توقيت القاهرة المحلي 17:14:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البريء

  مصر اليوم -

البريء

بقلم - حازم الامين

مع قدر من التغاضي عن الفروق، تصلح قصة الفنان زياد عيتاني لأن تكون موازياً لبنانياً لقصة الضابط الفرنسي ألفريد دريفوس الذي اتهم في نهايات القرن التاسع عشر بإرسال ملفات سرية إلى ألمانيا، وإلى أن حكم القضاء ببراءته كان المجتمع الفرنسي عرضة لانقسام حاد حول قضيته، وتوج هذا الانقسام بالمقال الشهير للكاتب أميل زولا: «إني أتّهم».

وليس مرد الشبه بين القضيتين هو براءة كلا الرجلين، بل ما كشفته السجالات حولهما من دلالات، ففي فرنسا كانت اللاسامية تكشف مرة جديدة عن وجهها عبر المسارعة إلى اتهام الضابط اليهودي البريء بقضية عاد القضاء وبرأه منها، وفي لبنان لـ «مقاومة التطبيع» قوة قادرة على دفع عدم الراغبين في المقاومة إلى السجون، وما أكثر هؤلاء، لكن ما أضعفهم أيضاً، فهم سريعاً ما يهبون إلى الانضمام إلى جوقات «المقاومة»، وكل ما لديهم لقوله في وجهها: «نحن المقاومة الأصلية»، وفي أحسن الأحوال تلوح عبارة: «لقد قاتلنا إسرائيل قبل أن يقاتلها حزب الله». «حزب الله» خلف لدى خصومه خوفاً يشبه خوف الأقليات اليهودية في المجتمعات الأوروبية في بدايات القرن الفائت. تقية تكشف عن نفسها عبر تبني خطاب مضطهدها. زياد عيتاني عميل إسرائيلي! إذاً لا حصانة تحمي الرجل. التحقيقات التي سُربت فور القبض عليه مذهلة لجهة عدم واقعيتها، وهذا لم يحصن الرجل ولم يستدرج شكوكاً تُذكر بقضيته! فانضم معظمنا إلى جوقة مُديني تورطه، ورحنا نُفسر اتصالاته بنا بصفتها محاولات «مد خطوط تطبيعية معنا».

في أنفسنا ووجداناتنا ثمة ما هو أقدر من قناعتنا. قوة قد لا توازي في تعقيدها اللاسامية التي كانت وراء ميل الفرنسيين إلى تخوين ضابط يهودي، لكنها تشبهها في بعض أوجهها. «مقاومة التطبيع» والخوف من «شبهة التطبيع»، سقط معظمنا فيها، واخترنا زياد عيتاني كبش فدائها. واليوم تجرى محاولة لقصر التخلي عن زياد على عدد من أصدقائه، والحقيقة أن شرائح واسعة منا صمتت، على الأقل، على ظلم وقع تحت أعينها، وهي تدرك تنافس الأجهزة على صيد تتوّج فيه نجاحات كاذبة. وما نقله محامي زياد عنه لجهة أنه يتعرض لأنواع من «التعذيب المذلّ» لسحب اعترافات واهية جاء الذهول منه بعد إعلان البراءة وليس قبلها.

الظلم الذي أصاب عيتاني مذهل، لجهة وضوحه ولجهة عدد المشتركين في إيقاعه على كرامة الرجل وعلى حريته، وهو قد يوازي ما يمكن أن يقع على شعب بأكمله. بل إن المفارقة هنا هي أنه بدل أن يكون ثمة ظالم مستبد و «شعب مظلوم»، نحن في حالة عيتاني أمام مظلومٍ واحد وأمام شعبٍ ظالم. وهنا يكمن الشبه بين قضيتي دريفوس وعيتاني.

وإذا ما وُجد من يكتب «إني أتّهم» لبنانياً فإن الأبرياء في حالة عيتاني قليلون، ذاك أن السوشال ميديا تحولت في حينه إلى جدار تبرؤ من الرجل، وإلى سجالات حول حقه في أن يورد أسماء من أوردهم التحقيق المزور الذي سُرب للإعلام، وقليلون من تناولوا ركاكة التحقيق وكاريكاتوريته في ضوء «المهمة التي أوكلها الموساد له»، وهي دفع المثقفين للتطبيع مع إسرائيل!

قبل إعلان وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق براءة عيتاني بنحو شهر، كتب الصحافي اللبناني فداء عيتاني القصة الكاملة لبراءة الفنان، وحوت معظم العناصر التي تكشفت اليوم. وفي حينه استُقبلت القصة بحذر، ذاك أن التهمة أقوى من أن تضعفها حقيقة حصل عليها صحافي، وأثبتت الأيام صحتها. ناهيك عن أن الوزير نفسه لم يجد غير عروبة زياد و «لاتطبيعيته» عنواناً لبراءته.

لا أبرياء في قضية عيتاني سوى الرجل المُدان، ومثلما لم تتعظ أوروبا من قضية بريئها في بدايات القرن الفائت فكررت الجريمة على نحو أبشع في منتصفه، لن تكون قصة عيتاني سوى محطة نتجاوزها فور عودة بريئنا إلى بيته، وسنستأنف بعدها جرائم أفظع.

 

 

نقلا عن الحياة اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البريء البريء



GMT 02:56 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«حماس» 67

GMT 02:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 02:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 02:26 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

«الدارك ويب» ودارك غيب!

GMT 02:11 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الاستثمار البيئي في الفقراء

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:43 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 10:39 2022 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

الأهلي يسوّق بدر بانون في الخليج والرجاء يريده

GMT 11:36 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

النجم الألماني مسعود أوزيل يختار الأفضل بين ميسي ورونالدو

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 آب / أغسطس

دنيا سمير غانم تتألق رفقة زوجها

GMT 20:38 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

كوريا الجنوبية تسجل 63 إصابة جديدة بكورونا

GMT 13:16 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

طريقة سهلة لتحضير الهريسة الحلوة

GMT 11:35 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إنتاج الجيل الثالث من المحفظة الذكية المضادة للسرقة

GMT 21:19 2017 الأحد ,04 حزيران / يونيو

زهير مراد يعلن عن فساتين زفاف لربيع وصيف 2017

GMT 15:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

خان الخليلي وجهة سياحية مصرية لا تُعوض

GMT 15:15 2021 الأربعاء ,21 تموز / يوليو

حمادة هلال يتصدر تريند يوتيوب بكليب «أم أحمد»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon