توقيت القاهرة المحلي 11:35:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الوطن».. إذا غاب

  مصر اليوم -

«الوطن» إذا غاب

بقلم:جيهان فوزى

ما بين الواقع المتأزم والحلم المستحيل، تحلق أرواح العابرين إلى أوطان لا تشبه أوطانهم التى ضاقت عليهم، ولم تعد تحتمل وجودهم، أو تحولت إلى ثكنات عسكرية يتناحر فيها أصحاب السلطة والمصالح والنفوذ، الهاربون من جحيم الحرب، والباحثون عن الاستقرار والأمان والاطمئنان، تجمعهم هموم واحدة، وهدف وحيد، كيف يستردون وطناً سُلب منهم وأصبح أثراً بعد عين.

مع أى غيمة عابرة نبحث عن واقع أفضل، وننقب عن طرق للخلاص، فكانت الصيحات التى تنفث ألماً، هى من ترسم ملامح الوطن، الحلم الذى قد يمنحنا الحب وينقذنا من هذا الموت الذى يسكننا ونحن أحياء، نسعى للحياة بكل ما أوتينا من قوة، إنه الوطن الملاذ والسكينة والأمن والأمان.

«ما هو الوطن؟ هو سؤال الجرح المفتوح، والإشكالية التى لا تنتهى، يدعونا للتساؤل عما آلت إليه أوطاننا، التى أصبح فيها الحلم جريمة، والأمن مستباحاً، والحرية سجناً كبيراً تفوح منه رائحة الفساد والفاسدين، فهل نسميه وطناً؟! وهو المحاصر أرضاً وبحراً وجواً، بلا كهرباء أو دواء أو ماء. نفتقد هنا كل أسباب الحياة الطبيعية، مطاردون حتى فى نومنا، ليلنا يضج بالكوابيس، يتساءل المواطنون اللاجئون فى أوطانهم.. فى لبنان، وفلسطين، وسوريا، واليمن، وغيرها من البلدان حيث فى لحظة وجدوا أنفسهم فى عراء الطرقات، ينهشهم الجوع، وظمأ الحنين إلى رشفة ماء من عرق الأرض، وأصبحوا فى عداد المفقودين، شعوباً عاجزة، شردتها الحروب واستقبلتها المنافى وجوازات اللجوء، تحلم بكسرة خبز تسد الرمق، تعبر عن فجيعتها فى الوطن باللطم والعويل وأحياناً الهروب إلى الخلف، ثم تدخل فى أعماق الحنين إلى أوطانها، وتترجم هذا الحنين بما يعتمل داخلها من مشاعر الأنين والوجد لهذا الفقد، فلم يعد ما تراه نصب أعينها وطناً، لكنه شىء ما ربما يشبه الوطن الذى تحلم به. فى الصباح يرتشفون قهوة القهر، ويمضغون بقايا ذكريات تركوها خلفهم وولوا هاربين.

كيف أصبحت لبنان عروس الشرق بهذا البؤس والفقر والعوز؟ كيف تحولت إلى كتلة من نار أحرقت الأخضر واليابس؟ جاع أهلها، وتمرغت كرامتهم فى طين الأثرياء الذين نهبوا خيراتها وداسوا على كبريائها، ومزقته الصراعات الحزبية والطائفية، لبنان التى كانت تضج بالحياة، لم تعد هناك، أهلها كسرهم الفقر والحاجة، وأذلهم حكامهم المتخمون بالفساد، أرواحهم معلقة بمستقبل مظلم وظروف اقتصادية بالغة السوء، وصلت إلى حد الإهانة، حين يضرب أساتذة الجامعات المقبلة على امتحانات نهاية العام، لأنهم لا يجدون فى جيوبهم ثمن البنزين الذى يوصلهم إلى مقر عملهم، فماذا هم فاعلون؟ حكومة عاجزة ودولة على شفا الإفلاس، وشعب طحنته الهموم وهو ما كان يميزه الفرح والحبور فى أشد الأزمات التى مرت عليه، الآن يعيش اللبنانيون أسوأ أيام حياتهم، يكفى أن تدخل أحد المطاعم الراقية، فيعتذر لك النادل أنه لا يوجد خبز! فكيف يمكن تصور ذلك؟ فى فلسطين الأمر مختلف مع تشابه التفاصيل، شعب شرد وحرم من العيش فى وطنه بفعل الاحتلال، يقضم أراضيه أمام عينيه والعالم لا يحرك ساكناً، يحاصره فى كانتونات صغيرة معزولة، يسرق ماءها وأرضها وهواءها وتاريخها ويحولها إلى مستوطنات، يفرض قوانينه العنصرية، ويحرمه من حقوقه فى العيش والحياة، ويمارس الأبارتهايد لتهجيره من وطنه المستلب من احتلال غاشم. أما اليمن السعيد، فقد غابت عنه السعادة، وأصبح اليمن التعيس، يعانى الشعب اليمنى ويلات الحرب والصراع المذهبى والسياسى، ومن تناحر الطامعين فى السلطة، دمر النزاع والاقتتال والتدخل الخارجى ما تبقى من ملامح خريطة بلادهم، وشرد سكانه إلى مجاهل الجبال القاحلة والأدغال الموحشة، ليواجهوا مصيرهم المجهول، فى سوريا أبيدت مدن بكاملها، وتحولت إلى مدن تسكنها الأشباح، أكثر من نصف سكانها أصبحوا لاجئين مهجرين فى دول شتى، يهيمون على وجوههم فى بلاد غريبة يخاطرون بحياتهم وهم يلقون بأنفسهم فى عرض البحر فإما أن تلتهمهم الأسماك، وإما أن تقذفهم الشواطئ منهم الأحياء ومنهم الأموات وإما أن يتعرضوا للاعتقال والترحيل، وفى كل الأحوال يجهلون مصيرهم، تاركين إياه للظروف.

لا يعرف قيمة الوطن إلا من فقدوه، وفى غمضة عين وانتباهتها، أصبحوا لاجئين، جل طموحهم ينحصر فى توفير مكان يؤويهم، ولقمة خبز تسد جوعهم، وعمل يساعدهم على الاستمرار فى الحياة، أما حنين العودة إلى أحضان الوطن، فقد أصبح حلماً مستحيلاً، بعيد المنال، الوطن هو الهوية والتاريخ والتراث والأمان وكرامة الإنسان، بدونه نصبح بلا قيمة، مجرد رقم فى قائمة المشردين فى الأرض، الباحثين عن وطن، لعلهم يجدونه قبل فوات الأوان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الوطن» إذا غاب «الوطن» إذا غاب



GMT 02:54 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

بلينكن يعظ!!

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

احتجاجات أمريكا ودلالاتها

GMT 02:50 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أن تُصلح الفساد بالأفكار

GMT 02:49 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هوامش في قمة البحرين: مجلس أم «مقنص»

GMT 02:46 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الانهيار المخيف

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 10:26 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

محمد رمضان يكشف عن أكبر مخاوفه في الحياة
  مصر اليوم - محمد رمضان يكشف عن أكبر مخاوفه في الحياة

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور

GMT 04:24 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

دعاء اليوم الرابع عشر من رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon