توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صلاح ومالك: ظلال صورة فى نيويورك

  مصر اليوم -

صلاح ومالك ظلال صورة فى نيويورك

بقلم: عبد الله السناوي

جمعت صورة واحدة تحت الأضواء الباهرة فى قاعة «لينكولن» بنيويورك اثنين من الشبان المصريين الموهوبين اختارتهما مجلة «تايم» الأمريكية ضمن مائة شخصية مؤثرة فى العالم.

أولهما ــ لاعب كرة القدم المحترف فى صفوف نادى «ليفربول» الإنجليزى «محمد صلاح»، الذى حاز بنسقه الأخلاقى وقدراته الفنية مكانة خاصة كأنه ابن لكل أسرة مصرية.

وثانيهما ــ السينمائى الأمريكى المنحدر من أصول مصرية «رامى مالك» الحائز على جائزة «الأوسكار» كأفضل ممثل عن فيلم «بوهيمان رابسودى».

رغم أنه ولد فى الولايات المتحدة واكتسب كامل تكوينه الفنى والإنسانى بعيدا عن موطنه الأصلى إلا أنه لم يتردد فى إبداء اعتزازه بالانتماء إليه حضارة وإرثا فى لحظة مجده.

رسالة الصورة واصلة ــ بالضرورة ــ إلى كل شاب موهوب أنه يستطيع أن يشق طريقه لنجاح مماثل فى مجاله إذا ما توافرت بيئات حاضنة لحرية الإبداع والتنافس وفق القواعد الحديثة.

لا يصح التهوين من قدر الإضافة التى جرت لرصيد القوة الناعمة المصرية فى محيطها وعالمها التى تآكلت بفداحة فى العقود الأخيرة، فـ«صلاح» و«مالك» ينتميان إلى منظومتين دوليتين بالغتى الانتشار والتأثير، حيث سطوة الصورة بالمتابعة تبلغ مداها.

بذات القدر لا يصح إنكار حيثيات وأسباب تراجع القوة الناعمة، وأن الإضافة التى جرت إلى رصيدها جاءت من بيئة أخرى.

كلاهما بنى صيته خارج الحدود وفق قواعد الاحتراف والمهنية والكفاءة والقدرة على المنافسة والإبداع وتقديم مستويات عالية استحقت الاحتفاء الإنسانى بها.

هذه حقيقة أساسية فى ظلال الصورة.

بافتراض أن ذلك اللاعب الصغير الذى تحمل مشقة هائلة بإمكانيات مادية شحيحة أملا فى فرصة تلحقه بناد كبير، حقق ما كان يتطلع إليه فهل كان يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه من مستوى فنى وبدنى أهله للتنافس على أفضل لاعب كرة قدم فى العالم الموسم الماضى؟

لا أدرى مشاعره عندما رفضه النادى القاهرى الشهير، ربما تصور أن هذه نهاية العالم، ربما بكى فيما كانت الأقدار تدخره لمستقبل آخر خطا إليه بموهبته عبر تجارب عديدة فى الدوريات الأوروبية.

وبافتراض أن الممثل الشاب لم تهاجر أسرته إلى الولايات المتحدة ولم تتح أمامه شبه فرصة للتنافس والإبداع، فإن أقصى ما كان يمكن أن يحصل عليه أدوار ثانوية فى أفلام تجارية.

هناك حقيقة لا يمكن إنكارها أن مستوى الإنتاج السينمائى والتلفزيونى سقط من حالق، إلى حد أن السيناريست والمسرحى الراحل «محفوظ عبدالرحمن» استقر فى اعتقاده أن الدراما المصرية تتعرض لمؤامرة.

سألنى: «هل لديك تفسير آخر؟».

باتساع النظر فإن التجريف الثقافى والأدبى والفنى الذى لحق بمصر على مدى سنوات طويلة أفقد البلد جانبا جوهريا مما كانت تتمتع به من حضور وتأثير فى عالمها العربى بقوة الإبداع وإلهامه.

إذا لم يكن هناك مشروع ثقافى ينهض بالآداب والفنون والذائقة العامة يصعب التعويل على إرث الماضى وحده فى بناء القوة الناعمة.

بالتكوين الإنسانى والشخصى لأديب العربية الأكبر «نجيب محفوظ»، كأنه «حضرة المحترم» حسب رواية له تحمل هذا الاسم، يصعب تصور أن يحظى بما وصل إليه من مكانة إذا لم تكن البيئة الثقافية العامة مستعدة لاحتضانه والاحتفاء بموهبته.

عندما عرض عليه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» الانضمام إلى كبار المثقفين والكتاب فى الدور السادس من «الأهرام» سأله: «ما المطلوب منى؟».

ــ أن تكتب رواية فى العام تنشر على حلقات، ولا شىء آخر.

عندما وصل الخمسين من عمره احتفلت به «الأهرام». شاركت سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» فى المناسبة، وأعدت مجلة «الهلال» برئاسة تحرير «كامل زهيرى» عددا خاصا كتب فيه كبار الكتاب والنقاد الأدبيين.

هذه الدرجة من التبنى والاحتضان لكبار الأدباء كما للأصوات الجديدة نفتقدها بفداحة.

أرجو أن نتذكر أن الدور القيادى المصرى فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى اكتسب أرضيته من تأثير السينما والغناء والصحافة والمجلات الأدبية التى كانت تكتب فى مصر وتوزع فى أنحاء العالم العربى.

لا أدوار مؤثرة تنشأ فجأة بمحض المصادفات السعيدة.

القوة الناعمة هى البنية الفوقية للقوة الخشنة، والفصل بينهما مستحيل.

وهى أقرب إلى خزان يضاف إليه بالزيادة ويسحب منه بالنقصان.


نضوب الخزان من حيويته وقدرته على التجديد إنذار شديد اللهجة للمستقبل.

للصعود حيثياته وللتراجع أسبابه.

الاستنتاج نفسه يصح على البيئة العلمية والأكاديمية.

هناك نحو (300) ألف مصرى حصلوا على درجتى الدكتوراه والماجستير من الجامعات الأمريكية والكندية والأوروبية.

إلى أى حد استفاد البلد منهم؟

هناك من بقى فى الخارج خشية البيئة الطاردة

وهناك قوة علمية كامنة فى البلد لا تجد البيئة التى تدعم تطلعها للإبداع والابتكار بما يخدم مجتمعها ويفى باحتياجاته.

تجربة العالم الراحل «أحمد زويل» تستحق المراجعة، تخرج فى كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، ووصل إلى ما وصل إليه بفضل المستوى العلمى الذى كانت عليه الجامعات المصرية بستينيات القرن الماضى حتى التحق بجامعة «كالتيك» فى كاليفورنيا، حيث مكنته قواعدها فى البحث العلمى من إنجازه الذى استحق بمقتضاه جائزة «نوبل» فى الكيمياء.

لأسباب عديدة أخفق مشروعه لتأسيس بنية علمية أكاديمية تستهدف إنتاج جيل جديد من العلماء وفق أحدث المقاييس العالمية.

بعض الأسباب وليست كلها تعود إلى البيئة البيروقراطية الطاردة.

وقد كانت التصريحات الصادمة التى أطلقها رئيس جامعة القاهرة أمام أعداد كبيرة من الطلاب بحفل فنى تعبيرا عن الحجم المروع للتدهور فى واحد من أهم مصادر القوة الناعمة المصرية.

كان أخطر تلك التصريحات إضافة (5%) لطلاب الفرقة الرابعة غير درجات الرأفة المقررة للتحول من خانة الراسبين إلى قوافل الخريجين.

بغض النظر عن الصورة المسيئة التى تحدث بها، والتى لا تليق برأس أكبر وأقدم جامعة مصرية، فإن الكلام نفسه يطعن فى العملية التعليمية بأسرها حتى يكاد يزهق روحها.

أرجو أن نتذكر أن الجودة النسبية للتعليم فى مصر ساعدت على توفير بنية فوقية أخرى للقوة الخشنة المصرية فى فترات الصعود.

إذا لم يكن هناك مشروع جدى للنهوض بالتعليم يصعب الرهان على أى مستقبل، أو على أية استعادة ممكنة لمصادر القوة الناعمة المصرية.

على هذا المنوال يمكن فتح كل الملفات التى تتعلق بالقوة الناعمة، كيف صعدت ولماذا تراجعت؟

وهذه ليست مسئولية «صلاح» و«مالك» اللذين جمعتهما صورة موحية بالأمل وحولها ظلال فى نيويورك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صلاح ومالك ظلال صورة فى نيويورك صلاح ومالك ظلال صورة فى نيويورك



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon