توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تغيير مجرى التاريخ: من السادات إلى جورباتشوف

  مصر اليوم -

تغيير مجرى التاريخ من السادات إلى جورباتشوف

بقلم:سعد الدين ابراهيم

سبق أنور السادات فى قمة السلطة المصرية قيادات كاريزمية عملاقة مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس، ومحمد نجيب، وجمال عبد الناصر.ولكن محمد أنور السادات، الذى لم يتمتع بأى كاريزما، هو الذى جرؤ على المساس بما كان المصريون والعرب يعتبرونه من الثوابت التاريخية، وهو المبادرة السلامية نحو العدو الصهيونى، بزيارته لإسرائيل، ثم توقيع معاهدة سلام معها. وبذلك أنهى السادات مسلسل المواجهات العسكرية المسلحة، وتحول الصراع من عربى إسرائيلى، إلى فلسطينى إسرائيلى، يصطلح به أصحاب العزيمة أنفسهم، أى الفلسطينيون من أطفالهم ونسائهم، إلى شيوخهم.

واقتصر الدور المصرى على الدعم المعنوى والإنسانى للفلسطينيين. وكانت مبادرة السادات، عام 1977، فتحا جديدا فى إدارة الصراع سلميا، والتفرغ لتحولات هيكلية فى الداخل المصرى، كان أهمها الانفتاح الاقتصادى والتعددية الحزبية.

ومع اختلاف التاريخ والأحجام والتفاصيل، فإن الزعيم السوفيتى أناتولى جورباتشوف قام بدور مماثل فى الاتحاد السوفيتى، أنهى به الصراع بين المعسكرين الشرقى والغربى، بتوقيع معاهدة للحد من الأسلحة الذرية، وتحويل الاقتصاد الروسى إلى آليات السوق والنهج الرأسمالى، بعد سبعين عاما من الثورة البلشفية، التى حملت وروجت للفكر الماركسى الشيوعى.

وكما أنهى أنور السادات حقبة ساخنة من التاريخ المصرى والعربى العداء للغرب وإسرائيل، فعل أناتولى جورباتشوف نفس الشىء، لا فقط فى السياسات والإدارة الداخلية فى الاتحاد السوفيتى، ولكن فى إنهاء قبضة موسكو على مقاليد الأمور فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى، وفى بلدان أوروبا الشرقية، التى ظلت تدور فى الفلك الروسى سياسيا وعسكريا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عام 1945، من خلال حلف وارسو، الذى نشأ كمقابل وظيفى موضوعى لحلف شمال الأطلنطى، الذى قادته أمريكا، وضم حلفاءها الأوروبيين الغربيين.

أدرك أناتولى جورباتشوف أن بلاده تدفع فاتورة باهظة فى سباق التسلح والحرب الباردة، وفى قيادتها لبلدان حلف وارسو، وأنها لا يمكن أن تتحمل تلك الفاتورة الباهظة. كما أدرك بنفس الشجاعة أن تجربة الاقتصاد الاشتراكى، التى بدأت عام 1914 مع نيقولا لينين، ومن بعده جوزيف ستالين، قد استنفدت قوة دفعها، وعوائدها الاقتصادية والاستراتيجية، وأن استمرارها ينطوى على مزيد من إفقار روسيا نفسها، وتبديد ما ظلت تملكه من قوة ذاتية، ومن تأثير خارجى. ولم يكن جورباتشوف وحده فى ذلك الإدراك، ولكن سبق ورافقه آخرون من زعماء الحزب الشيوعى والقادة السوفييت.

ووجد جورباتشوف ترحيبا وتشجيعا من الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، ومن المرأة الحديدية البريطانية مارجريت تاتشر، ومن الرئيس الفرنسى تشارلز ديجول. كما وجد ترحيبا وابتهاجا لنفس تلك السياسات الجديدة من المواطنين الروس أنفسهم.

وحين افتتحت بعض شركات الوجبات السريعة، مثل ماكدونالد، وبيتزاهات، فروعا لها فى موسكو، وفى مناطق روسية أخرى أقبل عليها الروس إقبالا منقطع النظير، حيث كانت الطوابير تصل إلى عدة كيلومترات لشراء إحدى تلك الوجبات السريعة. وتكرر نفس الشىء فى سلاسل محلات الملابس والأحذية والسلع الأخرى. باختصار كان هناك نهم استهلاكى سوفيتى لكل ما هو أمريكى، أو بريطانى، أو فرنسى، أو إيطالى.

ومن أوجه الشبه الأخرى بين المصرى أنور السادات، والروسى أناتولى جورباتشوف، أن كلا منهما أسهم بشكل كبير فى تبديد الصراعات الإقليمية والدولية، وفى تجنيب بلادهما وجيرانهما أخطار صراعات مسلحة.

ولذلك، وجدت الأكاديمية السويدية للعلوم والفنون أن كلا من أنور السادات وأناتولى جورباتشوف يستحقان الحصول على الجائزة السنوية الشهيرة باسم جائزة نوبل.

ومن مفارقات التاريخ والأقدار، أن كلا من أنور السادات وأناتولى جورباتشوف، لم يحظيا فى داخل بلديهما بنفس القدر الهائل من التقدير الذى حظيا به عالميا.

رحم الله السادات وجورباتشوف، وأدخلهما فسيح جناته.

وعلى الله قصد السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغيير مجرى التاريخ من السادات إلى جورباتشوف تغيير مجرى التاريخ من السادات إلى جورباتشوف



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة

GMT 11:54 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد في مواجهة قوية أمام الأسيوطي في كأس مصر

GMT 12:13 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ميدو يؤكّد أنّ مدبولي وقّع لدجلة قبل الانتقال إلى الزمالك

GMT 03:31 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

توقعات ماغي فرح لبرج الأفعى الصيني للعام 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon