توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لوبن كابوس يُقلق أوروبا!

  مصر اليوم -

لوبن كابوس يُقلق أوروبا

بقلم : راجح الخوري

تغيّرت فرنسا جذرياً، يبدو واضحاً الآن أنه بعد مرور 64 عاماً على الجمهورية الخامسة، جاءت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم الأحد الماضي، لتؤكد أن فرنسا خلعت عنها أخيراً، ثوبها الحزبي التاريخي المعتاد، بين أن تكون بقيادة «الحزب الجمهوري»، الذي سبق له أن أوصل خمسة رؤساء للجمهورية إلى الإليزيه، أو بقيادة «الحزب الاشتراكي» الذي أوصل رئيسين للجمهورية إلى الإليزيه، لكن الأكثر أهمية وإثارة هو في النتائج أو البدائل التي أفرزتها الصناديق، والتي شكّلت هزة ارتدادية في المشهد السياسي الفرنسي والأوروبي.
عندما خرج إيمانويل ماكرون الذي شكّل حركة سياسية جديدة تنتمي إلى تيار الوسط باسم «حزب الجمهورية إلى الأمام» حملته إلى الرئاسة عام 2017، حصل يومها على 66% من الأصوات، لكنّ المفاجأة هذه المرة أنه حصل في الدورة الأولى على 27.85% من الأصوات فقط، لتأتي بعده مارين لوبن، التي تحاول التخفيف من سياستها اليمينية المتطرفة، وقد أعادت أخيراً تسمية حزبها باسم «حزب التجمع الوطني» بنسبة 23.25%، وذلك يعني فعلاً أن فرنسا خلعت ثوبها الحزبي التاريخي، بعدما حصلت مرشحة الحزب الجمهوري فاليري بيكيريس على 4.8% فقط، وحصلت آن هيدالغو مرشحة الحزب الاشتراكي، على 1.8%، وهي أدني نسبة حصل عليها الحزب في تاريخه!
صحيح أن الأمور قد تبدو رهناً بقرارات ناخبي «اليسار الراديكالي» الذي حصل مرشحه جان لوك ميلونشون على 21.95% من الأصوات، ولكنه تعمّد في كلمته بعد إعلان النتائج دعوة أنصاره مكرراً ذلك أربع مرات، إلى عدم إعطاء صوت واحد إلى لوبن، لكنه لم يدعُ إلى تأييد ماكرون، وهو ما يفتح الباب أمام المفاجآت في انتخابات الإعادة غداً (الأحد)!
في أي حال بدت هذه الأرقام في الدورة الأولى صادمة وحتى زلزالية بالنسبة إلى الأوساط السياسية في ألمانيا وأوروبا، ذلك أن أكثر من نصف الناخبين الفرنسيين صوّتوا لأقصى اليمين أو اليسار، وهو ما يكشف عمق الانقسام في المجتمع الفرنسي، ولا يبعث على القلق بسبب فشل ماكرون في ردم الهوة خلال ولايته الأولى وعدم الثقة المتزايدة داخل فئات واسعة من المجتمع الفرنسي بالسياسة وبالوحدة الأوروبية، بل تثير صدمة للسياسيين الأوروبيين، ما دفع النائب البافاري ماركوس فيربر ليقول مثلاً: رسمت نتيجة الانتخابات صورة بلد منقسم بشدة وعندما يدلي أكثر من 50% من الناخبين بأصواتهم لمرشح يساري أو يميني شعبوي فلا يمكن وصف ذلك إلا بالصدمة!
منذ نتائج الدورة الأولى تتوالى التحليلات في الدول الأوروبية: ماذا لو فازت مرشحة اليمين الشعبوي مارين لوبن في الدور الثاني غداً...؟ قد يكون هذا السيناريو غير مرجح لكنه وارد، وإذا حدث فسيكون بمثابة زلزال في أوروبا تمتد ارتداداته إلى محيطها الدولي والإقليمي. ويقول جون اسلبورن عميد الدبلوماسية والوزير السابق لخارجية لوكسمبورغ، إن الوضع مقلق للغاية، لأن تولي لوبن رئاسة فرنسا لن يكون فقط تغييراً جذرياً في أوروبا كمشروع سلام وقيم، بل سيأخذنا إلى إطار مختلف عن طبيعة الاتحاد الأوروبي!
عملياً لا يمكن الجزم واستبعاد فرص لوبن في الوصول إلى الرئاسة، خصوصاً بعد محاولاتها إزالة السموم عن صورتها العنصرية، بعدما انفصلت قبل أعوام عن والدها مؤسس الحزب جان ماري لوبن الذي تلطخه العنصرية المعلنة، لكنّ مارين ركزت حملتها على تكاليف المعيشة وتخلت عن السياسات المثيرة للجدل، التي أفشلت حملتها عام 2017 كالدعوة إلى التخلي عن اليورو واستعادة عقوبة الإعدام ومحاولة خلق مسافة بينها وبين فلاديمير بوتين، بعدما كانت قد حصلت على تمويل من مصارف روسية في حملتها السابقة.
لكن المثير أن لوبن لا تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي رغم «نزعتها القومية» إزاء نزعة ماكرون الدولية، ولا تريد أن تغادر اتفاقية شينغن للتنقل الحر، إلا أنها تسعى لتعديل الدستور بهدف جعل القانون الدستوري الفرنسي فوق القوانين الأوروبية، بالإضافة إلى نيتها استعادة السيطرة وفرض رقابة صارمة على الحدود، وهو ما يتناقض طبعاً مع قانون شينغن، ومن الواضح تماماً أنها تحاول أن تظهر دائماً في موقع مَن يمثل الشعب ضد النخبة والأمة ضد العولمة، ولهذا لا يتوانى البعض عن القول إن شعار حملتها الانتخابية «منح الفرنسيين دعمهم لفرنسا»، يذكّر بشعار دونالد ترمب «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» وبحملة بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي تحت عنوان «استعادة السيطرة»، لهذا فإن الحديث عن «الفريكست» ليس أكثر من اشتقاق من شعار «بريكست» الذي أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي!
يوم الثلاثاء الماضي عقدت لوبن مؤتمراً صحافياً، لم تحاول من خلاله أن تنزع عملياً قناع العنصرية والتطرف اللذين تطل بهما دائماً ضد الهجرة وكل مظاهر الإسلام، ولم تتردد في أن تكرر لأكثر من مرة أنها ستقوم بتغيير الدستور الفرنسي وتمنع الحجاب، والذبح على طريقة المسلمين واليهود، وعندما سُئلت إذا كانت ستمنع ارتداء القلنسوة اليهودية أو الصليب، قالت إنها ستغيّر الدستور فقط في موضوع الحجاب والنقاب وغيرهما من مظاهر التطرف الإسلامي، وإنها تعدهما من مظاهر الآيديولوجيا وليستا ديناً كالمسيحية واليهودية!
هل كان من الضروري وسط هذه المواقف العنصرية الفاقعة، أن تتطرق إلى منطقة الشرق الأوسط لتقول إن لبنان عزيز على قلبها وإنها تنوي أن تجعله من أولويات سياستها في الشرق الأوسط، وإنه رغم اعترافها بالدعم الذي حاول إيمانويل ماكرون أن يقدمه له لكن من دون نتيجة تُذكر!
ورغم وجود ملامح تفاؤل نسبي في برلين وبروكسل بإمكان هزيمة لوبن فإن مصدر القلق يكمن في قدرة ماكرون على هزيمة لوبن غداً، ولهذا تتحدث التحليلات في البرلمان الأوروبي عن ضرورة وضع خطط طوارئ وبدائل لمواجهة احتمال كابوس لوبن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لوبن كابوس يُقلق أوروبا لوبن كابوس يُقلق أوروبا



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt