توقيت القاهرة المحلي 11:30:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حول قانون القومية العنصرى

  مصر اليوم -

حول قانون القومية العنصرى

بقلم - نيفين مسعد

فى التاسع عشر من يوليو الحالى أقر البرلمان الإسرائيلى قانون قومية الدولة ليزيد به فى تكريس الطابع العنصرى الذى لازم إسرائيل منذ نشأتها وحتى اليوم. وهكذا فبعد سياسة التوسع الاستيطانى الممنهج على حساب الأراضى الفلسطينية المحتلة، وبعد بناء الجدار العازل وتحويل البلدات الفلسطينية لمجموعة من الكانتونات المتناثرة، و بعد التمييز ضد العرب تمييزا فجًّا يطول كل مناحى الحياة، وبعد استهداف المسجد الأقصى بشتى وسائل التخريب، بالإضافة للتحكم فيمن يحق لهم الصلاة فيه ومن يُحرَمون من أداء الشعائر، ها هو قانون القومية يأتى ليجعل فلسطين العربية أرضا حصرية لليهود. انتقل نتانياهو من الترويج ليهودية الدولة واشتراط الاعتراف بها قبل أى تسوية مع الفلسطينيين إلى تمرير قانون القومية الذى أخرج مقولة أن اليهودية دين وقومية من حيّز الأساطير إلى نطاق الواقع.

لم يترك قانون القومية أيا من القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية إلا وضربها فى مقتل من أول قرار التقسيم الشهير الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نوفمبر 1947، وحتى قرار الجمعية العامة فى ديسمبر 2017 الذى أكد بطلان أى إجراءات تهدف إلى تغيير طابع مدينة القدس أو مركزها أو تركيبتها السكانية. ينص القانون على أن أرض إسرائيل هى الوطن التاريخى للأمة اليهودية أى ينفى ابتداء الحق العربى فى أرض فلسطين، ويعطى يهود إسرائيل وحدهم الحق فى تقرير المصير وهذا يخالف مبدأ راسخا من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة عن حق الشعوب الخاضعة للاستعمار فى تقرير مصيرها، ويجعل القدس الكاملة والموحدة عاصمة لإسرائيل لا فارق فى ذلك بين القدس الغربية والقدس الشرقية، ويفتح باب الهجرة لإسرائيل أمام اليهود وحدهم ويُحمِّل الدولة مسئولية تجميع شتات اليهود فى الخارج وتعزيز المستوطنات الإسرائيلية فى أراضيها وتوفير الموارد لذلك مما يعنى قضم المزيد من الأراضى الفلسطينية وتبديد حلم العودة من الناحية العملية، ويشير إلى أن العبرية هى لغة الدولة وأن اللغة العربية لها مكانة خاصة وهذا تعبير فضفاض لا موضع له فى الدول الديمقراطية التى تعيش فيها أقليات قومية كبيرة العدد. ثم بعد كل ما تقدم يأتى القانون ليقرر أن أى نزاع قضائى تتم تسويته وفقا لمبادئ الحرية والمساواة والعدالة والسلام المستمدة من القانون المدنى اليهودي!.

نحن إذن أمام نقلة نوعية جديدة وخطيرة فى مسار الصراع العربى -الإسرائيلي، هذه حقيقة، لكن من الحقائق الأخرى أن القانون المذكور تم تمريره فى الكنيست بأغلبية ليست كبيرة ففى مقابل موافقة 62 عضوا على القانون عارضه 55 وامتنع اثنان عن التصويت. ودلالة هذا أن المزيد من عنصرية الليكود كفيلة بتفجير التناقضات الداخلية الإسرائيلية، ومن يقرأ أعمدة ومقالات عدد من الكتاب الإسرائيليين فى صحف مثل «هاآرتس» يلمس هذه الحقيقة بجلاء، فهذا حيمى شليف يعقب على قانون القومية بمقال عنوانه «إسرائيل البلطجية تنتقل إلى الجانب الظلامى» وفيه ينتقد لا ديمقراطية القانون ويوضح آثاره المدمرة على سمعة إسرائيل حتى فى أوساط اليهود الأمريكيين. وهذا «دانييل» برانبويم يكتب فى الصحيفة نفسها مقالا بعنوان لماذا أخجل من كونى إسرائيليا؟ يدين فيه تحويل العرب فى إسرائيل إلى مواطنين من الدرجة الثانية ويقر بأن ذلك شكل واضح وصريح جدا من الفصل العنصري. إن إسرائيل دولة التناقضات، التناقض بين أصول المهاجرين اليهود وأوضاعهم المعيشية، والتناقض بين العرب واليهود، والتناقض بين الأرثوذوكسية الصهيونية والتيارات المدنية، والتناقض بين الشعارات المرفوعة والممارسات الفعلية، وقد تنبأ عالم السياسة الكبير الدكتور حامد ربيع منذ سبعينيات القرن الماضى بأن هذه التناقضات هى مكمن الخطر الحقيقى على إسرائيل.

لكن المعركة هى معركة العرب قبل أن تكون معركة داخلية إسرائيلية، وهناك مجالات تحتاج إلى تحرك سريع عربى وفلسطينى لكشف عنصرية قانون القومية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وفى اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصرى وأمام محكمة العدل الدولية. وعلى الرغم من أن الدعم الذى تلقته القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة سواء على مستوى الأمم المتحدة أو على مستوى عدد من برلمانات العالم أو عبر نشاط حركة مقاطعة منتجات المستوطنات لم يُغَيِّر الواقع على الأرض بسبب الخلل فى توازنات القوة، لكن هذا الدعم زاد فى العزلة الدولية لإسرائيل والولايات المتحدة وكان محرجا لكليهما إلى حد تهديد ترامب بقطع المساعدات والمعونات عن الدول التى ترفض موقفه من القدس، وإلى حد وصف «نيكى هيلى» تصويت 14 عضوا فى مجلس الأمن لصالح مشروع القرار المصرى عن القدس بأنه إهانة لن ننساها أبدا. على الجانب الآخر فإن تمسك الشعب الفلسطينى بحقه المشروع فى مقاومة الاحتلال يمثل ضغطا حقيقيا على إسرائيل، ولا ننسى أن بعضا من التحولات المهمة فى مسار الصراع جاء فى أعقاب انتفاضات فلسطينية.

يظن بنيامين نتانياهو أن قانون القومية كفيل بأن يضفى الشرعية على السياسات العنصرية، أما التاريخ فإنه يفيد بأن الواقع كفيل بإسقاط الشرعية عن كل القوانين المماثلة، ولنا فى تجربة جنوب إفريقيا دروس وعِبَر.

نقلا عن الأهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول قانون القومية العنصرى حول قانون القومية العنصرى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:02 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

الملكي يتقدم 1-0 قبل نهاية الشوط الأول ضد ألكويانو

GMT 10:15 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

للمرة الثانية أسبوع الموضة في لندن على الإنترنت كلياً

GMT 14:16 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الحكم في طعن مرتضى منصور على حل مجلس الزمالك

GMT 09:20 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

طريقة لتبييض الأسنان ولإزالة الجير دون الذهاب للطبيب

GMT 08:52 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري اليوم السبت

GMT 02:02 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

مصر على أتم الاستعداد لمواجهة أى موجة ثانية لفيروس كورونا

GMT 09:09 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسني يؤكد لو تم علاج ترامب في مصر لكان شفائه أسرع

GMT 14:47 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا يعلن عن تعاقده مع أغلى صفقة في تاريخه

GMT 04:36 2020 الخميس ,20 شباط / فبراير

ابن الفنان عمرو سعد يكشف حقيقة انفصال والديه

GMT 04:46 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور لها

GMT 09:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

"أدنوك أبوظبي" يحتفل باليوم الوطني للإمارات

GMT 18:05 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"ويفا" يُعلن طرح مليون تذكرة إضافية لجمهور "يورو 2020"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon