توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مجتمعات فقدت البوصلة

  مصر اليوم -

مجتمعات فقدت البوصلة

بقلم - نصر محمد عارف

لا يستطيع أن يتحرك الإنسان من مكانه إلا إذا كان يعرف إلى أين المسير، وكذلك المجتمع لن يبرح مكانه دون أن يحدد بدقة وجهته، واتجاه مسيره. إن امتلاك البوصلة، ومعرفة الوجهة والاتجاه هما شروط الحركة؛ وإلا كانت هذه الحركة نشاطا عبثياً ضل الطريق، فيكون ضلالاً وخبط عشواء. لا يستطيع أن يحقق الإنسان أى شيء فى حياته إلا إذا كان يعرف أهدافه بوضوح شديد؛ حتى ولو كانت بسيطة جدا؛ لا تتجاوز شراء وجبة غذاء، وكذلك المجتمع يظل راكداً حتى يحدد وجهته، ويبدأ مسيرته. ولا تقبل صلاة المؤمن إلا إذا توجه صدره، ووجهه إلى قبلته التى يؤمن بها، وكذلك المجتمع. لذلك كانت كلمة القبلة تعبيرا عن الوجهة الجامعة لكل أفئدة المجتمع والأمة، ومن نفس الجذر اشتقت اللغات الأوروبية كلمة الوجهة أو الاتجاه من قبلة المسيحيين فى الشرق، فكانت كلمة الشرق بالفرنسية Le Orient هى جذر ومصدر كلمة الوجهة والاتجاه والتوجيه فى اللغات الأوروبية Orientation.

الوجهة هى بداية الطريق، هى المنطلق نحو هدف محددةجميع المجتمعات الناجحة تعرف وجهتها، ويعرف الوجهة والاتجاه أفرادها، ويسعون جميعا بكل جهد نحو هدف محدد، وقد تكون الوجهة شيئا بسيطا وهدفا محدودا؛ لكنه عندما تلتقى عليه قلوب وعقول الشعب يتحول إلى هدف عظيم، ينهض بالأمة ويرتقى بها لتكون فى مقدمة الأمم، فالمهم ليس طبيعة الوجهة أو القبلة أو الهدف، وإنما الأهم هو التقاء القلوب والعقول عليها، وإجماع المجتمع عليها، وتوجه الشعب إليها.

نسمع كثيرا بالحلم الأمريكى The American Dream ، يتردد فى كتب الاقتصاد والسياسة، وفى الصحافة، وفى الأفلام؛ كلما جاء ذكر الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهى مجتمع من المهاجرين، من أشتات الأرض، من جميع البقاع، لا يوحدهم إلا الحلم الأمريكي، كل مهاجر يحلم بهذا الحلم، ويعمل على تحقيق هذا الحلم، وجميع المجتمع مُجمع على هذا الحلمةوهو حلم بسيط جدا، لا يكاد يصدقه من هو خارج أمريكا، فهو ليس الثروة ولا السلطة، ولا العلم، ولا أى شيء من تلك الأحلام الكبرى إنه مجرد امتلاك بيت صغير لسكن الأسرة، وليس بناء عمارة ولا أى شيء أكثر من منزل يؤوى الأسرة الصغيرة، هذا هو الحلم الذى جعل أمريكا أقوى اقتصاد فى العالم، الجميع يعمل بمنتهى الجدية والإصرار لامتلاك منزل؛ فتكون محصلة هذا العمل الجماعى أقوى اقتصاد فى العالم.

إذا كان هذا حالهم، فما هو حالنا؟ ما هى وجهتنا وحلمنا؟ هل عندنا قبلة واحدة؟ أظن ستكون الإجابة نعم! والحقيقة لا نحن نصلى فى اتجاه واحد، ولكن لا تتوجه قلوبنا فى نفس الاتجاه، مجتمعاتنا فقدت وجهتها، فقدت قبلتها، فقدت حلمها، أصبح لكل فرد أو جماعة أو حزب، أو شلة أو عصابة وجهتها وقبلتها وحلمها، وأصبحت الوجهات متضاربة متصادمة متصارعة، لذلك جميعنا محلك سر, نتحرك بقوة شديدة، ولكن لا نبرح المكان، لا نتحرك خطوة واحدة للأمام، نتصادم بمنتهى العنفوان، لأن لنا وجهات متعاكسة، لا نعرف ما هو الفارق بين اختلاف الأهداف المرحلية واختلاف الوجهة والحلم، ولا نعرف كيف يكون للمجتمع والدولة وجهة وأهداف بعيدة المدى مُجمع عليها، وكيف يكون للأفراد مصالح وأهداف فردية قد تكون متنافسة أو متصارعة، هناك فارق كبير بين الاثنين.

كانت لنا وجهة وأهداف وطنية وقومية، وكان لنا اتجاه نعرفه، يدركه المتعلم والأمي، يفهمه العالم والعامل والموظف والفلاح، الجميع يعرف ماذا نريد، يعرف الأهداف الكبرى والمصالح الكبرى، والجميع يعرف العدو من الصديق، والجميع يعرف من يهدد مصالحنا، أو يهدد وجودنا ممن يشاكسنا ويتحرش بنا، ويعرف الفارق بين الاثنين، كنا أمة لأن مفهوم الأمة مشتق لغويا من الجذر أم أى توجه أو اتخذ اتجاهاً معينا، فيقال إن الماشية تؤم الماء، أو أمت الماء، ولكن الآن لسنا أمة، ولا شعبا نحن أقرب إلى أن نكون أمما متصادمة، متعاكسة، كل جماعة أو حزب هى أمة فى ذاتها تعادى الأمم الأخرى المجاورة لها فى نفس المجتمع.

فقدنا وجهتنا وقبلتنا، وأصبحنا فى حالة تيه وشتات، والسبب يعود إلى تشرذم الثقافة المصرية، وتفككها، ودخول ثقافات غريبة عليها من الغرب والشرق، ومن التاريخ وما قبل التاريخ، وكل يدعى أنه هو مصر، وهو وحده من يمثل مصر، والآخرون ليسوا مصريين، ويعود كذلك إلى اختفاء المثقف الحقيقي، والعالم الحقيقي، والواعظ الدينى الحقيق، وظهور أشباه لكل هؤلاء، يشبهونهم فى الشكل والمظهر، ولا يعرفونهم فى الدور والجوهر، فأصبح أفراد المجتمع كلٌ يُعَلِّمُ نفسه، ويختار مصادرَ تعلمه، ولا يوجد ما يجمع كل هذا الشتات إلا المكان.

أخطر مظاهر هذه الحالة أننا لم نعد نميز العدو من الصديق، ولم نعد قادرين على تحديد مصادر التهديد من أركان الدعم والمساعدة والمساندة، والأحداث تثبت لنا كل يوم أننا فقدنا البوصلة، وصرنا نخبط فى تيه كبير... فلم تعد النخبة المثقفة قادرة على التمييز بين تركيا والسعودية...بين العدو التاريخى الذى دمرنا وأفلسنا لثلاثة قرون، ومازال يحلم بذلك، وبين الشقيق الذى قد نختلف معه على الميراث ولكنه يظل شقيقاً سندا وظهرا، وكتفاً بكتف.

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجتمعات فقدت البوصلة مجتمعات فقدت البوصلة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي

GMT 09:23 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

ضغوط متزايدة على لامبارد بعد أحدث هزيمة لتشيلسي

GMT 04:38 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

نفوق عشرات الآلاف من الدواجن قرب بلدة "سامراء" شمال بغداد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon