توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التطرف وبطء تجديد الخطاب الدينى

  مصر اليوم -

التطرف وبطء تجديد الخطاب الدينى

بقلم-عـــلاء ثابت

من الواضح أننا لم نحقق سوى القليل فى إنجاز مهمة تجديد الخطاب الدينى، بما لا يتناسب مع حجم المخاطر التى يحملها خطاب التطرف فى طياته، والذى لا يزال منتشرا فى ربوع البلاد، فلم يتم تحديد جهة تشرف على تلك الخطوات، وهل سيكون تجديد الخطاب الدينى مهمة المؤسسات التى ينخر فيها التطرف، أم سيتم تشكيل لجنة متنوعة ومنتقاة تتولى الإشراف على تلك المهمة الخطيرة والمعقدة؟، كما لم يتم تحديد مواصفات الخطاب المجدد ولا مناهج البحث التى يجب اتباعها وهل ستكون هى نفس المناهج التى أنتجت التطرف أو على الأقل لم تنجح فى مواجهته، أم سنتبع مناهج بحث أكثر تطورا وقادرة على تنقية الخطاب الدينى مما علق به من شوائب على مدى قرون طويلة؟.

لا يمكن أن تقتصر تنقية الخطاب الدينى على بعض الدورات والندوات لدعاة وخطباء المساجد ولا حذف بعض العبارات من كتب تتحدث عن فقه أكل لحم الأسير أو معاملة العبيد والسبايا.. وغيرها من الظواهر التى اختفت من عالمنا، وإن كانت موجودة فى الكثير من كتب الفقه التى يتم التعامل معها جميعا بتقديس بالغ، رغم أنها تحتاج إلى المراجعة والتنقيح على أسس علمية متطورة، فنحن لسنا فى جزيرة معزولة عن العالم، والعلوم الاجتماعية واللغوية تطورت كثيرا، لكن هناك من لا يريدون إدخال تلك المناهج البحثية إلى مدارسنا وجامعاتنا، ويرون أن الخطاب الدينى لا غبار عليه، وكأنهم وحدهم حراس التراث، ولهذا علينا تشكيل لجنة عليا من أساتذة الجامعات ووزارة الثقافة ومكتبة الإسكندرية وكبار علماء الأزهر والأوقاف ووضع خطة عمل واضحة لإنجاز تلك المهمة.

لقد دفعنا ثمنا باهظا للإرهاب الذى استشرى فى مجتمعاتنا وسالت بسببه الكثير من الدماء وكادت مصر تغرق فى الفوضى والمجازر والدمار الشامل، وهو ما يحتاج إلى خطة استباقية تمنع إعادة إنتاج هذا الشر، بأن تجتثه من جذوره، وعلى كل مؤسسات الدولة المعنية أن تضع ذلك فى صدارة أولوياتها، وعدم إلقاء التبعات على الأجهزة الأمنية وحدها، فالإرهاب يبدأ بالكلمة التى تتحول إلى رصاص وأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة.

الإرهاب لا يحدث مرة واحدة بل له أطوار يمر بها، ويجب ألا ننتظر أطواره الأخيرة التى نسمع فيها صوت الانفجارات ونحيب أهالى الضحايا. فنحن للأسف نرى الظواهر الأولى لنشوء الإرهاب دون أن نلتفت إليها أو نتكاسل أمامها ولا نقدر خطورتها، وأحيانا تشغلنا الاعتبارات والمخاطر السياسية وليس باقى مخاطرها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، التى تتسبب فى ضياع أجيال يجرها السلفيون إلى الماضى السحيق ويبعدونها عن معايشة الحاضر وبناء المستقبل.

إننا نعيش حالة من الازدواجية الخطيرة بين تدين شكلى وسلوكيات منحرفة، فعندما ننظر فى أى شارع سنجد الكثير من دور العبادة، ونسمع مكبرات الصوت وقنوات فضائية كثيرة جدا تبث الخطب والقرآن الكريم، لكننا سنرى أيضا القمامة تملأ الشارع وفوضى المرور والباعة الجائلين والعبارات المؤذية والتحرش بالفتيات والنساء.

وإذا نظرنا إلى المدارس سنجد معلمين ملتحين أو زائفى التدين لا يشرحون فى المدارس الحكومية، ويغلقونها لحساب مراكز الدروس الخصوصية، وفى المستشفيات ومراكز التحاليل.. وغيرها من المراكز الطبية ذات الدور الإنسانى، ستجد أماكن الانتظار بها شاشة تبث القرآن الكريم، لكن المريض لا يمضى سوى بضع دقائق لدى الطبيب لا تكفى لفحص جاد وحقيقى، وطابور المرضى طويل، وكل منهم يدفع مئات الجنيهات مقابل نظرة سريعة من الطبيب وتكون النتيجة كوارث إنسانية، ضحاياها أعداد هائلة بسبب الإهمال والتشخيص الخاطئ.

الكثير والكثير من مشاهد التدين الزائف فى كل مكان، بينما تنتشر الرشوة والفساد ومختلف أنواع الانحراف، وهو ما يعنى أننا لم نأخذ من الدين سوى قشرته؛ من لبس الجلباب وإطلاق اللحية وارتداء النقاب أو الحجاب وتركنا البعد الأخلاقى والروحى والسلوكى وهو الأهم والأنفع للناس.

مازالت حاضنة الجماعات المتطرفة موجودة فى القرى النائية وبعض الأحياء الشعبية والمدارس والجامعات بل مؤسسات الدولة وتعيش على خطاب مليء بالكراهية والتعصب وازدراء الآخرين المختلفين عنهم فى الدين أو المذهب أو حتى من الجماعات المنافسة، فأين دعاتنا وخطباؤنا وأصحاب الفتاوى من هذه الظواهر؟ سنجد فيضا هائلا من الفتاوى، لكنها غالبا لا تركز إلا على توافه الأمور، وما هو معروف لدى الجميع أو معظم الناس ولا يحتاج إلى فتوى لمعرفته سنجد فتوى لكل خطوة وكل تصرف صغير، وكأن كل شخص يجب أن يحصل على فتوى تحدد له ماذا يفعل وماذا يقول، بينما لا تتطرق إلى ما يفيد الناس فى حاضرهم ومستقبلهم، وتتوارى مبادئ أن العمل عبادة وأن قضاء حوائج الناس لها الأولوية.

لا نحتاج إلى مضاعفة جيوش الدعاة والخطباء بقدر ما نحتاج إلى إعمال العقل ونشر التعليم القائم على التفكير العلمى السليم وإطلاق ملكات التلاميذ والطلاب وأن تكون مرجعيتهم المصلحة العامة والعلم المفيد، بدلا من تركهم فريسة لدعاة التكفير، واحتقار العلوم الحديثة وعدم الاعتراف إلا بكتب التراث والنظرة المختلة التى تكره كبار المخترعين والعلماء وكبار الأطباء والمهندسين وغيرهم من بناة الحضارة الذين جرى إقناعهم بأنهم كفار ضالون ومضلون، جاءوا بالبدع إلى مجتمعاتنا لكى نبتعد عن الإسلام، ويجرى حقن أبنائنا بأمصال تحول بينهم وبين العلوم الحديثة لكى يتم الحفاظ على تخلفنا وجهلنا، وهذا أشد خطرا من الإرهاب، لأنه يقضى على أجيال كاملة، ويزيد من الفجوة الحضارية بيننا وبين العالم، ونصبح نهبا لكل طامع فينا بسبب تلك الأفكار السوداء التى ملأوا بها عقول الكثير من أبنائنا.

إن المتربصين بوطننا ومنطقتنا لا يريدون أكثر مما تفعله هذه الجماعات؛ أن تقتل وتدمر ولا تأخذ من السلف الصالح إلا كيف كان يلبس ويأكل ويتكلم، وليس جوهر الإيمان من التسامح والأخلاق الكريمة والعمل الصالح والعلم النافع واحترام الآخرين وإتقان العمل ونشر العدل والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

لقد تراجع المضمون الأخلاقى والروحى والعلمى أمام الشكليات التى تخفى الموبقات، وهو ما يتطلب منا أن نسرع بخطى حثيثة للتخلص من خطاب الهلاك والدمار والجهل والتدين الزائف.

إننا ونحن نحتفل بذكرى المولد النبوى الشريف، لا ينبغى أن ننسى أن الجماعات المتطرفة كفرت احتفالنا بتلك المناسبة العزيزة على قلوبنا والتى نحمل ذكرياتها الجميلة منذ طفولتنا، وصدروا لنا ثقافة التحريم والتكفير وغلظة القلوب والعقول.. وعلينا أن نسترد تراثنا الوسطى المتسامح والمبهج والمبشر.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التطرف وبطء تجديد الخطاب الدينى التطرف وبطء تجديد الخطاب الدينى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt