توقيت القاهرة المحلي 08:25:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أن تصمت أفضل

  مصر اليوم -

أن تصمت أفضل

بقلم - خولة مطر

أن تصمت أفضل فى مجتمعات لا تحب أن تسمع إلا صوتها الأوحد.. ومؤسسات لا تحتمل أى صوت أو رأى آخر.. يغرد المغردون خارج أسراب القطعان فينتفض القطيع بأكمله ليدافع عن ثقافة الصوت الواحد والأمر الواحد والرأى الواحد أو وصم المغردين خارج الأسراب بالعمالة والخيانة والرضوخ للأجندات الأجنبية! مثير أمرهم لأن الوصم بالعمالة مرتبط بدول تبدو فى مجملها صديقة حميمة لنفس تلك الحكومات ولن أقول الدول أو الشعوب!

***

يسود الصمت حتى تتصور أن بعض المدن قد تحولت إلى مقابر جماعية يتحرك فيها البشر بأنماط مرسومة ومتفق عليها ولا يحق لأى منهم أن يخرج عنها حتى لو كان ذلك عبر رفع شعار هنا أو يافطة تحمل مطلبا أو رأيا مخالفا. فهنا يتحول هذا الخارج عن صمته، المتمرد على ثقافة القطيع إلى «مخرب» أو ربما «إرهابى» فقد اختلفت تعريفاتهم للإرهاب والإرهابيين حتى أصبحت تعنى كل من يخالفهم أو يحاول، مجرد محاولة للخروج عن الصوت الواحد..
***
انخفضت الأصوات حتى خيل للبعض أن هناك حالة جماعية من فقدان القدرة على النطق.. أو هو ربما وباء ضرب الأمة أو ما كان يعرف بالأمة فقد كانت ضربا من الخيال ربما وأصبحت واقعا مريرا من التقسيم وهم لا يزالون يرددون حال الأمة فيما هم يجلسون فى الغرف المعتمة يقسمون المقسم معا ويتصورون أنهم منتصرون حتما رغم أن الحكمة الأزلية منذ نعومة الأظفار كانت عن مزايا الجمع حتى أصبحت تلك الرواية للشيخ الذى جمع أبناءه وعلمهم كيف أن حزمة العصى لا تكسر بينما تتحطم فرادى.. تلك الرواية التى يرددها الكبار على مسامع الأطفال حتى حين يكبروا يخالونها جزءا من أفلام الخيال العلمى مقارنة بواقع لا يشوبه سوى الاقتتال والفرقة ومزيدا من تقسيم المقسم أصلا..

***

فى يوم غردت العصافير طويلا فوق ذاك النهر الطويل حتى قامت الجموع لتقلدها وراحت تبحث عن حبالها الصوتية المفقودة، فما بها وأن تكتشف أن لها صوتا جهوريا طاف المدينة وتعداها إلى المدن والقرى والنجوع المجاورة ثم عبر البحار والمدن البعيدة وحتى المحيطات حتى أصبح هو الأكثر تغريدا بين ملايين من الأصوات..

***

قام آخرون فى مدن بعيدة وعن صوتهم بحثوا ربما غيرة من ذاك الذى لا يبعد كثيرا أو ربما تقليد له أو محاولة للتماهى.. وفجأة ضاق الفضاء بالأصوات القادمة من كل صوب وحدب وأصبح ذاك الشعار لأول مرة ذى قيمة حقيقية «لا صوت يعلو فوق صوتهم».. أولئك الذين تصوروا لسنين عدة أنهم بلا صوت ولا ضمير ولا وجود.. فقط أشباح تتمايل كلما قيل لها ذلك.. قطاعان من أشباه البشر دون رائحة ولا لون.. فكيف يكون للبشر أى وجود دون رأى ودون صوت؟ 
للحظة خال لهم أن صوتهم هو القادر على إنهاء حالة العزلة التى كانت والتيه الممتد لسنين طالت حتى أصبحت كأنها القدر.. تواصلوا وتنادوا من مختلف مشارب الأرض، تحدثوا بكل اللغات وتفاهموا لأن شغفهم للحرية جمعم ووحدهم جميعا فى زمن الصوت الواحد والقطيع الممتد حتى آخر الأفق..

***

لم يكن من السهل على أولئك الكارهون للأصوات إلا الأقبح منها أن يحتملوا هذا الكم من التغريد خارج القطيع حتى غطى السرب السماء فأصبحت بألوان قوس قزح ممتد.. وساروا جميعا بلغاتهم المختلفة وألوان بشرتهم وتفاصيل وجوههم المتعبة من زمن الصمت الطويل، جميعا ساروا نحو كبد الشمس متحديا ثقافة القطعان التى رسخها بعضهم ونحتوها فى كتب مدرسية لا تحمل من الواقع سوى كثير من الصور للبلهاء والأغبياء، أصحاب النياشين والابتسامات المصطنعة والألقاب التى تطول حتى يبدو من الصعب تذكر الاسم الأول عندما يتحول إلى شكل من أشكال الانتماء والهوية المصطنعتين والغريبتين عن ثقافة ذلك المجتمع وتاريخه!.

***

كما شركات الأدوية التى تحتكر العلاج للأمراض المستعصية، هى تلك الفئة التى حاربت الأسراب المغردة والتى راحت تمنح الأمل لبعضهم أو لأكثرهم بأن الشفاء من وباء الصمت المطبق ممكن بل ضرورى.. فراحت نفس الفئة تسخر كل قدراتها لإسكات الأصوات وإعادة الحال كما كان عليه قبل أن يخرج ذاك المبشر ليعلن أن المرض ليس مستعصيا كما أوهموهم وأنهم يملكون كل القدرة على الخروج عن القطيع ورفع الصوت عاليا.. 
كانت تلك حالة من اليوتوبيا التى لم يسمح لها أن تمتد أو تطول فكان أن أخمدت الأصوات سريعا وراح الجمع يردد «أن تصمت أفضل.. أن تصمت أفضل» !

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تصمت أفضل أن تصمت أفضل



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon