توقيت القاهرة المحلي 08:30:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثلاث قصص مصرية!

  مصر اليوم -

ثلاث قصص مصرية

بقلم - عبد المنعم سعيد

يوجد فى مصر الآن ثلاث قصص تحكى عن أحوالها من زوايا مختلفة، وتعيش فيما بينها فى تنافس وصراع، ولكل منها دفاعها وهجومها، وفى اللحظة الراهنة فإن كلا منها قانطة من الأخرى، وعناوينها على النحو التالى: التنموية، والأمنية، والدينية.

قصة مصر التنموية الأساسية هى مأساة التخلف المصرى، وتراجع المكانة المصرية بين الأمم، والخوف الشديد من المثالب العظمى للزيادة السكانية وما يحتاجه مليونان من المصريين كل عام من علم وتعليم وعمل، والتراجع الشديد فى نوعية البشر المصريين لأسباب الفقر والجهل والمرض، والتهديدات والتحديات الخارجية لبلد تم احتلاله لثلاثة آلاف عام من أجناس كثيرة، كان آخرها الإنجليز والإسرائيليون.

ومصر فى الأول والآخر ليست حقيقة واحدة فى التعرض لكل هذه المثالب، فجنوبها أكثر فقرا وتخلفا من شمالها، وفى آخر أرقام مؤسسة «بصيرة» نسبة المصريين تحت خط الفقر تزيد على ٥٠٪ من إجمالى السكان فى أربع محافظات، هى المنيا (٥٧٪) وقنا (٥٨٪) وسوهاج (٦٦٪) وأسيوط (٦٦٪). قارن ذلك بالمتوسط العام للفقر فى مصر (٢٨٪) تجد المسافة شاسعة بين مناطق وأخرى.

القصة التنموية لا تجد فى كل ما سبق قدرا محتوما، وإنما هو تحدٍ ينبغى، ويمكن مواجهته، بالسير فى الطرق التى سبقتنا إليها أمم أخرى، وقوامها العمل الشاق، والقبول بالقرارات الاقتصادية الصعبة التى لم تتوانَ دول أخرى عن اتخاذها لإصلاح اقتصادها، والاستثمارات الضخمة، والمشروعات العملاقة، وامتداد الدولة سكانيا وإنتاجيا من النهر إلى البحر، وامتداد حدود الدولة إلى مناطقها الاقتصادية البحرية، والتنمية الخاصة للصعيد وسيناء والساحل الشمالى.


كل ذلك تجرى ترجمته فى معدل نمو سنوى يصل إلى أكثر من ٨٪ خلال فترة زمنية قصيرة سقفها الحالى عام ٢٠٣٠، وكل ذلك يحقق تراكما رأسماليا يسمح بنهضة كبرى فى مجالات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية للفئات الأقل حظا.

الشواهد الراهنة كلها تقول إن مصر تسير فى هذا الطريق، خاصة خلال السنوات الأربع الماضية وبشكل تدريجى بطىء نسبيا ومغالب للزيادة السكانية، ورغم محاربة الإرهاب فى نفس الوقت، حيث ارتفع معدل النمو من أقل من ٢٪ عام ٢٠١٣ إلى ٨،٤٪ فى العام المالى ٢٠١٦/٢٠١٧، وارتفع خلال الربع الأول من العام المالى الحالى ٢٠١٧ /٢٠١٨ إلى ٢،٥٪، وخلال الربع الثانى إلى ٣،٥٪.

وارتفع الاحتياطى النقدى للبلاد من أقل من ١٥ مليار دولار إلى أكثر من ٣٨ مليار دولار، وتراجعت البطالة بين العاملين من قرابة ١٤٪ إلى ١١،3٪.

وبينما توجد مخططات خاصة للصعيد وسيناء والساحل الشمالى، فضلا عما هو جارٍ فى القاهرة والدلتا من مشروعات ومدن، فإن تخطيط الحدود البحرية لمصر قد ولد أولى نتائجه ليس فقط فى اكتشاف حقل «ظهر» وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز قبل نهاية هذا العام، وإنما فى تحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة بالاتفاق الذى جرى بين شركات مصر وأخرى إسرائيلية من أجل مرور الغاز الإسرائيلى من مصر، سواء كان ذلك للإسالة أو التصنيع أو الاستخدام فى المناطق التى يمر بها شبكة أنابيب الغاز المصرية، وفى قائمة الانتظار القريب توجد اتفاقات أخرى مع قبرص.

قصة مصر التنموية واعدة بشدة، خاصة أنها تحدث فى ظل المواجهة مع الإرهاب والصراعات الإقليمية الجارية التى استلزمت زيادة الإنفاق العسكرى، وربما كما لم يحدث منذ وقت طويل. فكل ما جرى خلال السنوات الأربعة الماضية لم يكن فى جوهره إلا لإعداد العدة لانطلاقة كبرى فى المستقبل. فالتنمية الاقتصادية تعزز من السوق المصرية التى باتت هدفا للاستثمارات الدولية، فضلا عن استغلال القدرات المصرية لخدمة مصادر الطاقة، سواء تلك الموجودة فى السعودية والخليج أو منطقة شرق البحر المتوسط.

كل ذلك يعطى لمصر قدرات جبارة للدخول فى عمليات التصنيع الشاملة التى تبدأ من الطاقات الموجودة بالفعل لصناعات الحديد والصلب والأسمدة والأسمنت ومواد البناء والبتروكيماويات والألومنيوم والغزل والنسيج وغيرها من الصناعات كثيفة العمالة وكثيفة الاستخدام للطاقة. بداية هذه الانطلاقة بدأت فى تحفيز البحث واستخراج المعادن والطاقة من مناطق جديدة لم يكتشفها أحد من قبل، ليس فقط فى البحر المتوسط، وإنما فى البحر الأحمر أيضا، وبدء عملية التطوير فى النظام التعليمى والصحى المصرى.

قصة مصر «التنموية» يقابلها قصة مصر «الأمنية» التى فى العادة تتجاهل ما يجرى بالفعل على أرض مصر أو تقلل من أهميتها وتراها تعبيرا عن أولويات لا تحتاجها البلاد أو أنها أكثر من ذلك تعكس السيطرة «الأمنية» على أقداد الأمة.

وفى مقال أخير للسفير الدكتور عزالدين شكرى، نُشر فى هذا المكان، جرت الدعوة إلى التسليم بوجهة النظر هذه، ومن ثم وجبت العودة إلى دستور ١٩٧١، حيث كان الاستفتاء هو وسيلة اختيار رئيس الجمهورية. حجر الزاوية فى القصة الأمنية السائدة فى الدوائر الليبرالية داخل مصر وخارجها أن «الدولة العميقة» للأجهزة الأمنية فى مصر قد استعادت دولتها الخاصة مرة أخرى، على عكس ما جرى تصوره من توجهات ليبرالية وديمقراطية جرت نسبتها إلى ثورة يناير المغدورة باسم الدين أو الأمن.

فى هذه القصة فإن مصر فى الأصل لا تخضع لتهديدات تذكر، وإذا كانت موجودة فإنها تأتى نتيجة توجهات وتجاوزات «النظام» أو «السلطة»، وفى كثير من المقالات المعبرة عن هذه الرواية فإن كلمة «الإرهاب» نادرا ما تذكر كما لو أن التجاهل سوف ينهى وجوده ليس فقط فى مصر، وإنما أيضا فى الإقليم والعالم أيضا.

القصة الأمنية ترى الحالة المثالية لمصر فى الأيام الثلاثة الأولى من ثورة يناير قبل أن تصير أيامها غضبا، حيث كانت ألوان علم مصر، وألوان أعلام أخرى تعطى صورة رومانسية لشباب غض وبرىء ولديه رغبات طاغية فى الحرية والإبداع والسير فى سير العالم المتحضر. فى هذه القصة لا يوجد مكان للشيخ يوسف القرضاوى يوم جمعة الانتصار، ولا للمجموعة ٩٥ الإخوانية تنظم الجماهير فى ميدان التحرير، كما أنه لا توجد صورة لمصر المستقبل. هى حالة لا تجعل صورة ميدان التحرير استثنائية، وإنما هى حالة مستمرة لا يتوقف فيها الشباب لا عن التظاهر ولا عن رفع الشعارات النبيلة.

القصة الدينية ذائعة بشدة فى محطات الإخوان التليفزيونية، وهى تشارك القصة الأمنية فى نفيها للأمن و«العسكر»، ولكن مستقبلها يقع فى القصة الإيرانية التى كان الإخوان يريدون أخذ مصر إليها. هى قصة «ثأرية» ظن فيها الإخوان أنهم أمسكوا بتلابيب الجائزة الكبرى فى مصر، وأنهم من هول السقوط لا يصدقون إلا أن الشعب المصرى سوف يعود إلى أحضانهم مرة أخرى، حيث توجد مفاتيح الجنة والنار. القصة هنا جزء من معركة سياسية وعسكرية كبيرة، وأدواتها القصص بمقدار أدواتها من السلاح والقتل والإجهاض. ورغم الاستعارات المستمرة من القصة الأمنية لضرورة لباس ليبرالية تنفع فى الدوائر الغربية، فإن هناك قدرا غير قليل من السخرية منها، ربما بسبب قلة عدد المنتمين، أو لأن التناقض عميق بين الليبرالية والفاشية.

القصص الثلاثة مطروحة على الانتخابات الرئاسية القادمة، ورغم أن الحوار بشأنها سيكون مفيدا لجميع الأطراف قياسا للأحجام لو أن الطريق إليها كان أكثر تمهيدا وسلاسة، فإن المشاركة سوف تكون تصويتا على ما يجرى من ناحية، وإعدادا من ناحية أخرى لما سوف يأتى فى انتخابات ٢٠٢٢. ففى كل الأحوال فإن القصص الثلاثة سوف تظل معنا ولكن بأثقال مختلفة.

ومن يدرى؟! ربما يكون القادمون من رحم الوطن أكثر قدرة على حكْىِ قصة دخول مصر فى العصر الذى نعيش فيه.

نقلا عن المصري اليوم القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاث قصص مصرية ثلاث قصص مصرية



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt