توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محاكمة ترامب وحكم التاريخ

  مصر اليوم -

محاكمة ترامب وحكم التاريخ

بقلم : منار الشوربجي

سوف يتوقف التاريخ طويلًا أمام محاكمة ترامب الثانية. فهى ليست محاكمة لترامب بقدر ما هى محاكمة للنظام السياسى بأحزابه ومؤسساته وإعلامه. فتبرئة ترامب، التى كانت متوقعة، هى آخر تجليات الأزمة العميقة التى تعيشها أمريكا منذ العقد الأخير من القرن العشرين والتى تفاقمت حتى وصلت للذروة فى الشهور الأخيرة. فلا الممارسات غير الديمقراطية ولا صعود اليمين المسلح لقلب العملية السياسية وليد اللحظة.

فالبداية كانت مع احتدام الاستقطاب السياسى بمنتصف التسعينيات، والذى غذته عمدًا قيادات الحزب الجمهورى وقتها واعتبرته سبيلها للاحتفاظ بالأغلبية فى الكونجرس بل وفى المستويات الأدنى. وقد أدى ذلك لتقويض الأسس الجوهرية التى تقوم عليها المؤسسة التشريعية ذاتها خصوصًا مسألة التوصل لحلول وسط توفيقية لتمرير القوانين. وحولت تلك القيادات الكونجرس لمؤسسة تتركز سلطاتها فى أيدى حفنة قليلة من قياداتها بعد أن كان عنوانها اللامركزية. وهى قوضت تدريجيًا جوهر الديمقراطية، حين حولت الطرف الآخر لعدو لا خصم سياسى. فالخصوم يمكن معارضتهم أو التوافق معهم، بينما لا يمكن التعامل مع الأعداء إلا عبر الرفض المطلق والإقصاء والشيطنة كمقدمة لنزع الإنسانية عنهم. وقد انتقل كل ذلك لمستوى أعلى فى فترة حكم بوش الابن التى مثلت تهديدًا بالغ الخطورة للديمقراطية. فبدعوى الأمن القومى بعد 11 سبتمبر صارت شيطنة الخصوم معتادة. كل ذلك كان بمثابة جرعات الأكسجين لكل تيارات اليمين المتطرفة للصعود من جديد، وإن حافظ، وقتها، الحزب الجمهورى على مسافة معها، شكليًا فقط، بينما عبر إعلام اليمين عن تلك التيارات بدرجات مختلفة. لكن دعم اليمين المتطرف عمليًا والحفاظ على مسافة معه شكليًا استراتيجية ليست محسوبة العواقب، إذ لا يمكن التنبؤ الدقيق بمآلها. وهو ما حدث فعلًا حين راحت تلك التيارات تهيمن تدريجيًا على الحزب. فكانت حركة حفل الشاى لحظة تاريخية مهدت لصعود ترامب. فهو، وباسم الحزب الجمهورى، استخدم علنًا الخطاب السياسى ذاته لتيارات اليمين المتطرف، ومنحها فرصة ذهبية للهيمنة. وقيادات الحزب، بمنطق انتهازى هدفه الاحتفاظ بالأغلبية، امتنعت عن توجيه أى إدانة لترامب ولا لذلك التيار. وبالمنطق الانتهازى ذاته أدانت قيادات الحزب ترامب، عشية المحاكمة، واعترفت بإدانته ثم صوّتت لتبرئته! فقد هيمنت تلك التيارات حتى صارت قاعدة الحزب الانتخابية التى لا يمكن لأعضائه الفوز دون دعمها.

ومحاكمة ترامب هى فى الحقيقة محاكمة لتلك الممارسات كلها. فمحاولة ترامب الانقلاب على الإرادة الشعبية ثم رفضه إدانة العدوان على المؤسسة التشريعية هى قمة جبل الثلج الذى تشكل عبر ممارسات مناهضة للديمقراطية لعقود ثلاثة. فهى حلقة من سلسلة طويلة من حلقات تقويض قيادات الحزب الجمهورى لجوهر العمل المؤسسى والديمقراطى. وهو ما شاركت فيه لاحقًا وبكل قوة قيادات الحزب الديمقراطى هى الأخرى. ولم تدخر قنوات الليبراليين الإعلامية جهدًا فى ذلك هى الأخرى!

بعبارة أخرى، فما يقوله الإعلام الأمريكى، اليوم، عن أن الديمقراطية صارت مهددة بمحاولة ترامب الانقلاب على نتيجة الانتخابات ثم اقتحام الكونجرس، يُغفل تمامًا السياق التاريخى الطويل الذى كان الإعلام ذاته، المستقطب هو الآخر، طرفًا فيه عندما تخلى عن دوره الاستقصائى.

تبرئة ترامب، إذن، لن تكون الحلقة الأخيرة فى مسلسل انحسار الديمقراطية الأمريكية. والخطوة التالية، وليست الأخيرة بالمناسبة، تستهدف الحق فى التصويت، أهم أعمدة الديمقراطية أصلًا. فبعد أن صار واضحًا أن بايدن مدين بفوزه لأصوات السود تحديدًا، يسعى الجمهوريون اليوم وبكل قوة لاختراع المزيد من القواعد لحرمان قطاعات واسعة منهم، ومن غيرهم من الأقليات، من التصويت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاكمة ترامب وحكم التاريخ محاكمة ترامب وحكم التاريخ



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt