توقيت القاهرة المحلي 13:24:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صمود غزة وأزمة اليمين الإسرائيلى

  مصر اليوم -

صمود غزة وأزمة اليمين الإسرائيلى

بقلم : د. حسن أبوطالب

بينما تتسرب معلومات من البيت الأبيض تشى بأن الرئيس ترامب يراجع الملامح الأخيرة لخطته الخاصة بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى تمهيداً لإعلانها قريباً، تواجه حكومة الائتلاف الإسرائيلية بقيادة نتنياهو احتمالات الانهيار والدعوة إلى انتخابات مبكرة فى مارس المقبل بدلاً من موعدها المقرر سلفاً فى نوفمبر 2019، أى بعد عام من الآن، الأمران معاً يشكلان ما يمكن أن نصفه بالخطوط المتشابكة والمتعارضة بين واشنطن وتل أبيب، التى بدورها تشكل أحد أهم المتغيرات فى تحديد مستقبل فلسطين وإسرائيل وإقليم الشرق الأوسط ككل.

صحيح هناك عناصر ذاتية لكل من الموقفين الأمريكى والإسرائيلى، ومع ذلك فإن تغير أحدهما يؤثر فى الآخر تلقائياً، فإذا فرضت العناصر المحلية والتنافسات الحزبية الإسرائيلية، لا سيما بين أحزاب اليمين المسيطرة على المجتمع منذ عقدين تقريباً، خيار الانتخابات المبكرة فى حدود أسبوعين أو ثلاثة من الآن، فمن الصعب على واشنطن أن تطرح خطتها لما تتصور أنه سيجلب السلام فى المنطقة وينهى الصراع مع الفلسطينيين ويحقق الريادة والأمن والتطبيع لربيبتها إسرائيل فى ضربة واحدة، وفى حال كهذه فمن مصلحة الرئيس ترامب أن تستقر حكومة نتنياهو وأن يبتعد عنها شبح التفكك والدخول فى مرحلة تسيير الأعمال التى لا تتيح لها التعامل مع القضايا والقرارات الكبرى، مثل المفاوضات مع الفلسطينيين أو التعامل التفصيلى مع أى خطة للرئيس ترامب، واللافت للنظر أن البيت الأبيض لم يعلن موقفاً من التطورات الداخلية فى إسرائيل، وإن كان ذلك لا يمنع أن تكون هناك تدخلات خفية مع بعض قيادات الأحزاب اليمينية الإسرائيلية لكى تمتنع عن أى موقف يؤدى إلى انهيار الحكومة الراهنة.

أزمة الائتلاف الحكومى الإسرائيلى الراهنة تختلف عن أزمات سابقة تعرضت لها الحكومة ذاتها فى مارس وفبراير من العام الحالى، حيث كانت الخلافات بشأن قوانين التجنيد الإجبارى والميزانية العامة، وهى موضوعات داخلية بحتة، أما الأزمة الراهنة فهى مرتبطة إجمالاً بالسياسة الإسرائيلية للتعامل مع قطاع غزة فى ظل سيطرة حماس الفعلية على شئونه، وما يرتبط بها من أداء باهت للجيش الإسرائيلى فى مواجهة الصواريخ التى أطلقتها حماس على المستوطنات المحيطة بالقطاع رداً على قيام قوة إسرائيلية خاصة باختراق الهدنة المعلنة بين الطرفين لغرض زرع أجهزة استخباراتية وتنصت عالية التردد ومتقدمة تقنياً، التى كشفتها عناصر حماس الأمنية ومن ثم اشتبكت معها وقتلت أحد ضباطها الكبار، واستولت على مسدسه الخاص، ما أدى إلى إفشال العملية الإسرائيلية، ولكن الأمر لم ينته عند هذه النتيجة، فسرعان ما كشفت حماس عن قدراتها فى إطلاق رشقات صواريخ بأعداد كبيرة فى المرة الواحدة، ما تسبب فى أضرار كبيرة فى مناطق محيطة بالقطاع، كما تسببت أيضاً فى كشف القدرات المحدودة والتكلفة الباهظة لنظام القبة الحديدية الذى تعول عليه إسرائيل فى إسقاط الصواريخ المعادية المقبلة من غزة أو من غيرها، ولتغطية الأمر قامت الطائرات الإسرائيلية بعدة غارات لقصف أهداف فلسطينية أدت إلى سقوط شهداء وجرحى، ولكنها لم تفلح فى التغطية على حجم الخلل والفشل الذى أصاب الجيش الإسرائيلى.

من يتحمل هذا الفشل؟ سؤال طرح نفسه سريعاً، وكان من نتائجه السريعة أن أدرك وزير الدفاع الإسرائيلى المتطرف ليبرمان أن سهام الفشل ستتوجه إليه مباشرة، فبادر إلى تقديم استقالته مبرراً إياها بأنها تعبير عن عدم رضاه عن أسلوب رئيس الوزراء فى التعامل مع أزمة قطاع غزة، وأنه كان يفضل استمرار العملية العسكرية وتحميل حماس القدر الأكبر من الضرر، ولرفضه العودة مرة أخرى إلى الهدنة التى سبق أن توصل إليها الطرفان بجهد مصرى مشهود، وكذلك لرفضه الموافقة على تمرير الأموال القطرية إلى قطاع غزة، رغم أن هذا القرار كان قراراً حكومياً وليس قراراً فردياً، لكن ليبرمان المعروف عنه الكذب كما يتنفس، ناقض نفسه قائلاً إنه كان يتبع سياسة جديدة تجاه القطاع قوامها التوجه مباشرة إلى أهالى القطاع ومحاولة تحسين أوضاعهم الإنسانية من خلال فتح المعابر وتيسير إمدادات الكهرباء، بهدف خلق فجوة بين الأهالى وإدارة حماس ودفعهم إلى الانقلاب عليها.

هذا التصور البائس لهذا الوزير المتطرف والمستقيل يكشف ليس فقط عن ضحالة فى الرؤية وقصور فى فهم آليات الصراع مع الفلسطينيين وعدم استيعاب قدرة الفلسطينيين أياً كان انتماؤهم الأيديولوجى فى مواجهة الاحتلال وأساليبه البالية، وإنما أيضاً يجسد إشكالية اليمين الإسرائيلى الكبرى فى غياب الوعى بقدرة الشعوب على امتصاص موجات العدوان مهما كانت قاسية، وتوجيه الرد المناسب ضدها مهما كانت القدرات الذاتية شحيحة مقارنة بما هو لدى قوى العدوان والاحتلال، ولا يقتصر هذا العيب الخطير على ليبرمان وحزبه إسرائيل بيتنا، وإنما يمتد إلى باقى الأحزاب اليمينية مثل البيت اليهودى والمعسكر الصهيونى وشاس والليكود نفسه.

ومن اللافت للنظر هنا أن تبريرات نتنياهو لقبول العودة إلى الهدنة مع حماس بعد يومين من الغارات على القطاع تم ربطها باعتبارات أمنية لا يجوز الحديث عنها إعلامياً، لما لها من صلة مباشرة بالأمن القومى، وأيضاً لحساسية الوضع الأمنى العام فى المنطقة، وهى المبررات ذاتها التى ركز عليها نتنياهو لكى يتراجع شركاؤه فى الائتلاف عن المطالبة بانتخابات مبكرة، لا سيما نفتالى بينيت رئيس البيت اليهودى، الذى طالب سابقاً بأن يحل محل ليبرمان فى منصب وزير الدفاع لكى يقوم بتصحيح الأخطاء التى وقع فيها سابقه، أو أن ينسحب من الائتلاف. ولكنه تراجع لاحقاً مبدياً الاقتناع بمبررات رئيس الحكومة.

لا يتوقف حرص نتنياهو على استمرار الحكومة ائتلافية رغم انخفاض غطائها البرلمانى إلى 61 عضواً فقط، أى النصف زائد واحد، على ما يصفه بالحرص على أمن البلاد، بل أيضاً لاعتبارات شخصية تتعلق باحتمال توجيه تهم له بالفساد فى ثلاث قضايا متورط فيها، وقد ينتهى به الأمر إلى السجن كسابقه إيهود أولمرت، ونظراً لقرب انتهاء مدة عمل المفوض العام للشرطة مطلع ديسمبر المقبل، يأمل نتنياهو فى اختيار مفوض جديد من المقربين إليه وأن يعتمده الكنيست قبل أن يحدث أمر طارئ يطيح بحكومته الائتلافية ويُبكر بانتخابات صعبة، ومن ثم يتعذر تعيين من يرغب أن يكون سنداً له فى مواجهة مصيره المحتوم.

ما سبق يجسد بوضوح العلاقة الحتمية بين همجية اليمين وقصر نظره وتعرضه الدائم للأزمات وانكشافه أمام ذاته وأمام مؤيديه، وبين صمود شعب يؤمن بحقه فى الاستقلال والكرامة مهما كانت التضحيات.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صمود غزة وأزمة اليمين الإسرائيلى صمود غزة وأزمة اليمين الإسرائيلى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا
  مصر اليوم - مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات

GMT 17:36 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

الصين تعلن تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 12:34 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

شنط ماركات رجالية لم تعد حكرا على النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon