توقيت القاهرة المحلي 23:55:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دموع الفرح

  مصر اليوم -

دموع الفرح

بقلم : عطيــة عيســوى

دموع الفرح التى استقبل بها آلاف الإريتريين والإثيوبيين بعضهم بعضا بعد 20 سنة من الفرقة الإجبارية التى فرضها عليهم السياسيون خلال حرب الحدود وما بعدها تساوى الدنيا وما فيها وتؤكد مرة أخرى ألاَّ ذنب للمواطنين الأبرياء فيما ألحقه بهم تهور السياسيين الذى فرَّق بين الأم وابنها وبين الأب وابنته مثلما تؤكد أن الحكام هم المسئولون عن المعاناة وهم الذين بيدهم أن يمسحوا الدموع ويزيلوا المواجع إذا أرادوا مثلما فعل الزعيم الإثيوبى الجديد آبى أحمد.ولعل ماشاهدناه يوم إعادة فتح الحدود وعودة الاتصالات واستئناف الرحلات الجوية بين إثيوبيا وإريتريا يكون درسا إنسانيا جديدا للحكام خاصة إذا كانوا مسئولين عن حياة شعوب متداخلة أسريًا واجتماعيًا وقبَليًا وعرقيًا وكثيرون من أبنائها أولاد عم أو خال أو تربطهم علاقة نسب كما هو واقع بين إثيوبيا وإريتريا اللتين كانتا بلدا واحدا لعشرات السنين. فالنزاعات على الأراضى يتكفل الزمن بحلها ولا تستحق إراقة قطرة دم واحدة ولا تفريق شمل الأسرة الواحدة أو حرمان أم من فلذة كبدها أو أب من ابن كان يَعُد الأيام والليالى ليرى اليوم الذى يكبر فيه ويحمل عنه عبء الأسرة فى شيخوخته أو بعد انقضاء أجله.

عند إعادة فتح معبرى بور وزلامبيسا كاد الكثيرون لا يصدقون ما حدث وظنوا أنهم يحلمون، لكن الحلم كان قد بدأ يتحول بالفعل إلى حقيقة عندما لمست القيادة الإريترية أن القيادة الإثيوبية الجديدة جادة فى عرضها الانسحاب من بادمى فبدأت الحكومتان بسرعة إجراءات إعادة بناء الثقة وبادرت إريتريا بسحب قواتها من مناطق الحدود كبادرة حُسن نية حتى قبل بدء إثيوبيا سحب قواتها يوم إعادة فتح المعبرين. ويوم التقى آبى أحمد والرئيس الإريترى أسياس أفورقى فى أديس أبابا متابعةً للقائهما التاريخى الأول فى أسمرا قال له:قد لا تكون هناك فنادق كافية لزيارة الإثيوبيين أسمرة ومصوَّع، فرد قائلا: سأفسح لهم منزلى وأمكث فى شرفته. وهاهى إثيوبيا تطلب من الأمم المتحدة رسميا رفع العقوبات المفروضة على إريتريا منذ عام 2009 ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة يقول إنه قد لا يكون هناك مبرر لها بعد اليوم. وفضلا عن حقن المزيد من الدماء وتوفير نفقات الحشود العسكرية لإنفاقها على التنمية فى البلدين كسبت إثيوبيا فتح ميناء عصب الإريترى أمام تجارتها بأقل التكاليف وعادت لإريتريا أراضيها المحتلة وقد تنتهى قريبا عزلتها التى فُرضت عليها بدعوى إثارة القلاقل مع جيرانها وربما تؤدى عودة الاستقرار فى المنطقة إلى تشجيع قدوم الاستثمارات الأجنبية والحد من هجرة الشباب ليحملوا لواء التنمية فى بلادهم.

أيضًا لم تقتصر الفائدة على الشعبين الإثيوبى والإريترى بل عمَّت منطقة القرن الإفريقى بعد أن تمت المصالحة بين إريتريا والصومال إثر قطيعة استمرت 15 عاما بسبب اتهام الثانية للأولى بدعم حركة الشباب المتطرفة وبينها وبين جيبوتى بعد تسع سنوات من القطيعة والنزاع حول منطقة وجزيرة راس دميره الذى كاد يشعل حربا حدودية بينهما عام 2008. فقد وقعت إثيوبيا وإريتريا والصومال اتفاق تعاون لإعادة الاستقرار إلى المنطقة واتفقت إريتريا وجيبوتى على تطبيع العلاقات وزار الرئيس الصومالى عبدالله فرماجو إريتريا، وهو ما قد يسفر عن تحجيم قوة حركة الشباب والإسراع بسحب القوات الإثيوبية من الصومال.

لكن ذلك ما كان ليحدث لولا مبادرات آبى أحمد الجريئة وتجاوب أفورقى معها وقيام السعودية والإمارات بدفعهما دفعا نحو إبرام اتفاق سلام ينهى حالة الحرب ويعيد الاستقرار لمنطقة القرن الإفريقى برمتها من خلال دعوة الزعيمين لزيارتهما وقيام ولى عهد الإمارات محمد بن زايد ومن بعده مبعوث ولى العهد السعودى محمد بن سلمان بزيارة إثيوبيا وأخيرا توقيع أحمد وأفورقى اتفاق السلام النهائى فى جدة تقديرا منهما للدور السعودى والإماراتى فى تحقيقه وتكريما من المملكة لهما بعد نحو شهرين من تكريم الإمارات بمنحهما وسام زايد تقديرا لجهودهما.

ربما كان الدرس المستفاد من هذه التطورات الدرامية أنه لو تريث الرئيس الإريترى أسياس أفورقى ولم يبادر بالهجوم عام 1998 لانتزاع بلدة بادمى وأراضِ على الحدود مع إثيوبيا اعتبرها جزءا من بلده لكان قد حصل على ما أراد سِلمًا وتم حقن دماء نحو ثمانين ألفاً من خيرة شباب البلدين وتفادى الخراب الواسع الذى حلَّ باقتصادهما وببنيتهما التحتية نتيجة واحدة من أكثر الحروب دموية فى تاريخ إفريقيا الحديث..فإن كان حكام إثيوبيا السابقون قد ماطلوا فى تنفيذ ما اتفق عليه البلدان عند انفصال إريتريا بالتراضى عام 1991 بتشكيل لجنة لترسيم الحدود فقد جاء اليوم الذى تولى السلطة فيه سياسى تصالحى مسالم ذو فكر جديد هو آبى أحمد الذى بادر من تلقاء نفسه بقبول حكم هيئة التحكيم الدولية بأحقية إريتريا ببلدة بادمى واستعداده لتنفيذه وهو ما تم بالفعل.هذا لا يعنى أن أفورقى وحده مسئول عما حدث،فقد شاركه فى المسئولية رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوى وأعضاء حكومته وقيادات حزبه بمماطلتهم وتجاهلهم المطالب الإريترية بالإسراع باجتماعات لجنة ترسيم الحدود طوال خمس سنوات بعد استقلال إريتريا رسميا باستفتاء شعبى عام 1993.

نقلًا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع الفرح دموع الفرح



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل

GMT 05:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن كمية القهوة لحياة صحية مديدة

GMT 11:21 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

وزيرة الصحة المصرية تؤكد حرص مصر على دعم لبنان ومساندته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon