توقيت القاهرة المحلي 01:07:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شبق السُّلطة: من تونس إلى السودان

  مصر اليوم -

شبق السُّلطة من تونس إلى السودان

بقلم - سعد الدين ابراهيم

الشبق هو قمة الشهوة، والشهوة هى الرغبة العارمة فى إشباع إحدى اللذات الإنسانية الأساسية، وهى الرغبة الجنسية. وقد انتقل تعبير الشبق من عالم الجنس إلى العوالم الأخرى- مثل السياسة، والفن، والاقتصاد. وفى هذه كلها يُشير إلى نفس المعنى، وهو الرغبة العارمة، بلا حدود ذاتية، أى بلا كوابح من داخل الفرد نفسه.

وربما لا يُضارع أو يقترب من شهوة الجنس فى قوتها، إلا شهوة السُّلطة، أى الرغبة العارمة فى الوصول إلى موقع الشهرة والتأثير فى الآخرين من الأقربين والأبعدين. ويرتبط بتِلك السُّلطة التحكم فى سلوك البشر المُحيطين بصاحب تِلك السُّلطة، وبالموارد المادية والمعنوية والرمزية، التى تُضفى على صاحبها الإحساس بالعظمة والتفرد على من حوله من البشر، كما تجعل معظم هؤلاء البشر على استعداد للخضوع والطاعة، والامتنان والاحترام، أو الخوف والرهبة من صاحب تِلك السُّلطة.

ولأهمية وضرورة السُّلطة فى علاقات البشر ببعضهم البعض، فقد نظمت المجتمعات الإنسانية ظاهرة السُّلطة من حيث حجمها، وطُرق الحصول عليها، وتقنين أو ضبط توزيعها، وطُرق استخدامها، وتفويض أفراد أو جماعات باستخدام تِلك السُّلطة، لتنظيم وتسهيل سُبل الحياه للبشر.

وقد صاغ عُلماء الاجتماع والسياسة نظريات حول هذا الموضوع، أطلقوا عليها نظريات العقد الاجتماعى (Social Contract). وبعد ذلك قننها السياسيون ورجال القانون فيما نُطلق عليه الآن مصطلح الدستور الذى هو بمثابة الوثيقة الأساسية فى صياغة وتنظيم السُّلطة وتداولها سِلميًا، لتحقيق الحدود المُثلى من المنافع والطمأنينة لمعظم من يعيشون فى مجتمع، على أرض الوطن.

المقدمة السابقة، أعلاه، هى لتفسير ظاهرة ثورات الربيع العربى، التى بدأت فى مطلع القرن الحادى والعشرين فى تونس، وليبيا، ومصر، والجزائر، والسودان، واليمن، وسوريا. ثم لتفسير عودة المظاهرات الجماهيرية فى ربيع وصيف 2022 فى كل من تونس والسودان، احتجاجًا على استئثار رأس الدولة بسُلطة القرار، أو تلكئه فى تنفيذ بعض بنود العقد الاجتماعى، الذى كان قد جاء بمقتضاه إلى السُّلطة.

لقد كان الدكتور قيس سُعيّد أستاذًا جامعيًا مرموقًا فى الجامعة التونسية، وكانت صفات النزاهة، والاستقلال، والتواضع، والزُهد، هى ما جعلت معظم التونيسيين يرتضون به رئيسًا للجمهورية، بعد عشر سنوات من القلاقل والتوترات التى صاحبت ثورة الياسمين، وسنواتها الأولى، على أمل أن يقود السفينة التونسية من الأمواج المُضطربة إلى المياه الصافية الهادئة، ويُسلّم السُّلطة إلى حكومة مُنتخبة جديدة، خلال فترة انتقالية معلومة. ولكن الأستاذ الأكاديمى، الزاهد، النزيه، بعد شهور معدودات، لعبت السُّلطة بوجدانه ورأسه. فبدأ يُماطل، ويخترع الأعذار لتأجيل الوفاء بالاستحقاقات السياسية التى يتوقعها وينتظرها الشعب التونسى. وكان انضمام الاتحاد التونسى للشغل إلى القوى الشعبية الأخرى التى انخرطت فى الاضطرابات، إشارة لمنَ يعرفون المجتمع التونسى، بأن ساعة الخطر بدأت دقاتها السريعة. فذلك الاتحاد هو أقدم التنظيمات النقابية التونسية والعربية على الإطلاق، وتعود بدايته إلى مرحلة النضال من أجل الاستقلال، ضد الاستعمار الفرنسى لتونس، فى النصف الأول من القرن العشرين. وتعنى مُشاركة ذلك الاتحاد فى الإضراب إصابة الحياة العامة التونسية بالشلل التام. لذلك يتوقع المُراقبون للمشهد التونسى، سُرعة استجابة الرئيس قيس سُعيّد لتلبية الاستحاقات التى يتوقعها شعبه.

ويصدق نفس التحليل السابق أعلاه على الحالة السودانية. فخلال الانتفاضة الشعبية السودانية، التى أنهت أكثر من ثلاثين عامًا من حُكم المُستبد عُمر البشير، كان تدخل الجيش السودانى إلى جانب الجماهير السودانية، لإجبار البشير على الرحيل، تطورًا محمودًا، حقنًا للدماء التى كان يتوقعها أن تنهمر، لو كان البشير قد أمعن فى الإصرار على إشباع شبق السُّلطة فى داخله وفى داخل أتباعه المُقربين الذين استغلوا الإسلام، وادعوا الحديث باسمه، وتسبّبوا فى انفصال جنوب السودان، ذى الأكثرية غير المسلمة، حين أصر نظام البشير على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على كل السودانيين، حتى من غير المسلمين.

المهم لموضوعنا هو أن قيادة الجيش السودانى مُمثلة فى شخص قائده، الفريق عبد الفتاح البُرهان، قد انحازت للاحتجاج الشعبى ضد عُمر البشير، حتى سقط من عليائه. وكبادرة امتنان للجيش وقائده، ارتضت قوى الاحتجاج الشعبية السودانية تقاسم السُّلطة والتناوب المدنى- العسكرى، خلال مرحلة انتقالية معلومة.

ولكن غواية السلطة تسببت فى المماطلة للوفاء بالاستحقاقات المتفق عليها خلال الأسابيع الأولى للانتفاضة الشعبية ضد عمر البشير.

وعلى الله قصد السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبق السُّلطة من تونس إلى السودان شبق السُّلطة من تونس إلى السودان



GMT 01:07 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

أميركا لا تحسن الاختيار!

GMT 03:05 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دكتور حواس وماذا عن البلايا العشر؟

GMT 03:03 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

محاضرة فرنسية هامة.. وصريحة

GMT 03:02 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

وسحبت «أسترازينيكا» اللقاح؟!

GMT 03:01 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

مستوى خطابنا على صفحات التواصل!!

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 08:54 2021 الأربعاء ,24 شباط / فبراير

ديكور فخم في منزل شذى حسون في برج العرب

GMT 13:39 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب كيرمان في شرق إيران

GMT 13:44 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

«الزراعة» تواصل خطتها لخفض استهلاك المبيدات الكيماوية

GMT 01:58 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

شالكه يسقط أمام كولن بالوقت القاتل في الدوري الألماني

GMT 06:57 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

التمدد أكثر فعالية من المشي لخفض ضغط الدم المرتفع

GMT 20:35 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل معجنات الثوم

GMT 07:25 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

توقعات العام 2021 لبرج الجدي وفق بطاقات التارو

GMT 17:55 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ريال مدريد يتوعّد إلتشي بمواصلة سلسلة الانتصارات في "الليغا"

GMT 10:16 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الرئة وأبرز أسباب الإصابة بالمرض

GMT 02:14 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ضياء السيد يؤكد أن هناك رواسب قديمة بين فضل وكهربا

GMT 13:05 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

ليكرز يرد بقوة على هيت ويتقدم 3-1 بنهائي السلة الأميركي

GMT 12:20 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

قرار بدفن موتى كورونا على الطريقة التقليدية في الأردن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon