توقيت القاهرة المحلي 08:16:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وسادة نيوزيلندا

  مصر اليوم -

وسادة نيوزيلندا

بقلم: سمير عطا الله

كلما وقعت مسفحة من هذا النوع، تحضر إلى الذاكرة روايات دوستويفسكي حول النفس البشرية الرهيبة: من هو المجرم الحقيقي: المحرض أم المنفذ؟ يقول في «الإخوة كارامازوف»: «لا يمكن لأي حيوان أن يجيد القساوة ويتفنن بها مثل الإنسان».
تفنن السفاح الأسترالي في رسم جريمته، وإعدادها وتنفيذها، كما لو أنه يعمل على لوحة للمتاحف. ووضع «كراساً» حول دوافعه وكأنه يضع مطالعة فكرية كبرى. هكذا كان «راسكولينكوف»؛ بطل «الجريمة والعقاب»، يعتقد أنه يقوم بعمل إنساني جليل، وفي الوقت نفسه يريد أن يثبت أنه يقوم بعمل يعجز عنه سواه. قبل أن يُقدم «راسكولينكوف» على جريمته، كتب مقالاً في إحدى المجلات حول أعمال القتل التي لا بد من أن تُرتكب في سبيل الإنسانية... المجرم يعد التبرير سلفاً.
يتوازى الإجرام مع التفاهة والسخف. السفاح الأسترالي كلف نفسه مهمة كبرى لصالح البشرية. ولن تكون هذه مقتلة عادية، بل فيلماً سينمائياً بالألوان وبكل ما توفره تقنيات الزمان: من الرشاش إلى النقل المباشر. ولشدة ما هو تافه وسقيم لم يخترع شيئاً: نسخ ألوان «داعش» وجاء بها إلى المدينة. يكتشف السفاح بعد جريمته أنه مجرد وحش عادي ولا جديد في المسألة.
الجديد الوحيد هنا أن المجرم الصغير استطاع أن يقلب حياة دولة برمّتها. لن تنام نيوزيلندا بعد اليوم على الوسادة نفسها، وسوف تراودها كل ليلة أحلام ترى فيها نفسها مَعرضاً للجثث البريئة والأطفال. ولن تغيب عن بالها بعد الآن صورة رئيسة وزرائها بثياب الحداد، تخاطب الأمة وتقدم العزاء لأهل الذين قتلوا وهم يصلّون.
جريمة تافهة، لا أكثر، ويكفي أن تقرأ «مطالعته». لكن لم يكن يخيل لنيوزيلندا أنها تحتضن هذا النوع من المخلوقات. وهي فعلاً كذلك. فقد جاءها من الخارج، كما هي الموضة اليوم، أو مثل أفلام الـ«كاوبوي» القديمة، حيث ينزل خارج على القانون على قرية هانئة ويحول سكينتها إلى كابوس.
يدب القلق في الجميع... يخافون على أبنائهم... يخافون على سمعتهم... يخافون أن يستدل المجرمون الآخرون على قريتهم، وأن تتحول إلى ساحة صراع فيما بينهم. لقد أصبحت على خريطة الخوف، وسوف تبقى. أسوأ شيء في الوحشية تفاهتها، والتنظير لها. فمن أجل أن تبرر تفاهتها، يجب أن تصورها على أنها عمل عظيم، ولها أهداف كبرى ومعانٍ كثيرة... لكنه في نهاية الأمر مجرم تافه، سواء كان اسمه راسكولينكوف أو تارانت!

نقلا عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وسادة نيوزيلندا وسادة نيوزيلندا



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 00:49 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

محمد ثروت ينضم لـ«عصابة المكس» بطولة أحمد فهمي
  مصر اليوم - محمد ثروت ينضم لـ«عصابة المكس» بطولة أحمد فهمي

GMT 09:48 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا ضيفًا على فولهام في الدوري الإنجليزي

GMT 23:11 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع

GMT 10:11 2020 الإثنين ,24 آب / أغسطس

عبد السلام بنجلون يتعافى من كورونا

GMT 20:36 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

حصيلة وفيات كورونا في المكسيك تتخطّى 40 ألفاً

GMT 21:47 2019 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

باسم مرسى يشعل السوشيال ميديا بصورة مع زوجته وابنته

GMT 20:14 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة 4 وإصابة 6 في انقلاب سيارة واشتعالها على طريق السويس

GMT 01:10 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بلجيكا أول المتأهلين إلى نهائيات كأس أمم أوروبا

GMT 20:17 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

8 لاعبين في "أشرس صراع" على الكرة الذهبية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon