بقلم - أمينة خيري
مشاعر المصريين البركانية مثيرة للحيرة. وتبدو للبعض- بمن فيهم المصريون أنفسهم- غامضة ومبهمة. يشتعل الحب في قلوبنا، فتتدغدغ مشاعرنا ونتيه عشقًا في المحبوب ونطلع به سابع سماء. يتعب المحبوب قليلًا أو نشعر أنه «مش في الفورمة» لبعض الوقت، نسبّه ونلعنه ونهبده في سابع أرض.
يقول أحدهم قولًا يأتى على هوانا ويمس أوتارًا حساسة في معيشتنا أو أولوياتنا أو أحلامنا أو طموحاتنا، فنقول لأنفسنا: «يا سلام لو أتى رئيس جمهورية، لَخلّصنا من كل مشاكلنا ولأصبحنا دولة عالم أول في غمضة عين». خلط الحابل بالنابل أصبح أسلوب حياة. وأتذكر بالأمس القريب على سبيل المثال لا الحصر كيف أن المدير الفنى التاريخى لمنتخبنا الوطنى لكرة القدم كابتن حسن شحاتة حين قادنا لنيل اللقب ثلاث مرات في أعوام 2006 و2008 و2010 طالب البعض جهرًا وليس على سبيل الدعابة بأن يترشح لرئاسة الجمهورية. وفى الدورة التالية في عام 2012، خرج المنتخب من التصفيات المؤهلة، فصبَّ جانب من الجماهير الغضب العارم والحنق الطاغى على الرجل نفسه، وكأن مطالبات التنصيب الرئاسى لم تكن. في الحالتين المشاعر غير سوية، وخلط الحابل بالنابل صادم، والتعامل مع مشاعر البالغين الناضجين باعتبارها مشاعر مراهقين، في يوم فوق وآخر تحت بسبب ثورة الهرمونات، أمر علينا مراجعته. تأليه البشر، سواء كانوا ساسة أو لاعبى كرة قدم أو رجال دين أو فنانين أو غيرهم، دليلٌ على عدم النضج. والمبالغة في الحب والكره برهان على «لخبطة ما» في ميزان مدفوعات المشاعر. أما زَجّ النجاح الكروى في الاشتغال بالسياسة، أو اعتبار النجم الوسيم صانع الأفلام الرومانسية نِعم الزوج، أو الاعتقاد بأن مَن كتب مقالًا ينتقد الأداء الاقتصادى هو أفضل من يتم تعيينه وزيرًا للاقتصاد، فجميعها يعنى أننا نحتاج تدريبًا على التفكير العملى والنقدى بديلًا لـ«أى حاجة في أي حتة». كابتن حسن شحاتة سيظل أحد أفضل مدربى كرة القدم، واللاعب محمد صلاح سيظل أحد أفضل لاعبيها، والوالى محمد على سيظل أحد أفضل بناء مصر الحديثة، ودكتور محمد غنيم سيظل أحد رواد زراعة الكلى والمؤمن بحق الفقراء في العلاج، وسيظل الكاتب الصحفى الراحل مجدى مهنا من أفضل من كتبوا مقالات الرأى.. وهلم جرا.
وسواء أخفق هؤلاء وغيرهم، أو نجحوا، انتصروا أو انهزموا، ابتسموا أو عبسوا، ستظل إنجازاتهم محسوبة لهم. علينا أن نفرّق بين الحب الذي نُكنّه لشخصية عامة، وبين كون هذه الشخصية العامة بشرًا، بالإضافة للتفرقة بين المهارات والمَلَكات ونقاط التفوق والإبداع. فأفضل هداف في العالم لا يعنى بالضرورة أنه سيكون أفضل زعيم سياسى، وأذكى رجل دين لا يعنى أنه حتمًا المهدى المنتظر، والطبيب الذي قرأ في الدين لا يعنى أن يصدّع دماغنا بفتاواه التي يُفصّل فيها الدين على مقاس العلم. قليلٌ من التعقل لا يضر.