توقيت القاهرة المحلي 13:37:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وضع كارثي في ليبيا

  مصر اليوم -

وضع كارثي في ليبيا

بقلم - د. جبريل العبيدي

قطاع الصحة في ليبيا أصبح يعاني من كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد البلاد بعدم القدرة على السيطرة على الأمراض والأوبئة، أو حتى مقاومتها في حال حدوثها، خصوصاً أن ليبيا بلد عبور لموجات من المهاجرين المحملين بالكثير من الأمراض والأوبئة، ويتجولون في بقاعها المترامية الأطراف، من دون رقيب أو حسيب، نظراً للصراع على السلطة في البلاد، والذي أدى إلى سقوط الدولة وإهمال كل شيء فيها.

الفشل في إدارة الأزمة الصحية يبقى العنوان الأبرز، رغم وجود موارد مالية ضخمة في البلاد، إلا أن النقص الشديد في المخزون الاستراتيجي للأدوية، منها الطارئة والحيوية مثل المحاليل الحيوية ومشتقات البلازما المختلفة والأنسولين، وأدوية ومشغلات الغسيل الكلوي والأورام، هو السائد، والذي أدى نقصانها إلى تهديد حياة الناس بشكل مباشر، وتسبب في انتكاسة خطيرة لبعضهم الآخر.

في ليبيا اليوم قد تلد الليبية الحرة مولودها في منتصف الطريق الطويلة إلى أقرب مستشفى أو وحدة صحية، لعدم وجود خدمة صحية بالقرب من مسكنها، رغم وجود المبنى الذي يحمل لافتة مركز أو مستشفى صحي من دون أن تتوفر به الخدمة، خصوصاً في المناطق والمدن البعيدة التي تفتقر إلى توفير الرعاية الصحية الأولية.
ونتيجة لهذا الوضع المزري، نرى الليبيين يذهبون للعلاج في الخارج، ويكلف هذا قطاع الصحة مبالغ طائلة، كان يمكن أن تصلح هذا القطاع وتجعله من أفضل القطاعات في البلاد. إلا أن التناطح والصراع بين الميليشيات خلق حالة من عدم استقرار، وأدى لهذا الإهمال الشنيع.
السياسة المتبعة، خصوصاً المالية من مصرف ليبيا المركزي الذي تسيطر عليه جماعة «الإخوان»، تجاه مخصصات الصحة وحجب مخصصات القطاع طالت حتى التطعيمات والأمصال، حيث في أكثر من مرة كان النقص، بل وحتى عدم توفرها هو السائد، بسبب عدم إدراك المسؤولين لأهمية الأمصال والتطعيمات في مكافحة الأمراض والأوبئة، وأنها خط وحاجز وسد وقائي ضد انتشار الأمراض والأوبئة.

اليوم بعد أن كانت ليبيا البلد الذي يعالج مواطنيه وغير مواطنيه بالمجان لكثرة المراكز الصحية في كل مكان، ودون مقابل، بدءاً من حبة «الأسبرين» إلى إجراء عمليات القلب المفتوح، اليوم تعجز بعض مستشفيات ليبيا عن إجراء عملية ولادة قيصرية أو حتى زائدة دودية.
رغم الجهد الذي تبذله العناصر الوطنية الليبية في قطاع الصحة، خصوصاً العام، إلا أن النقص والعجز في الموارد كان العائق في ظهور وبروز المجهود المبذول من تلك العناصر الوطنية، التي تحاول جاهدة تقديم خدمة صحية في ظروف صعبة.

إخطبوط تنظيم «الإخوان» المسيطر على المشهد في العاصمة طرابلس وراء العبث بصحة المواطن الليبي وحتى غير الليبي الموجود في البلاد، إذ أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون ممن يعملون في ليبيا، بدءاً من العبث بقواعد الصحة وضوابطها، وفتح البلاد أمام تجار الشنطة في مجال الأدوية هو الآخر إحدى أكبر مشكلات النظام الصحي، وتكالب مافيا الأدوية لنهب المستشفيات وما تبقى فيها من إمكانات.

من جانب آخر، فشل القطاع الخاص في تغطية العجز الموجود والمتزايد في القطاع العام، سواء في القدرة الإيوائية وتوفير الأسرة للمرضى، أو في توفير خدمة العناية الفائقة، خصوصاً بعد تعرض مستشفيات القطاع العام للإغلاق بسبب نقص الكوادر والإمكانات، أو بسبب الاشتباكات كما حدث في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية أو مدينة سبها كبرى مدن الجنوب الليبي؛ حيث وقوع المستشفى في تقاطع نيران بين ميليشيات متناحرة.
ما من شك أن الميليشيات والجماعات الإرهابية ساهمت في تردي الوضع الصحي في البلاد، فهذه الميليشيات هي من يسيطر على العاصمة، وهي التي تحرس مؤسساتها وتنهبها في نفس الوقت، وهي من يشعل نيران المناوشات والاشتباكات فيها. مما يؤدي إلى تعطيل الخدمات للمواطن، وقطع للكهرباء، وبالتالي تردي الخدمات الصحية.
ليبيا اليوم بسبب سيطرة «الإخوان» على الحكومات المتعاقبة والسياسة المالية التي انعكست على كل البلاد، وقطاع الصحة ليس استثناءً، تشهد كارثة إنسانية بجميع المعايير.

ليبيا التي كانت تدفع بالأدوية وترسلها مساعدات لكثير من البلدان، جعلتها اليوم سياسة «الإخوان» تتسول الأدوية من «الصليب الأحمر»، بعد أن كانت ليبيا أهم داعم لـ«الصليب والهلال الدولي» في زمانها، هي اليوم في حالة افتقار للكوادر الطبية في مستشفياتها في ظل تسويف حكومي وممارسة سياسات خاطئة؛ منها افتتاح مستشفى للولادة في مصراتة في مبنى مؤجر بمبلغ تسعين ألف دينار شهرياً، في حين لو تم بناء مبنى لتم توفير قيمة إيجار هائلة، لا معنى لها، ومثله حدث وتكرر في بنغازي والبيضاء.
إهمال الرعاية الصحية الأولية هو ما أرهق المستشفيات وأدى إلى افتقارها لأبسط المتطلبات، وجعلها تستنزف مخزونها الاستراتيجي بشكل خاطئ، بالإضافة إلى فساد الأدوية، وتخزينها بطرق خاطئة، وخاصة في ظل الانقطاع المستمر للكهرباء، وسرقة شبكة التحميلات الكهربائية العملاقة ومحطات التقوية الضخمة في البلاد، كل هذا تسبب في وضع كارثي وصل إلى حد تهديد حياة المواطنين.
قطاع الصحة الليبي الذي استطاع في الماضي القضاء على أمراض وأوبئة كثيرة، منها رمد العيون وشلل الأطفال والدرن والسل الرئوي، في أكبر حملات لم تترك مدينة أو قرية أو حتى نجعاً ليبياً لم تدخله فرق الصحة الليبية، هي اليوم لا تستطيع تقديم خدماتها بشكل متكامل لمواطنيها.

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وضع كارثي في ليبيا وضع كارثي في ليبيا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ مصر اليوم

GMT 01:07 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

هالة صدقي تكشف عن سبب غيابها خلال الفترة الماضية
  مصر اليوم - هالة صدقي تكشف عن سبب غيابها خلال الفترة الماضية
  مصر اليوم - بلينكن يبحث مع نظيره الإسرائيلي وغانتس مقترح بايدن

GMT 13:05 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع
  مصر اليوم - تحذيرات من ربط الحساب البنكي بتطبيقات الدفع

GMT 00:43 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

انتصار السيسي تطمئن على صحة الفنانة نادية لطفي

GMT 12:37 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

لاباديا يوضح تدريب هيرتا برلين كان تحديا كبيرا

GMT 08:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

وفاة رئيس الاتحاد الأوروبي لألعاب القوى

GMT 21:23 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طلب غير متوقع من أسرة قتيل فيلا نانسي عجرم

GMT 05:44 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تعود إلى نشاطها الفني بعد مرورها بفترة عصبية

GMT 22:45 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المخرج الأردنى رفقى عساف عن عمر ناهز 41 عاما

GMT 22:22 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رد ناري من خالد الغندور على رئيس الزمالك

GMT 01:55 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مجوهرات ونظارات عصرية على طريقة نجود الشمري

GMT 21:25 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

مي كساب تضع مولودها الثالث وتختار له هذا الاسم

GMT 14:54 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

أول تعليق من نيكي ميناج بعد اعتزالها الغناء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon