توقيت القاهرة المحلي 07:39:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا مواجهة إيران الآن؟

  مصر اليوم -

لماذا مواجهة إيران الآن

بقلم : د. هالة مصطفى

 بعد طول انتقاد للاتفاق النووى مع إيران، الذى وصفه بأنه الأسوأ فى التاريخ، والتهديد المستمر بإلغائه، اتخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره فعليا بالانسحاب المنفرد منه، دون تنسيق مع حلفائه الأوروبيين شركائه فى الاتفاق المعروف بـ5+1، أى الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، ليستعيد مرة أخرى سياسة العقوبات التى رُفعت بموجب هذا الاتفاق، ولينقلب بذلك على سياسة الاحتواء التى اتبعها سلفه باراك أوباما، التى أنهت الحصار والعزلة الدولية التى عاشتها طهران لعقود.

تحتل إيران موقعا محوريا فى إستراتيجية الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط والخليج، كانت من أقرب الحلفاء فى زمن الشاه وتحولت إلى ألد الأعداء بعد ثورة الخومينى 1979 وأصبحت رقما صعبا لرسم سياستها فى المنطقة بحكم إصرارها على تصدير ثورتها خارج حدودها من ناحية، وقيادتها لما سمى بمعسكر المقاومة أو الممانعة ضد عملية السلام العربية الإسرائيلية من ناحية أخري. فى الثمانينيات، ولأن عراق صدام حسين (على ما كان بينه وبين النظام الإيرانى من تناقضات) صُنف فى نفس خانة الممانعة وأُعتبر عقبة فى سبيل تحقيق السلام الإقليمي، فقد اتبعت واشنطن معهما سياسة الاحتواء المزدوج، التى تقوم على إضعاف الطرفين معا باستغلال المنافسة والصراع بينهما إلى الحد الأقصي، ولذلك دعمت سرا كلا منهما فى الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت ثمانى سنوات وانفجرت بعدها فضيحة إيران ــ كونترا، التى كشفت عن تورط الإدارة الأمريكية وقتئذ فى إمداد الجانب الإيرانى بالسلاح مثلما حدث الشيء نفسه مع الجانب الآخر من خلال طرف ثالث، لكن بسقوط النظام فى العراق خرج من المعادلة وبقيت إيران المعضلة الكبري، التى تراوحت السياسة حيالها بين المواجهة والمهادنة دون استقرار على صيغة واحدة، ولاشك أن أوباما فضل الخيار الأخير، عندما سعى لتغيير قواعد السياسة الخارجية لبلاده فى التعامل مع الحلفاء والأعداء، فوقع مع إيران الاتفاق النووى وطالب السعودية، بإيجاد صيغة للتعايش واقتسام النفوذ بينهما فى المنطقة.

باختصار، حققت فترة أوباما انتصارا كبيرا لإيران، أما الإدارة الحالية لترامب فتقف على الضفة الأخرى من النهر، إذ تعود إلى الانحياز لحلفائها التقليديين، وترى أن مهادنة إيران لم تؤد إلى احتواء حقيقى لها سواء من ناحية التسلح، حيث طورت صواريخها الباليستية بعيدة المدي، الذى أغفله الاتفاق واستهدفت به الرياض فى اعتداءات متكررة، أو من الناحية السياسية، أى أدت إلى نتيجة عكسية، فأطلقت يدها فى المنطقة، لتستمر فى سياستها الداعمة والمصدرة للإرهاب، وفرض هيمنتها على كثير من دول المنطقة من العراق إلى لبنان وسوريا واليمن وفى غزة أيضا من خلال حركة حماس، ولم تحقق استقرارا فى الخليج بل وضعته على حافة حرب واسعة، وأن الأموال المُفرج عنها لم يستفد منها الشعب الإيراني، وإنما أنفقت على مغامرات النظام الخارجية خاصة الحرس الثوري، ذراعها الطويلة فى المنطقة، وازداد النظام استبدادا وتمكن من قمع حركة الاحتجاج الكبرى التى اندلعت منذ شهور، لكن الأهم من وجهة نظرها، أنه لم يجعلها أكثر اعتدالا فيما يتعلق بعملية السلام، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزء الأول من صفقة القرن، يعتمد على إخضاع النظام الإيرانى والحد من مشروعه العدوانى التوسعى فى المنطقة لتمهيد الطريق لتسوية الصراع العربى الإسرائيلي، وهو ما جعل إسرائيل فى قلب المواجهة مع إيران، ومن هنا جاء هجومها المباشر على البنية الأساسية لقواعدها الصاروخية المتمركزة فى سوريا، لكن هذه الحرب الخاطفة التى شنتها إسرائيل جاءت أيضا قبل أيام من تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهى خطوة أخرى ضمن نفس الصفقة، والتوقيت لا يمكن أن يكون محض مصادفة.

وبغض النظر عن مزيد من التفاصيل، فالخلاصة أن الضغوط على إيران ستستمر ولن تقف عند حد العقوبات الاقتصادية وإنما ستشمل الأعمال العسكرية أيضا، والأغلب أنها ستدور على الأراضى السورية فى هذه المرحلة.

يبقى الموقف الأوروبي، الذى يبدو ملتبسا ومتأرجحا، ففرنسا وبريطانيا وألمانيا، أعلنت فى البداية رفضها للقرارالأمريكى بالانسحاب من جانب واحد من الاتفاق، ولكن السؤال هل يمكن أن تعول طهران على هذا الموقف وحده ليكون طوق النجاة؟ وهل تصل الأمور بين الجانبين (الأوروبى والأمريكي) إلى حد الصدام.

الواقع يشير إلى أنه ليست هناك خلافات جوهرية أو مبدئية فى النظرة إلى نظام الملالي، ولكنها فقط المصالح التجارية للشركات العملاقة لهذه الدول التى استثمرت فى إيران بعد رفع العقوبات عنها، والتى ستتأثر حتما بإعادة فرضها، وتلك مهما تعاظمت لن تُحل إلا بالتوافق والتسويات، فلم تُعرف أمثلة لصدام أوروبى أمريكى حقيقى لهذا السبب أو لغيره، بل قد ينتهى الأمر بتوزيع الأدوار لدفع إيران إلى تقديم المزيد من التنازلات، وهذا هو جوهر الوساطة التى يقوم بها الرئيس الفرنسى الآن، والتى لم يعارضها نظيره الأمريكى لأن الهدف كما قال هو إدخال تعديل جوهرى على الاتفاق وليس إلغاءه، والأكثر من ذلك أن قيادات الدول الثلاث سارعت بالإعلان عن موقفها الداعم لإسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة إيران.

نفس الشيء ينطبق على روسيا التى أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى أثناء زيارته لها الأسبوع الماضي، أن العملية العسكرية الأخيرة تمت بإخطار مسبق معها، ومعروف أن ما يهم موسكو هو تثبيت أقدامها ووجودها العسكرى فى سوريا وشواطئ المتوسط وليس حماية حليفها الإيرانى أو التضحية بمصالحها من أجله.

لقد انطلقت الشرارة الأولى فى المواجهة مع إيران ولن ترجع إلى المربع رقم واحد، حتى وإن انتهى الأمر بتعديل الاتفاق، لأنه هذه المرة سيضمن التحجيم الفعلى لسياساتها، وربما اتسع نطاق العمليات العسكرية للغرض ذاته، لكن فى كل الأحوال لن تعود الأمور كما كانت.

نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا مواجهة إيران الآن لماذا مواجهة إيران الآن



GMT 02:54 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

بلينكن يعظ!!

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

احتجاجات أمريكا ودلالاتها

GMT 02:50 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أن تُصلح الفساد بالأفكار

GMT 02:49 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هوامش في قمة البحرين: مجلس أم «مقنص»

GMT 02:46 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

الانهيار المخيف

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 00:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة
  مصر اليوم - أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور

GMT 04:24 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

دعاء اليوم الرابع عشر من رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon