توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استفتاء أستراليا وهزيمة سكانها الأصليين

  مصر اليوم -

استفتاء أستراليا وهزيمة سكانها الأصليين

بقلم - منار الشوربجي

حين يتعلق الأمر بالسكان الأصليين، يجد المرء نفسه إزاء صورة مغايرة لمجتمعات غربية، تقدم نفسها باعتبارها عنواناً للاحتفاء بالتعددية. فنتائج الاستفتاء الذي أجري مؤخراً في أستراليا، حول تعديل الدستور، كان أحد حلقات سلسلة طويلة من المآسي التي عاشها السكان الأصليون. ومثلما هو الحال في الأمريكتين، فإن مجرد الاعتراف بالمظالم والمعاناة التي تعرض لها السكان الأصليون في أستراليا، يلقى مقاومة عنيفة.

 

فأوائل الشهر الماضي، رفض الناخبون في أستراليا، بأغلبية الثلثين، تعديل الدستور على نحو يقضى بإضافة مادة تنص على إنشاء هيئة استشارية تُلحَق بالبرلمان، وتلعب دوراً في رفع الوعي العام بقضايا السكان الأصليين.

وأغلبية الثلثين تلك، لها دلالاتها في أستراليا تحديداً، لأن التصويت في الانتخابات والاستفتاءات العامة إجباري، ما يجعل نسبة التصويت تفوق الـ 90%. ومن هنا، فالرافضون يمثلون فعلاً ثلثي الناخبين تقريباً.

واللافت أن الاسم الذي أطلق على الهيئة الاستشارية التي رفضها الناخبون كان «الصوت»، وهي بالفعل لم تكن لتتخطى كونها مجرد «صوت» للسكان الأصليين. فالمادة الدستورية التي رفضها الناخبون، لم تكن تنص على أكثر من إنشاء تلك الهيئة، حيث منحت البرلمان سلطة تشكيلها، واختيار أعضائها، وتحديد صلاحياتها.

بعبارة أخرى، لم تنص المادة على تمثيل السكان الأصليين مثلاً، ولا على منحهم سلطات من أي نوع، ولا صلاحيات مستقلة، وإنما ظلت للبرلمان صلاحيات واسعة، تمكنه من أن يكون بمثابة «فيتو»، يستطيع إسكات هذا «الصوت»، بل والتحكم في الموضوعات التي يقترح مناقشتها أصلاً.

والحقيقة أن فكرة إنشاء تلك الهيئة، نبعت من مقترحات كان السكان الأصليون قد ناقشوها فيما بينهم، وتقدموا بها للسلطات.

والهيئة الاستشارية كانت في تلك المقترحات هي المرحلة الأولى التي كان هدفها إجراء نقاش مجتمعي واسع، يرفع الوعي العام بتاريخ أستراليا نفسها، لا تاريخ السكان الأصليين وحدهم. أما المرحلة التالية، فكانت تتضمن السعي لإجراء مصالحة وطنية شاملة، تسمح للجراح التاريخية أن تندمل. لكن إجراء مثل تلك المصالحة كان مشروطاً بالموافقة عليه قبل بدئه.

بعبارة أخرى، لم يكن إنشاء الهيئة الاستشارية معناه بالضرورة إجراء المصالحة، إذ تظل كل مرحلة قائمة بذاتها، تستلزم الحصول على موافقة خاصة من البرلمان قبل بدئها. ولهذا السبب تحديداً، رفض كثير من التقدميين المادة الدستورية، باعتبارها محدودة التأثير، ولا تقدم شيئاً يذكر لجماعة وقع عليها ظلم تاريخي.

ورغم محدودية تأثير المادة الدستورية، فقد لاقت معارضة بالغة الشراسة، انطوت على حملة إعلامية واسعة، تضمنت كماً هائلاً من المعلومات المغلوطة، بهدف إحداث حالة من التخبط المعرفي، وإثارة مخاوف المواطنين مما قد ينتج عن الموافقة على تلك المادة.

وهنا كانت المفارقة، فقد نتج عن تلك الحالة من التخبط المعلوماتي، وعجز المواطنين عن معرفة الحقيقي من المزيف، ثمن صحي باهظ، دفعه السكان الأصليون. فالمرحلة السابقة على التصويت في الاستفتاء العام، فرضت ضغوطاً نفسية هائلة عليهم.

فمن ناحية، أمطرهم مواطنوهم بسيل من الأسئلة، ليس فقط حول مشكلات السكان الأصليين، وطبيعة معاناتهم، بل وبأسئلة شخصية، شعر معها الآلاف منهم بأنهم محاصرون بوابل من الأسئلة، كان عليهم الاستعداد للإجابة عنها في أي وقت، في مواقع عملهم، وفي الشوارع، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ومن ناحية أخرى، تعرض الكثيرون منهم لأحداث عنصرية، ارتفعت وتيرتها كلما اقترب موعد الاستفتاء العام.

ورغم التكلفة الباهظة، ركز الخطاب الملهم الذي ألقته وزيرة السكان الأصليين، ليندا بيرني، على أن رفع الوعي، الذي كان هو هدف إنشاء الهيئة الاستشارية، قد تحقق بالفعل، رغم الهزيمة.

فهي قالت إن «التقدم ليس سهلاً، ولا هو يسير بالضرورة في خط مستقيم، بل توجد دوماً عقبات وقلوب مفطورة، لكنني على ثقة من أن... جيلاً جديداً من قيادات السكان الأصليين يتشكل»، وهناك من «سيحملون الشعلة»، وأضافت أنها على يقين من أن هناك «شيئاً مثمراً سيتحقق من إلقاء الضوء على الفجوة التي تفصل بين السكان الأصليين وغيرهم من المواطنين».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استفتاء أستراليا وهزيمة سكانها الأصليين استفتاء أستراليا وهزيمة سكانها الأصليين



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة

GMT 11:54 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد في مواجهة قوية أمام الأسيوطي في كأس مصر

GMT 12:13 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ميدو يؤكّد أنّ مدبولي وقّع لدجلة قبل الانتقال إلى الزمالك

GMT 03:31 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

توقعات ماغي فرح لبرج الأفعى الصيني للعام 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon