توقيت القاهرة المحلي 01:49:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأزمة التونسية إلى أين؟

  مصر اليوم -

الأزمة التونسية إلى أين

بقلم - نيفين مسعد

شهدت الساحة السياسية التونسية تطورا مفاجئا بالإعلان يوم الأربعاء الماضى عن اندماج حزب الاتحاد الوطنى الحر فى حزب نداء تونس وتوزيع المناصب الرئيسيّة بين قيادات الحزبين فيما أطلقت عليه بعض المصادر مصطلح القيادة الجماعية. الاندماج المذكور لم يكن هو التطور الوحيد فى المشهد السياسى التونسي، ففى غضون شهر واحد انتهى التحالف بين حزب نداء تونس وحزب حركة النهضة، وتم تشكيل ائتلاف وطنى تحت قبة البرلمان هدفه دعم حكومة يوسف الشاهد، وتكوّن من نواب مستقلين وآخرين منشقين عن كتلهم النيابية. هكذا تكون تونس قد انتقلت خلال سبعة أعوام من صيغة حكم الترويكا ـ أى حكم ثلاثة أحزاب ـ اثنان منها يساريان والثالث إسلامي، إلى صيغة الحكم الثنائى المكّون من حزب ليبرالى وآخر إسلامي، إلى صيغة لم تتبلور ملامحها بعد ، فمازال نداء تونس بعد اندماج الاتحاد الوطنى فيه بعيدا عن أن يضم كل القوى المدنية أو الحداثية كما فى التعبير التونسي، كما أن الائتلاف الوطنى الملتف حول يوسف الشاهد والمدعوم من حركة النهضة يصعب وصفه بالإسلامى فالشاهد كان قطبا من أقطاب حزب النداء كما أن قوى مدنية حزبية وغير حزبية تؤيده .

لم تكن علاقة النداء بالنهضة على ما يرام فالاختلاف الفكرى واضح بينهما، وقد دخل الطرفان فى علاقة الشراكة هذه مضطرَين عندما عصفت ظاهرة الاغتيالات السياسية بتونس فى عام 2013 وكانت الأمور مرشحة للتفاقم فالتقى السبسى مع الغنوشى ثم انطلق الحوار الوطني. وتكرر الأمر بعد ذلك عندما تأزمت الأوضاع فى ظل حكومة الحبيب الصيد فالتقت الأطراف المختلفة عام 2016 ووضعت وثيقة قرطاج (1)، ثم التقت هذه الأطراف أيضا مع تجدد الأزمة فى ظل حكومة يوسف الشاهد واتفقت على وثيقة قرطاچ (2) فى 2018. هكذا يبدو واضحا أن عملية الشد والجذب بين النداء والنهضة لم تتوقف أبدا لأن جوهرها هو الصراع على من يحكم تونس. قد يقول قائل لكن النهضة لم ترشح من يمثلها فى انتخابات الرئاسة عام 2014 وقد لا ترشح أيضا فى عام 2019، وهذا قول صحيح لكن هذا أيضا هو الأسلوب الذى تتبعه النهضة دائما، فهى لا تشتبك فى الصراعات السياسية بنفسها لكنها تشتبك فيها من خلال آخرين، حدث هذا مع منصف المرزوقى الرئيس السابق فى ظل حكم الترويكا والذى أيدته النهضة عندما ترشح «للانتخابات الرئاسية عام 2014» ثم سحبت تأييدها له بعد أن تفاهمت مع النداء، وهاهو يحدث مع يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي، فلا يصدق أحد أن تشبث النهضة بيوسف الشاهد سببه الحرص على الاستقرار السياسى قبل انتخابات 2019، فمطالبات النداء باستقالته عمرها عام على الأقل، ثم إن الاستقرار يتحقق بتوافق النهضة والنداء وليس بالتكتلات والتكتلات المضادة، الموقف من يوسف الشاهد مجرد واجهة لصراع أعمق بكثير.

هل كسبت حركة نداء تونس باندماج الاتحاد الوطنى الحر فيها؟ لا أعتقد ذلك لجملة أسباب، الأول أن سليم الريّاحى الذى كان رئيسا للاتحاد الوطنى قبل اندماجه فى النداء حديث العهد بالعمل السياسى فى تونس فقد قضى معظم حياته فى ليبيا وكوّن فيها ثروة طائلة تحيطها شبهات كثيرة، وهو قد نافس الباچى قائد السبسى على رئاسة الجمهورية فى 2014 أى أن لديه سقفا عاليا للتوقع، فهل سيقنع بمنصب الأمين العام لحزب النداء فى ثوبه الجديد؟ أم أن تنافسا سينشأ بينه وبين الرئيس السبسى وابنه حافظ حول من يصل إلى قصر قرطاچ؟ المنطق يقول إن التنافس سيحصل. والثانى أن ثمة تذمرا داخل حزب النداء من اندماج الاتحاد الوطنى الحر فيه، والبعض يعتبر أن الاتحاد هو الذى استفاد من اسم النداء وليس العكس، ثم إن الطريقة التى انتقل بها نواب الاتحاد الوطنى الحر أولا إلى الائتلاف الوطنى ليوسف الشاهد وثانيا لحزب النداء فى ثوبه الجديد، هذه الطريقة لا تبشر بخير. والثالث أنه إذا كان قصد السبسى من هذا الاندماج تكوين كتلة برلمانية كبيرة تؤّمن له أغلبية مطلقة وتسمح له بتغيير رئيس الحكومة، إذا كان هذا هدفه فهو مازال هدفا بعيدا لأن نصيب النداء بعد اندماج الاتحاد فيه هو 51 مقعدا أى ينقصه أكثر من هذا العدد ليحقق هدفه، وبالتالى فإن النداء يحتاج لمزيد من الاندماجات من قوى أخرى ليبرالية ويسارية حتى يشكل كتلة برلمانية متوازنة، وهذا سيخضع لابتزازات ومساومات .

السؤال الآخر يتعلق بحركة النهضة وهو: ما انعكاس الاندماج بين النداء والاتحاد عليها؟ النهضة خسرت بالتأكيد لأن الائتلاف الوطنى الذى تدعمه انسحب منه نواب الاتحاد وانضموا للنداء، وبالتالى فإن هذا قد أثّر على حجم الكتلة البرلمانية التى يستند إليها يوسف الشاهد، ولا أستبعد أن يفاجئنا الغنوشى إذا أحس بأن هناك تناقصا مستمرا فى عدد أعضاء هذه الكتلة بالإعلان عن أنه لا يمانع فى تغيير رئيس الحكومة ليكون بمثابة كبش الفداء لتقارب جديد مع نداء تونس وقد فعلها من قبل، فلقد سبق للغنوشى أن رفض بإصرار تشكيل حكومة تكنوقراط بدلا من حكومة النهضة التى رأسها على العريض ثم اضطر بعد ذلك للقبول.

إن الوضع الاقتصادى فى تونس وضع حرج وروشتة صندوق النقد الدولى مؤلمة، وثمة إعداد لإضراب شامل نهاية هذا الشهر ما يهدد الاستقرار السياسى الذى تقول النهضة إنها تدافع عنه، ونحن على مقربة من حلول الذكرى الثامنة للثورة التونسية، فهلا مد ساسة تونس من كل الأطياف أياديهم مجددا للحوار ونزعوا فتيل الأزمة؟ أتمنى أن يخلع الجميع قميص يوسف الشاهد ويتحسبوا مما هو آت.

نقلا عن الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة التونسية إلى أين الأزمة التونسية إلى أين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:00 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما
  مصر اليوم - دينا فؤاد تعلن شرطها للعودة إلى السينما

GMT 03:24 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

"الثعابين" تُثير الرعب من جديد في البحيرة

GMT 22:38 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

نادي سموحة يتعاقد مع محمود البدري في صفقة انتقال حر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon