توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن النجاح والفشل.. بين الأفراد والدول

  مصر اليوم -

عن النجاح والفشل بين الأفراد والدول

بقلم : مي عزام

(1)

أسرة مثالية وناجحة بكل المقاييس، زوجة جميلة وثرية وناجحة فى عملها كطبيبة نفسية لها عيادتها الخاصة، وزوجها طبيب ناجح فى علاج سرطان الأطفال، والابن صحيح البدن والخلق ينتسب لأغلى وأرقى مدرسة خاصة فى نيويورك، والد الزوجة فاحش الثراء شديد التعلق بابنته وحفيده الوحيد. تبدو الأسرة سعيدة، تعيش فى دعة وترف، وينطبق عليها مقولة «ليس فى الإمكان أبدع مما كان»، هذه الأسرة هى محور أحداث المسلسل الأمريكى:

الخراب، التراجع أو الانهيار The Undoing

من بطولة النجمة الأسترالية «نيكول كيدمان»، والنجم الإنجليزى «هيو جرانت»، جسدت كيدمان دور الزوجة «جريس» التى تسيطر على مشاعرها مرتدية قناع البرود، كما أجاد جرانت فى دور الزوج «جوناثان» المحب والأب الودود، ما يبدو على السطح متماسكا وقويا ينهار بالتدريج، بعد مقتل الشابة الجميلة «إيلينا»، والتى كانت على علاقة عشق مع «جوناثان» الذى أصبح المتهم الأول فى القضية. القشرة البراقة خدشت ليظهر من تحتها التقيح المزمن، نكتشف أن الزوج اعتاد خيانة زوجته، وأن والدها كان خائنا لأمها الراحلة التى كانت تعانى فى صمت من أجل ابنتها الوحيدة، ولم يكونا يوما نموذجا للأسرة السعيدة كما كانت تظن «جريس»، نعرف أن ابنها الوحيد تواطأ مع أبيه، فلقد شاهده مع عشيقته والتزم الصمت ولم يبلغ والدته، حبا فى أبيه ورغبة منه ألا يسبب له ضررا، منظومة النجاح والسعادة التى كانت ترفل فيها الأسرة الأمريكية المترفة لم تكن سوى غطاء لفشل كبير، مع نهاية المسلسل ذى الحبكة الرائعة، أنصح القراء بمشاهدته، تستعيد جريس حياتها من جديد، ولكن هذه المرة نجاحها فى إنقاذ ابنها كان وفق معايير تتناسب مع قيمها الأخلاقية وقناعتها الذاتية وليس وفق إملاءات خارجية.

(2)

اليابان هى الدولة الأعلى مديونية فى العالم، ديونها تقترب من 240% من ناتجها المحلى، وهى بذلك تسبق اليونان والسودان ولبنان، ولكن هل يمكن أن نقارن اقتصادها القوى باقتصاد هذه الدول؟، إذن كيف استطاعت اليابان أن تحافظ على مركزها المتقدم اقتصاديا وهى تعانى فى نفس الوقت من أحد معايير الفشل الاقتصادى، وهو ارتفاع الدين العام؟ يرجع ذلك إلى أن 90% من ديون اليابان مملوكة لليابانيين وبالعملة المحلية، كما تمكنت اليابان من الحفاظ على فوائد السندات الحكومية المصدرة منخفضة للغاية، وكذلك الحفاظ على ثقة المستثمرين فى أنها لن تتخلف عن السداد، نتيجة الاحتياطى النقدى الضخم بالدولار. الحكومات اليابانية المتعاقبة فضلت خيار الدين عن فرض المزيد من الضرائب وخفض الإنفاق العام خوفا من المزيد من الانكماش والذى يعانى منه الاقتصاد اليابانى منذ سنوات. استطاعت اليابان، بفضل حسن إدارة حكوماتها وثقة المواطنين فيها وشعورهم بالمسؤولية تجاه بلدهم، أن تصنع لنفسها معيارا للنجاح الاقتصادى يخالف معايير صندوق النقد الدولى.

(3)

دول عدة تعتبر إسرائيل الدولة الأكثر نجاحا فى الشرق الأوسط، من حيث معايير القوة العسكرية والتفوق العلمى والتقنى، فى الواقع النجاح الإسرائيلى قائم على احتلال أراضى الغير والاستيلاء على حقوق الشعب الفلسطينى، وهى نفس معايير نجاح الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية السابقة: البريطانية والفرنسية والإسبانية وغيرها، نتيجة تفوق هذه الدول عسكريا، أعطت لنفسها الحق فى نهب ثروات المستعمرات وإفقار شعوبها وإذلالهم، وبعد تحرر المستعمرات وخروج المستعمر وجدت هذه الدول نفسها فى مأزق اقتصادى حقيقى، فهى غير قادرة على المنافسة الحقيقية بدون استغلال أو امتيازات. ولذا مازال الغرب يعمل بطريقة غير مباشرة، وفق المنظومة القديمة وعمادها استغلال دول العالم الثالث ونهب ثرواتها بتخريب هذه الدول بالحروب الأهلية والفتن وتمكين الفاسدين من حكم هذه البلاد ليكونوا دائما تحت سيطرة أولى أمرهم فى الغرب وطوع بنانهم، وأقرب مثال على ذلك ما حدث فى ليبيا الشقيقة ويحدث الآن فى موزمبيق بعد اكتشاف مخزون ضخم من الياقوت وحقول غاز عملاقة.

(4)

معايير النجاح التى يحاول الغرب تصديرها للعالم، ويسير عليها الأفراد والدول دون تفكير وتساؤل حول توافقها مع هوية كل شعب وقيم كل دولة، هى معايير خادعة ومضللة، والأفضل أن يضع كل دولة وشعب معايير نجاح تتوافق مع هويته وقيمه وعاداته حتى يكون تقييمه لحاله وأحواله واقعيا وليس مجرد تقليد أعمى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن النجاح والفشل بين الأفراد والدول عن النجاح والفشل بين الأفراد والدول



GMT 13:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 12:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 12:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 06:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة

GMT 11:54 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد في مواجهة قوية أمام الأسيوطي في كأس مصر

GMT 12:13 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ميدو يؤكّد أنّ مدبولي وقّع لدجلة قبل الانتقال إلى الزمالك

GMT 03:31 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

توقعات ماغي فرح لبرج الأفعى الصيني للعام 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon