توقيت القاهرة المحلي 08:04:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جوهر الصوم

  مصر اليوم -

جوهر الصوم

بقلم : عـــلاء ثابت

 تحول شهر رمضان من شهر للتقشف والزهد والإقلال من الطعام والشراب إلى شهر للترفيه والاستهلاك الزائد والموائد الطويلة والممتلئة بأصناف الطعام من اللحوم والحلوى، وصرنا نأكل فى شهر رمضان حتى التخمة، بل إننا نستعد لشهر رمضان بالإعلان عن توفير المزيد من اللحوم وصنوف الطعام بأكثر من الشهور العادية، بأضعاف مضاعفة، وإعداد ميزانية أكبر لبند الطعام، على العكس من غاية الشهر الكريم، وأصبح شهر رمضان عنوانا للترفيه والتسلية والسهر حتى الصباح فى خيام أو مقاه للشيشة أو الجلوس بالساعات أمام شاشات الفضائيات لمشاهدة مسلسلات تغطى اليوم بكامله، بل نحتاج إلى أكثر من 24 ساعة لمتابعتها، ونتنقل بين الشاشات بحثا عنها.

وهذا الكم الكبير من المسلسلات التى تتنافس منافسة حامية لجذب المتابعين، تتكلف مئات الملايين وتتخللها إعلانات طويلة كلها تتنافس على جيوب المشاهدين فى شهر أصبح عنوانا للإسراف والتبذير فى كل شىء. كيف انقلبت صورة وعادة الشهر الفضيل، وتحولت إلى نقيض غايته؟ لقد تحكمت فينا عادات استهلاكية، ووقعنا فى براثن المصالح والمكاسب المادية، فتركنا جوهر الصوم، وبدلا من الأمعاء الخاوية، لنشعر بمعاناة الفقراء والجوعى، أصبحنا متخمين من كثرة الطعام. نجوع ساعات لنستهلك بعدها ما يكفى أياما فأصبح شهر رمضان رمزا للمسافة الشاسعة بين الغنى الذى يعد أشهى الموائد بعشرات الأصناف القديمة والمبتكرة، وكل ما فى قوائم المطابخ العالمية، ويتباهى بأطباق من الشرق والغرب وأنواع لم نسمع عنها من الحلوى. والفقراء الذين ينتظرون الصدقات فى طوابير تسد الشوارع، بل إن الصدقات تحولت أيضا إلى مظاهر وتباه ولا تجرى فى السر، لتحفظ ماء وجه الفقير، بل خلقت فئة من المستفيدين من الصدقات، يلبسون مثل الفقراء ليتسولوا بها ويفوزوا بأكبر قسط من الصدقات، بينما المتعففون فى بيوتهم لا يجدون شيئا من تلك الصدقات التى تحولت إلى مظاهر احتفالية، تجذب الانتباه إلى المتصدق، بل تجد لافتات تشير إلى أصحاب الصدقات وموائد الرحمن، والتى كان ينبغى أن تذهب أموالها إلى من يستحقها من المتعففين فى الخفاء، ليتناولوا طعامهم وسط أطفالهم، دون أن يشعروا بالمهانة أو الإساءة لمشاعرهم ومشاعر أبنائهم.

إننا بحاجة إلى جهد كبير لكى نعيد للشهر الكريم وجهه الحقيقى، وأن نقلع أو نخفف من تلك العادات الدخيلة والمتزايدة التى قلبت صورته، فرمضان ليس شهر الكسل والإجازات والإسراف والترفيه، فنحن فى ظروف تتطلب أن نقتصد ونوفر فى طعامنا ونفقاتنا، فنحن نمر بواحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية، التى يمر بها العالم وتصلنا الأزمة أشد قوة وقسوة، سواء بسبب الاضطرابات غير المسبوقة فى المنطقة، وما تعانيه من حروب وإرهاب، وتلك الأزمات تحتاج منا أن نراعى جوهر رمضان ونعيد إحياء عادات التقشف وخفض الاستهلاك، وأن نقوى الصدقات من التكافل الاجتماعى، لتكون إحدى لبنات تماسك الدولة والتعاضد بين أبنائها، بل نحتاج إلى أن يكون الشهر الكريم مدرسة أو دورة إعداد، لتجنب العادات السلبية وتكريس الإيجابيات طوال شهور السنة، وليس مجرد عادات احتفالية عابرة لا تترك أثرا بعد انتهاء الشهر.

إن الشعوب التى تواجه أزمات استثنائية تفرض على نفسها قيودا فى الاستهلاك والترفيه حتى الطبقات القادرة تراعى ذلك وتكون نخبتها الثقافية والسياسية والدينية نموذجا يحتذى فى ترسيخ هذه المفاهيم والارتقاء بالإحساس الجمعى الذى نصطف فيه جميعا، لكى نواجه أزماتنا عبر تغيير العادات السلبية، لننتج أكثر ونستهلك أقل، ويشعر الغنى بمعاناة الفقير، ونراعى المرضى بدون إعلانات، ونحرص على زيارة المستشفيات ودور المسنين والأيتام، ونتعرف على أحوال قاطنيها، وحاجاتهم دون جلبة أو أضواء، ونرسخ تلك المفاهيم فى وجدان أولادنا ليشبوا على مجتمع صالح، فهل آن الأوان ليستعيد رمضان جوهره الحقيقى.

نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جوهر الصوم جوهر الصوم



GMT 02:23 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

خبز وكعك وإشاعة

GMT 02:18 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

ابحث عن العقيدة في موسكو

GMT 02:15 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

اليوم التالي... منظمة التحرير

GMT 01:35 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

القطعية والنسبية في التفكير

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - توسع مدى القصف المتبادل بين إسرائيل وجنوب لبنان

GMT 13:37 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

السيول تُغرق جدة والكارثة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 20:00 2015 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أرقى أنواع السلطات

GMT 22:00 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرنسي جريزمان يحلم باللعب مع نيمار ومبابي

GMT 23:24 2015 الإثنين ,26 كانون الثاني / يناير

حديقة الحيوانات في العين تضم زواحف جديدة

GMT 22:29 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

شركات البترول تتخلص من 90% من مخلفاتها دون تدوير

GMT 17:32 2021 الأربعاء ,21 إبريل / نيسان

أتليتكو مدريد ينسحب من بطولة دوري السوبر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon