد هذا الاتجاه الاستراتيجى لدى الحكومة الإسرائيلية هو التوسع الاستيطانى النامى كالسرطان فى الجسد الفلسطينى ويتوغل فى عموم الضفة الغربية، وعلى نحو خاص فى شمالها ووسطها لهدفين واضحين: أولهما الوصول إلى تغيير ديموغرافى فى الشمال، خاصة حول نابلس وجنين وطول كرم، بهدف التصدى للنشاط المقاوم المتصاعد فى هذه المناطق، وثانيهما العمل فعلياً على فصل شمال الضفة عن جنوبها، بتنفيذ مشروع E1 الذى يربط مستوطنات القدس بمستوطنات غور الأردن، وهذا يعنى أن الأمر يتعدى رد الفعل الانتقامى إلى استغلال حدث السابع من أكتوبر لتنفيذ استراتيجية معدة مسبقاً للسيطرة على الضفة والإجهاز على أى احتمال لقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

تستشعر الولايات المتحدة وأوروبا حجم الخطر الذى يمثله السلوك الإسرائيلى، وتدرك يقيناً أن هذا المشروع الذى تبنته واستثمرت فيه المليارات خلال الأعوام ما بين 1993-2024 قد بات فى مهب الريح، ومع اقتناعها بأن هذا سيشكل خطراً مميتاً على السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط، فإنها مع ذلك لم تجد الوسيلة المناسبة حتى الآن لثنى إسرائيل عن هذا السلوك وإقناعها بالتراجع عما تخطط له. لقد بلغ حجم الأموال المقتطعة من عائدات الضرائب الفلسطينية ما يزيد على المليار و105 ملايين دولار، وهو بالقياس إلى الموازنة المحدودة للسلطة مبلغ ضخم، وإذا ما استمرت إسرائيل بحجب عائدات الضرائب، فإن انهيار السلطة الفلسطينية سيصبح واقعاً فى وقت قريب للغاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية عائدات الضرائب المحتجَزة تهدد بانهيار السلطة الفلسطينية



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt