توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل للدين غاية غير الإنسان؟

  مصر اليوم -

هل للدين غاية غير الإنسان

بقلم - نصر محمد عارف

 لم يكن للكلمة دور محورى فى تشكيل حياة البشر وتوجيهها والتحكم فيها مثلما أصبح لها فى عالمنا المعاصر، وذلك نتيجة لتداعيات الثورة المذهلة فى وسائل الاتصال والتواصل، ومن ثمّ فقد أصبحت الكلمة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أهمّ أسلحة هذا العصر، فبالكلمة يختلف البشر ويتصارعون ويتقاتلون، وبالكلمة تتحرّك الشعوب والأمم نحو الحروب والصراعات، وبالكلمة أيضاً يتقارب الناس، ويتحابون ويتعاطفون، وبالكلمة تتجه الشعوب والمجتمعات صوب التعاون والتعارف والائتلاف. فالكلمة هى مفتاح القلوب والعقول، وهى الوسيلة الأسرع لتحقيق الأهداف والغايات أياً كانت.

وتأسيساً على محورية الكلمة، وبالنظر إلى واقع العالم المعاصر الذى يتجه بصورة متسارعة إلى مزيد من الصراع والمواجهة والعداء بين المجتمعات والشعوب والثقافات والحضارات، بل بين الأديان والمذاهب والملل. ولعلً مراجعة خريطة صراعات العالم اليوم تبين بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ كمّ ونوعية الصراعات أخذت فى التزايد حدة وعدداً. ومجمل هذه الصراعات، إما أنها اندلعت من أفكار ومدركات سلبية، ناتجة عن اعتقادات خاطئة، وإما أن تلك الأفكار والإدراكات السلبية هى التى أججت الصراعات، وزادتها اشتعالا. ويكفى أن نتابع كم القتل العبثى الذى يحدث فى الشوارع والمطاعم، والمدارس، وكم التفجيرات الجنونية التى تحدث للمدنيين الآمنين فى المدن؛ لنعرف الى أى مدى وصلت خطورة الكلمة عندما تتحول الى قنبلة موقوتة، فى عقل فارغ، ونفس معقدة مريضة، تستخدم البشر الآخرين وسيلة لإثبات موقف، أو ذريعة للكيد لطرف آخر لا يمكن الوصول اليه، أو ترى النجاة من النار ودخول الجنة لا يتم إلا على أشلاء الإنسان طفلاً وشيخا وامرأة. كل هذا يبين لنا إلى أى مدى يمكن أن يسير العالم فى هذا الاتجاه، وإلى أى نهاية تتحرّك الإنسانية.

والحال هكذا فلا بدّ أن تنهض طائفة من العقلاء من جميع الأديان، لتضع الميزان الحقيقى للأديان، وتبين للناس أن الإنسان هو غاية كل الأديان ومقصدها، وأنه ليس هناك فى الكون من هو أغلى وأعظم قيمة من الإنسان، فالإنسان أعظم عند خالقه من جميع المخلوقات، وأغلى قيمة من جميع العبادات، فبكاء طفل ينذر بخطر عليه مبرر شرعى للخروج من الصلاة، وإطعام مسكين أهم من الحج والعمرة، ودم الإنسان عند الله أقدس من جميع المقدسات.

وجوهر رسالة الإسلام يدور حول الإنسان، إذ ليس هناك فى الإسلام من أو ما هو أعظم من الإنسان، فإذا أردنا اختصار أهم القيم التى جاء بها الإسلام سنجد أنها تنحصر فى السلام والعدل والحريّة والرخاء. تلك القيم عبر عنها الربعى بن عامر عندما دخل بلاط كسرى بعد هزيمة الفرس، وحين سأله كسرى عن سرّ خروج هؤلاء البدو من جزيرة العرب، وقد كانوا تابعين للفرس، يتأمرون بأمرهم، وعن سر قدومهم إلى بلاد فارس، فقال الربعى بن عامر مخاطباً ملك الفرس فى بلاط قصره: «جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد (أى تحرير الإنسان) ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام (أى تحقيق العدالة فى الكون) ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة» (أى تحقيق الرخاء والرفاهية). هذه هى الرسالة التى جاء بها الإسلام، وينبغى على البشر الذين يعتنقونها أن يتصدّوا لمهمة إعادة الاعتبار للإنسان، وليس قتل الإنسان بصورة عبثية فى شوارع مدن أور،با، وأسواق بغداد، وبنغازى وسوريا، وعليهم أيضا كبح جماح الأفكار القاتلة التى تجرف البشرية إلى تدمير يفوق فى قوته التدمير النووي. لأنه تدمير عبثي، من الممكن أن يقوم به أى مختل عقلياً فى أى مكان.

لقد أجمع الفقه الإسلامى على أن كل ما ورد فى القرآن والسنة عن حقوق الله سبحانه المقصود به حقوق الإنسان، فكل حق لله سبحانه يجب أن يصل للإنسان، وكل فرض فرضه الله سبحانه يذهب للإنسان، الصلاة المقصود بها تهذيب الإنسان ليكون صالحا فى التعامل مع أخيه الإنسان، والصوم ليشعر الإنسان بأخيه الإنسان، والزكاة ليأخذ الإنسان حقه من أخيه الإنسان.... إلخ. فكل الدين، غاية الدين ومقصد الدين هو سعادة الإنسان، ومن خلال إسعاد الإنسان فى الدنيا، يسعد الإنسان فى الآخرة.

نحتاج فى هذا الزمن الذى طغت عليه الماديات، وابتلعته السياسات، وتحكمت فيه السلطة والثروة، والذوات المتضخمة التى لا تشبع، وتراجعت فيه قيمة الإنسان، وأصبحت قيمته تتحد طبقاً لموقعه ومكانته، وسلطته وثروته، وتضاءلت أمام ذلك إنسانيته؛ نحتاج فى هذا الزمن أن نعيد الاعتبار للإنسان فى خطاب دينى يعلى قيمة الإنسان بغض النظر عن عقيدته ولونه ولغته وعرقه، فهو إنسان قبل ذلك وبعد ذلك، ونحتاج أن ننتج ثقافة تعلى قيمة الإنسان، بعد أصبحت الفنون عندنا تهدف بصورة مستمرة الى إنهاء وجود الإنسان أمام تعظيم قيمة القوة والثروة والسلطة والعنف. على الرغم من أن جوهر مفهوم الثقافة والفنون والآداب هو الإنسان كإنسان مجرد من كل أعراض الثروة والقوة والسلطة.

المصدر : جريدة الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل للدين غاية غير الإنسان هل للدين غاية غير الإنسان



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt