توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشرق الأوسط يستعصى على التغيير!

  مصر اليوم -

الشرق الأوسط يستعصى على التغيير

بقلم - محمد صابرين

 ما لا يدركه الكثيرون أن الشرق الأوسط رغم حالة الفوران وخيبات الأمل من استمرار الأوضاع علي حالها فإن أحلام «التغيير» عليها أن تنتظر؟!، وهنا فإن مسألة اصلاح أحوال التعليم، وتجديد الخطاب الديني، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وناهيك عن الوصول إلي توافق في الآراء حول «دولة ديمقراطية مدنية حديثة».. هذه كلها «أحلام مؤجلة» وذلك نظرا لأن «خبرة سنوات الربيع العربي» لم تكن جيدة. وتزداد الصورة تعقيدا مع استمرار مشاكل المنطقة المزمنة مثل «القضية الفلسطينية»، و«جهود العملية السياسية»، واهتزاز «الآليات والمؤسسات القديمة» لعملية نقل السلطة، وعدم قدرة الدولة العربية الحديثة علي الوفاء بنصيبها من «العقد الاجتماعي» القديم الذي كانت خلاصته «توفير الاحتياجات الأساسية مقابل تقييد المشاركة في صنع القرار، وكأن ذلك كله لم يكن كافيا فقد أضيف إلي الصورة «استمرار ظاهرة الإرهاب» بل وتفاقمها، وزيادة «التدخلات الاقليمية» في الشأن العربي إيران وتركيا ـ ، وبروز قضايا خلافية جديدة مع دول الجوار (مشكلة تقاسم المياه مع إثيوبيا)، وتفجر صراعات جديدة علي الموارد (البترول والغاز في المياه العميقة في شرق المتوسط)، وأخيرا وليس آخرا عجز جامعة الدول العربية عن توفير «حلول عربية» للقضايا المتفجرة، واسهام الجامعة في عملية «تدويل القضايا العربية» ـ وأبرزها مسألة العدوان علي ليبيا، وفشل الجامعة في توفير أو دفع عملية التعاون أو الاندماج العربي في القضايا البعيدة عن «الخلافات السياسية» العميقة، بل وصل الأمر إلي حد الدعوة الصريحة لاقامة «نظام أمن اقليمي» و «منتدي للحوار» بعيدا عن الجامعة العربية. وأحسب أن هذا كله «ميراث هائل» من الأزمات، ومن عجز مؤسسات النظام العربي القديم علي مواجهته، وفي المقابل فإن الذين انتظروا أو شجعوا أو استقدموا «التدخلات الأجنبية» لم ولن تكون أحلامهم أو أوهامهم بتحسين الأوضاع أحسن حالا، بل الأغلب أن الأوضاع ساءت نتيجة لانتشار الفوضي، و«صراع الأجندات الخارجية»، وأخيرا استمرار الأوضاع علي ما هي عليه نظرا لأن الأطراف كافة تريد «عملية تغيير» تحافظ أو تعظم مكاسبها، فإذا لم يكن ذلك متاحا فإن «جميع المستفيدين» من الأوضاع القديمة يسارعون بإعادة «عقارب الساعة» إلي حالتها المعتادة. ومن هنا فإن محاولات تغيير قواعد اللعبة، أو تحريك بعض الملفات محكوم عليها بأن تحدث صخبا ينتهي به الحال إلي استمرار الأوضاع. ومن الغريب أن معظم القضايا والملفات يشد بعضها بعضا في اتجاه العودة إلي «الأوضاع القديمة» مثلما سنري الآن مع أبرز مسألتين: تحريك صفقة القرن، والملف النووي الإيراني، وصراعات المنطقة.

والبداية من قضية العرب الأولي، وهي القضية الفلسطينية. وثمة نشوة أمريكية كبيرة لدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطاقمه بشأن خطوة نقل السفارة الأمريكية إلي القدس. ويسود لدي المتحمسين لـ«صفقة القرن» بأن التوقيت مناسب، إلا أن آرون ميلر الدبلوماسي الأمريكي الشهير ـ والذي ساهم في جهود عملية السلام ـ يري أن لا حظوظ نجاح لمقامرة ترامب. ويقول ميلر إن الأمر يحتاج لثلاث مسائل لم تتوفر يوما في مفاوضات السلام، وهي أولا: قادة هم أسياد اللعبة السياسية في بلادهم، وليسوا أسراها، ولا أسري أيديولوجياتها، أي أصحاب رؤي يملكون حس البراجماتية. وثانيا: شعور بالإلحاح ـ تألم وأربح ـ يجعل من تغيير الوضع القائم أكثر جاذبية من مخاطر ابقائه علي حاله. وثالثا: وجود طرف ثالث، هو علي الأغلب الولايات المتحدة يملك الإرادة ومهارة لعب دور الوسيط، إذا شاء الطرفان ورغبا جديا في ذلك. وفيما يبدو أن هذه العوامل غير موجودة، وما هو مقترح «وجبة مسمومة» ينبغي علي العقلاء الابتعاد عنها، وتركها تلاقي مصير «صفقات سابقة» من الفشل والنسيان.

ومن الغريب أن يتصادف عملية الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس، مع القرار المنتظر من ترامب بالإبقاء أو الغاء الاتفاق النووي مع إيران. وثمة حديث وصخب هائل بشأن «حرب مفتوحة» مع إيران، وذهب البعض إلي حد القول بأن إسرائيل ربما تنجح في دفع أمريكا لخوض حرب مع إيران، وتوجيه «ضربات ساحقة» للمنشآت النووية الإيرانية، وذلك بالرغم مما يصطحب ذلك من تفجر الشرق الأوسط بقوة. إلا أن المؤشرات كلها تشير إلي أن قواعد اللعبة لن تتغير، وأن «الخيار الأمثل» هو «الحروب بالوكالة»، والتي يتم اختيار مسرح عملياتها بعناية، ويتزامن معها ما يعرف «العمليات الجراحية الدقيقة» من أمثال تدمير مخازن أسلحة نوعية وعمليات اغتيال «محددة الأهداف»، وأن يجري ذلك كله وسط صخب اعلامي من جانب جميع الأطراف لإبراز القوة وتهديد الخصوم والقدرة علي الرد ولكن كل هذه «الحماسة اللفظية» هي للاستهلاك المحلي فقط!

>>>

وربما من المفيد أن نبعد أحاديث الدعاية والدعاية المضادة من كلا المعسكرين، فقد خرج حسن نصر زعيم حزب الله اللبناني ليقول في معرض الانتخابات اللبنانية إن «الحرب مع الوكلاء في سوريا انتهت وستبدأ مع الاصلاء». وهو هنا يقصد بالوكلاء الجماعات المسلحة التي كانت تحارب لإسقاط النظام السوري، أما الأصلاء فهم الأمريكان والإسرائيليون وبعض دول الخليج. إلا أنه حتي مع صحة سحب معظم قوات حزب الله من سوريا استعدادا للحرب مع إسرائيل، فإن المرجح أن الساحة السورية سوف تحافظ علي صدارة المشهد في الحرب بالوكالة. وما يعزز ذلك أن إيران لديها الآلاف من المستشارين العسكريين في سوريا، وميليشيات باكستانية وعراقية وأفغانية شيعية، وهؤلاء جميعا يلعبون دورا في ساحات القتال ويستعدون حاليا للتورط في بدء عمليات قتالية ضد القوات الأمريكية في الشمال السوري وربما شرق الفرات. وهنا فإن أغلب الظن أن «الوجبات السريعة» من المواجهات هي المفضلة حتي الآن، وذلك لأنها لازالت تحت السيطرة، وفيما يبدو أن أطراف اللعبة مرتاحة لها حتي الآن؟!وفي المقابل فإن ترامب يملأ الدنيا ضجيجا برغبته في الرحيل من سوريا، إلا أن الثابت هو أن واشنطن تخوض «حروبا لا متناهية» ـ في أفغانستان والعراق وربما سوريا ـ حيث المعيار الأساسي للانتصار ليس مدي قدرة الأمريكيين علي كسب الحرب، بل كيفية تجنب الخسارة. وهنا فإن المرء يمكنه أن يضيف «مدي القدرة علي إحداث الفوضي»، والأهم ادارة الفوضي هذه لصالح واشنطن وإسرائيل حتي لو كانت علي حساب أوروبا سواء من حيث تكلفة الارهاب والهجرة وصعود اليمين المتطرف. المسألة لا تهم لأن المبدأ هو «أمريكا أولا».. وأي شئ آخر لا يهم!

ويبقي في النهاية أن الشرق الأوسط غارق في أوجاعه وانقساماته، وعاجز عن التجاوب مع الرؤية المصرية بضرورة «التكاتف العربي»، والاهتمام بمشاكل الداخل، وتطلعات المواطنين ورغبتهم في «مستقبل وحياة أفضل». إلا أن الشواهد في معظمها توحي بأن الرهان علي التغيير بـ«قفزة واحدة»، وبالرهان علي «العلاج بالصدمات»، وبالتورط في صفقات مسمومة، ومعلومة العواقب لن تكون سوي «قفزة في المجهول»، وأن التغيير لابد أن يبدأ من الداخل وبتوافق عربي، وبرؤية تأخذ «الطبيعة المحافظة» للمجتمعات العربية، وبحجم التحديات، والأهم بـ«الفرص الهائلة» في الالتفاف حول مصر والعمل معها، ومساعدتها لتنهض بقوة لكي تسهم في نهضة العالم العربي. ذلك فقط هو الطريق!


نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط يستعصى على التغيير الشرق الأوسط يستعصى على التغيير



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt